qodsna.ir qodsna.ir

العالم یقاوم «الأبرتهاید» الإسرائیلی.. والعرب یشرّعونه!

بقلم الدکتور عبد اللطیف الحناشی

 

صادف یوم الاثنین الماضی، الأول من شهر آذار/ مارس، أول أیام أسبوع مقاومة الأبرتهاید الإسرائیلی وهو الیوم الذی أقرته الجمعیة العمومیة للأمم المتحدة منذ سنة 2005. وتحولت المناسبة إلى مشروع دولی للتضامن مع الشعب العربی الفلسطینی وإدانة جرائم الاحتلال الذی تمارسه الدولة الصهیونیة ضد السکان العرب داخل الخط الأخضر وفی الضفة الغربیة والجولان المحتل والقطاع المحاصر...

وتحتضن نحو 58 جامعة أوروبیة وأمریکیة وکندیة، هذه السنة، نشاطات هذا الأسبوع المتنوعة، منها إلقاء عدة محاضرات وتقدیم عروض ثقافیة وفنیّة تکشف عن بعض مظاهر نظام الفصل العنصری الصهیونی بالمقارنة مع نظام الابارتهاید الذی فُرض فی الماضی على جنوب أفریقیا.

کما تتمیز فعالیات هذه السنة، أیضا، بمشارکة عدد من الفنانین والأکادیمیین الإسرائیلیین، إذ سیقدّم البروفیسور جف هلبر أحد مؤسسی "اللجنة الإسرائیلیة ضد هدم البیوت" محاضرة فی جامعة غلاسکو حول "الأبرتاید الإسرائیلی وسبل مقاطعة إسرائیل وفرض عقوبات علیها"، کما سیعرض المخرج السینمائی شای بولاک فی جامعة بوسطن فیلمه الوثائقی "بلعین حیاتی" الذی سیتناول العنف الذی یلجأ إلیه الجیش الصهیونی لقمع الفلسطینیین والإسرائیلیین والأجانب المتظاهرین ضد الجدار الفاصل فی الضفة الغربیة المحتلة. والواقع أن نعت إسرائیل بالتمییز العنصری أصبح مقبولا ومتداولا، أکثر فأکثر عالمیا وذلک منذ مؤتمر دربن الأول الذی انعقد فی أغسطس/ أوت سنة 2002..

ویعتبر المؤرخ الیهودی الحامل للجنسیة الإسرائیلیة "المُبعد من إسرائیل" أیلان بابی أن الأیدیولوجیة الصهیونیة، تتطابق مع أیدیولوجیة التمییز العنصری، التی کانت الحکومات فی جنوب أفریقیا تعتمدها لممارسة القمع الوحشی ضد الزنوج، أما الحکومات فی "إسرائیل" فترتکز بدورها على الأیدیولوجیة الصهیونیة، لتجرید الفلسطینیین من إنسانیتهم وحقوقهم.

 وقد قام الصحفی البریطانی "کریس مالغریل" بدراسة مظاهر التمییز العنصری الإسرائیلی ضد الفلسطینیین ونظام الأبرتهاید الجنوب إفریقی وتوصل بعد استقراره فی جوهانسبورغ "عاصمة جنوب إفریقیا" لأکثر من عقد ونحو أربع سنوات فی القدس المحتلة إلى تشابه التجربتین من حیث التمییز والاضطهاد، مؤکدا أن معظم الإسرائیلیین "لا یختارون رؤیة ذلک، مثلما کان الحال فی جنوب إفریقیا البیضاء فی الماضی والحاضر".

کما یؤکد رئیس الوزراء فی جنوب إفریقیا ومهندس "الأبرتهاید الکبیر" "هیندریک فیروورد" "1961" تشابه التجربتین، حیث قال: "أخذ الیهود من العرب فلسطین بعد أن عاش العرب فیها ألف عام، وإسرائیل دولة تمییز عنصری "أبرتهاید" مثل جنوب إفریقیا". کما أکدت "الجمعیة الإسرائیلیة للحقوق المدنیة" فی أحد تقاریرها أن التمییز "ملموس"، فی إسرائیل بین المجموعتین على الأراضی نفسها، سواء على مستوى الخدمات والموازنات أو على مستوى الحصول على الموارد الطبیعیة، وهو ما یشکل حسب رأیه، "انتهاکاً واضحاً لمبدأ المساواة، الأمر الذی یذکر فی کثیر من جوانبه وأسالیبه وبطریقة أکثر فأکثر حدة بنظام الفصل العنصری الذی کان مطبقاً فی جنوب إفریقیا"؛ إذ "کان التمییز قائما على العرق، فی حین أنه فی الأراضی "المحتلة" قائم على العنصر القومی".

