الانتفاضة الفلسطینیة الثالثة قادمة
بقلم هانی المصری
بعد قرار رئیس الحکومة الإسرائیلیة إدراجَ الحرم الإبراهیمی ومسجد بلال ضمن قائمة الـمواقع الأثریة الإسرائیلیة، حذّر الرئیس أبو مازن من نشوب حرب دینیة، ودعا إسماعیل هنیة رئیس الحکومة فی غزة إلى شن انتفاضة شعبیة رداً على الاحتلال وما یقوم به من إجراءات عدوانیة توسعیة استیطانیة عنصریة.
فی السابق، کان الشعب الفلسطینی ینتفض لأسباب أقل بکثیر مما یجری حالیاً. فالقدس تتعرض لأوسع عملیة تهوید وأسرلة، والاستیطان یتکثف رغم مسرحیة التجمید الجزئی والـمؤقت، وجدار الفصل العنصری یقترب من الاکتمال، والحصار الخانق لقطاع غزة یتواصل مع استمرار العدوان. لـماذا إذاً لا یشن الشعب الفلسطینی انتفاضة شعبیة؟.
السبب الأول الذی یحول دون ذلک هو أن حصیلة الانتفاضات السابقة لـم تکن مشجعة، فالانتفاضة الأولى انتهت إلى اتفاق أوسلو، والانتفاضة الثانیة کانت مکلفة جداً وانتهت إلى دمار وموت وتبنی إسرائیل خطة الفصل التی ابتدأت بخطة فک الارتباط عن قطاع غزة، ویمکن أن تنتهی بإقامة دولة معازل مقطعة الأوصال ذات حدود مؤقتة، لا تملک من مقومات الدول سوى الاسم.
السبب الثانی الذی یحول دون اندلاع انتفاضة یتمثل فی الانقسام السیاسی والجغرافی. فالانقسام کسر ظهر الفلسطینیین وأدى إلى حالة من الیأس والإحباط وإلى انشغال القوى الفلسطینیة فی صراع داخلی مدمر استنزف طاقاتها، ومکّن الاحتلال من الـمضی فی طریق تطبیق مخططاته الاحتلالیة بسرعة أکبر وتکالیف أقل.
السبب الثالث یعود إلى أن السلطة أعلنت وعلى لسان الرئیس نفسه مراراً و تکراراً أنها ضد اندلاع انتفاضة ثالثة؛ لأن السلطة تراهن على خیار الـمفاوضات کأسلوب وحید لحل الصراع. وعندما توقفت عملیة السلام منذ أکثر من عام، ووصلت الـمفاوضات إلى طریق مسدود باعتراف قادة السلطة، أصبحت القیادة تشجع الـمقاومة الشعبیة السلـمیة وابتدأت خطة لـمقاطعة الاستیطان، ولکن دون اعتبار ذلک خطة إستراتیجیة جدیدة وإنما کتکتیک للضغط هدفه الأساسی إقناع إسرائیل باستئناف الـمفاوضات على أساس تجمید الاستیطان والاتفاق على مرجعیة واضحة وملزمة، کما أن هنالک أفراداً وشرائح داخل السلطة والـمجتمع من مصلحتها إبقاء الوضع الراهن دون انتفاضة، وبالتالی تعارض أن تقود السلطة الـمقاومة الشعبیة.
ویصب ترکیز السلطة على بناء الـمؤسسات وإثبات الجدارة وتحسین الأمن الداخلی والاقتصاد بمعزل عن إعطاء الأولویة لإقرار الحقوق والکفاح لإنهاء الاحتلال فی إبعاد احتمال الانتفاضة.
السبب الرابع یرجع إلى تحسین أحوال الفلسطینیین اقتصادیاً من خلال اتخاذ الاحتلال جملة من الخطوات مثل إزالة بعض الحواجز وتسهیل الحرکة ومنح تصاریح أکثر لدخول إسرائیل وتشجیع قیام بعض الـمشاریع الاقتصادیة.
تأسیساً على ما سبق یمکن أن نفسر عدم اندلاع انتفاضة شعبیة حتى الآن، ولکن الأسباب الـمذکورة لا یمکن أن تمنع الانتفاضة إلى الأبد، فالانتفاضتان الأولى والثانیة اندلعتا فی وضع اقتصادی جید، فعاجلاً أم آجلاً ستکون هناک انتفاضة، خصوصاً أن الحکومة الإسرائیلیة الحالیة تعتبر أکثر حکومة تطرفاً منذ تأسیس إسرائیل، وتقترف جمیع الأفعال التی یمکن أن تؤدی إلى انتفاضة.