وذکر التقریر أن سکان الضفة الغربیة الذین یعدون ملیونین و300 ألف نسمة یخضعون للقانون العسکری الإسرائیلی، فی حین أن جیرانهم المستوطنین الذین یعدون 250 ألفاً، یخضعون للقانون المدنی الإسرائیلی. وفی حین یتمتع المستوطنون بشبکة طرق حدیثة مخصصة حصریا للسیارات الإسرائیلیة، یجبر الفلسطینیون على سلوک "طرق خطرة"؛ بالاضافة إلى سن قانون یمنع العربی من السکن فی التجمعات والقرى الجماهیریة وإحاطة مختلف المدن والقرى العربیة بالمستوطنات والطرق الالتفافیة وطرح برنامج بُوشر بتنفیذه للتطهیر العرقی ضد العرب فی النقب.. إلى جانب ذلک تفرض إسرائیل قیودا صارمة على البناء فی التجمعات الفلسطینیة، وترفض تحدیث البنى التحتیة والمرافق فیها. ویشیر التقریر إلى أرقام الأمم المتحدة التی تؤکد أن 65 فی المائة من الطرق التی تؤدی إلى 18 من المدن والبلدات الرئیسیة الفلسطینیة، مغلقة أو تنتشر علیها حواجز عسکریة إسرائیلیة..

کما یمثل القانون الإسرائیلی الذی یمنع زواج الفلسطینیین من جانبی الخط الأخضر، أی من الضفة الغربیة وإسرائیل، والعیش سویة، أحد أهم أشکال الفصل الذی یتعدى السیاسة والجغرافیة لیصل إلى الحیاة الشخصیة. وکان الرئیس الأمریکی السابق جیمی کارتر قد ألمح بدوره فی کتابه "السلام والتمییز العنصری" لبعض مظاهر التمییز العنصری فی إسرائیل: "سور التمییز العنصری" و"شوارع التمییز العنصری". کما أعد مجلس أبحاث العلوم الإنسانیة فی جنوب أفریقیا دراسة سنة 2007 لاختبار فرضیة طرحها البروفسور جون دوغارد المقرر الخاص للأمم المتحدة حول وضع حقوق الإنسان فی الأراضی الفلسطینیة المحتلة، أکد فیها أن إسرائیل تمارس سیاسة الاحتلال والفصل العنصری التی تخالف القانون الدولی.

وبموازاة ذلک تزایدت حرکة المقاطعة لإسرائیل واتخذت أشکالا مختلفة وخاصة مقاطعة عدة جامعات فی بریطانیا والسوید والدنمارک وغیرها من المؤسسات الأکادیمیة الإسرائیلیة والمحاضرین الإسرائیلیین. وقد تبنت بعض منظمات المجتمع المدنی الأوروبیة فی بلباو "إسبانیا" سنة 2008 حملة "العشر نقاط" والتی دعت إلى مقاطعة البضائع والسلع المصنّعة فی المناطق الفلسطینیة والسوریة المحتلة والمؤسسات الإسرائیلیة وکل من یساهم فی بقاء الاحتلال، کما دعت الفنانین العالمیین إلى ضرورة لفت أنظار العالم إلى بشاعة الاحتلال، فی حین نددت بأولئک الذین یُحیون حفلات وعروض فنیة فی إسرائیل. ودعت المخرجین السینمائیین إلى مقاطعة المهرجانات السینمائیة الإسرائیلیة کما قامت منظمة أوکسفام "Oxfam" العالمیة لمحاربة الفقر والظلم بقطع علاقاتها مع بعض الفنانین بعد أن شارکوا فی الدعایة لمنتجات تجمیل صنعت فی المناطق المحتلة. وقبل أیام قضت محکمة العدل الأوروبیة بأن البضائع التی تنتج فی المستوطنات الإسرائیلیة، فی الضفة الغربیة، لا یمکنها الاستفادة من نظام الإعفاءات الجمرکیة المنصوص علیها فی الاتفاق التجاری بین الاتحاد الأوروبی وإسرائیل..

وتواجه إسرائیل حالیا "تحدیّا" یتعلق بتآکل شرعیتها وموقعها فی العالم کدولة استعماریة عنصریة ودینیة وعدوانیة؛ إذ أخذت صورتها فی الاهتزاز بقوة فی الغرب، خلال العقدین الماضیین، باعتبارها "الدیمقراطیة الوحیدة فی المنطقة" و"الدولة الباحثة عن السلام" و"القوة التی لا تقهر" بعد مجزرة لبنان سنة 2006 ومحرقة غزة وفضیحة سرقة الأعضاء البشریة من الشهداء الفلسطینیین، وأخیرا تورّط جهاز "الموساد" فی استخدام جوازات سفر أوروبیة لاغتیال محمود المبحوح أحد قادة حرکة حماس فی إمارة دبی... مما دفع المجتمع الدولی بتبنی تقریر غولدستون، ثم محاولات اعتقال مسؤولی "فی الدولة العبریة" وملاحقتهم أمام القضاء فی الخارج..

وکان التقریر الصادر عن معهد أبحاث "روت" فی تل أبیب حول "المسائل الاقتصادیة والاجتماعیة فی إسرائیل" قد أقرّ بتعرّض إسرائیل لحملة عالمیة لنزع الشرعیة عنها، داعیا حکومة بنیامین نتنیاهو عدم تجاهل "الانتقادات المشروعة". کما أشار إلى "أن تصویر إسرائیل على أنها شیطان ".." یرمی إلى إنکار شرعیتها وتقدیمها على أنها کیان استعماری مرتبط بممارسات نازیة وتمییز عنصری".

کما ندّد التقریر "بالتظاهرات المناهضة لممثلی إسرائیل فی جامعات أجنبیة أو فی الملاعب وبدعوات إلى مقاطعة منتجات مصنعة فی إسرائیل أو بمحاولات ترمی إلى اعتقال مسؤولین" فی الدولة العبریة "وملاحقتهم أمام القضاء فی الخارج". واتهم شبکات عالمیة تتکون من أفراد وجمعیات ومنظمات غیر حکومیة موالیة للفلسطینیین، عربیة أو مسلمة، على علاقة بالیسار الأوروبی هدفها تقدیم إسرائیل على أنها دولة منبوذة وإنکار حقها فی الوجود".

واعتبر رئیس الوکالة الیهودیة المکلفة بشؤون هجرة یهود الشتات إلى إسرائیل، ناتان شارانسکی، أن "معاداة السامیة فی القرن الحادی والعشرین هی معاداة الصهیونیة". وأضاف "أن إسرائیل تواجه حملة عالمیة ترمی إلى نزع الشرعیة عنها.. إنها حرب حقیقیة تهدد مصالحنا الإستراتیجیة، وینبغی الرد على کل ضربة بضربة".

وبعد تصاعد النشاطات المناهضة لإسرائیل، بشکل واسع بعد محرقة غزة خاصة، سارعت وزیرة الخارجیة الإسرائیلیة، آنذاک، تسیبی لیفنی إلى دعوة الخبراء الدبلوماسیین فی وزارتها إلى وضع خطة طارئة لمواکبة العدوان إعلامیاً على الصعید الدولی غیر أن ما کان یُنقل عبر وسائل الإعلام من غزة کان أقوى من الحملة الدبلوماسیة. کما تحاول حکومة الیمین والیمین المتطرف برئاسة بنیامین نتنیاهو بدورها تلمیع صورة إسرائیل وإنقاذها مما لحق بها من تشویه نتیجة ما تمارسه ضد الفلسطینیین، لذلک أنشئت السنة الماضیة وزارة جدیدة تحت اسم "وزارة الإعلام والشتات"...

ویتعجّب المتابع لهذا المدّ الواسع المناهض للصهیونیة والسیاسات العنصریة فی العالم ضد الدولة الإسرائیلیة من صمت الأکادیمیین والمثقفین العرب بل لامبالاتهم وعدم انخراطهم فی هذه العملیة أو تحمّسهم لها فی الوقت الذی یستمر البعض من هؤلاء فی مواصلة التطبیع مع الجامعات والجامعیین الصهاینة. ویظهر أن هؤلاء قد غیّروا من أسلوبهم وطریقة عملهم وذلک بعد انفضاح أمرهم وفشل مسعاهم فی التطبیع، إذ کف الکثیر منهم عن الانتقال لزیارة إسرائیل أو استقبال بعض الجامعیین الصهاینة فی بعض الجامعات العربیة وذلک بعد أن تکفّلت بعض المؤسسات الأکادیمیة الأوروبیة بتنظیم ندوات ومؤتمرات، ذات علاقة بالعالم العربی أو ما یعرف بالشرق الأوسط أو حضارة البحر الأبیض المتوسط، فی بعض عواصم بلدانها تجمع فیها الأکادیمیین الصهاینة العاملین فی الجامعات الإسرائیلیة مع الجامعیین العرب المطبّعین.

أما الحکومات العربیة فهی تواصل التطبیع السیاسی والاقتصادی "المجانی" مع الدولة الصهیونیة العنصریة، وهو ما یعنی ضمنیا التغطیة على السیاسات الإسرائیلیة العنصریة ضد الفلسطینیین وتشریعها!..

ن/25


| رمز الموضوع: 141341