وما یحدث حالیاً فی القدس والخلیل وبلعین ونعلین وأم سلـمونة وغیرها فی حوالى 25 موقعاً أصبحت تشهد فعالیات کفاحیة منتظمة هو "بروفة" للانتفاضة القادمة. فالانتفاضة الثالثة ستولد من رحم الانتفاضة الثانیة ولکنها ستأخذ أشکالاً متعددة ومتدرجة وتبدأ بهبات وتتصاعد وصولاً إلى انتفاضة شاملة.
هنالک قانون طبیعی یفعل فعله باستمرار هو "أن لکلِّ فعلٍ ردَّ فعلٍ مساویاً له فی الـمقدار ومعاکساً له فی الاتجاه"، وهذا القانون یفرض أن تکون هنالک ردة فعل طبیعیة على ما یقوم به الاحتلال من مخططات لضم وتهوید أکبر مساحة ممکنة من الارض الفلسطینیة الـمحتلة.
ومن الـمتوقع تصعید إجراءات الاحتلال. فکما لاحظنا رحب الـمستوطنون بخطوة الحکومة الإسرائیلیة الأخیرة بخصوص الحرم الإبراهیمی ومسجد بلال، وطالبوها بالـمزید على طریق إدراج أکثر من 150 موقعاً (من ضمنها الـمسجد الأقصى) کمواقع أثریة إسرائیلیة.
وإذا لـم تدرک القوى الفلسطینیة الـمختلفة أن الأمور تسیر نحو التصعید والـمواجهة، وأن علیها أن تستعد لذلک لکی تقود الانتفاضة القادمة عندما تنضج شروطها، وحینها لن تنتظر إذناً من أحد، ولا قراراً من أحد. فالانتفاضة عمل شعبی کبیر تندلع عندما تنضج العوامل الذاتیة والـموضوعیة لاندلاعها.
وبدلاً من أن تتجه الانتفاضة القادمة نحو الوضع الداخلی، یجب السعی لکی تتجه نحو الاحتلال وتکون منظمة ولها أهداف سیاسیة واقعیة متفق علیها، وألا تنزلق نحو الـمواجهة الـمسلحة التی تتفوق فیها إسرائیل. ولا یعنی ذلک إدانة الـمقاومة الـمسلحة أو أعمال الـمقاومة الفردیة، وإنما التمسک بحق الشعب الفلسطینی بالـمقاومة وترکیز جهوده على مقاومة شعبیة شاملة، کخط إستراتیجی لا ینتهی سوى بتحقیق أهداف الشعب الفلسطینی بإنجاز الحریة والعودة والاستقلال.
من ضمن الاستعداد الفلسطینی الـمطلوب للانتفاضة الثالثة عدم الانزلاق إلى استئناف الـمفاوضات، بصورة مباشرة أو غیر مباشرة، دون تجمید الاستیطان والتزام إسرائیل بمرجعیة واضحة وملزمة لعملیة السلام.
فإسرائیل ترید استئناف الـمفاوضات لأنها تحقق لها مزایا هائلة من ضمنها قطع الطریق على اندلاع انتفاضة شعبیة ثالثة، تحدث أزمة شاملة بالـمنطقة تستدعی تدخلاً عربیاً ودولیاً یضغط على إسرائیل، ویمکن أن یجبرها على قبول حل ینهی احتلالها لأراضی 1967، ویحقق الحد الأدنى من الحقوق والـمصالح الفلسطینیة.
إن أهم خطوة ضروریة لکی تعطی الانتفاضة القادمة نتائج حاسمة لصالح الشعب الفلسطینی ولا تجهض مثل سابقاتها، تتمثل بإعطاء الأولویة القصوى لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنیة على أساس إعادة الاعتبار للبرنامج الوطنی واعتماد الشراکة على أسس دیمقراطیة تضمن حصة لکل طرف وفقاً لوزنه فی إطار عمل وطنی موحد مشترک.
لا یمکن مقاومة الاحتلال والانتصار علیه ونحن مفرقون. وخاطئ إلى حد الإجرام کل من یساهم باستمرار وتعمیق الانقسام متصوراً أن فریقه هو صاحب الحق وحده فی القیادة!!.
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS