العرب وصمت القبور تجاه تهوید المقدسات
الدکتور عبد العزیز المقالح
فی حوار طویل مع عقل عربی من بقایا العقول النـزیهة الحکیمة التی لم یمسخها غبار العولمة وتشویهات زمن الدیمقراطیة المحمولة على الدبابات تمت قراءة الواقع العربی من زوایاه المختلفة، وتطرق الحوار إلى واحد من الموضوعات المسکوت عنها، والذی یتجلى فی التناقض الواقع بین تهور الأمس وأناة الیوم وغیاب الحکمة بین الموقفین.
یرى صاحبی أن الأمس کان أجدر بالأناة، والتعامل مع الأحداث والآخرین بالمنطق الهادئ والتبصر الشامل. فقد کان الاحتلال فی مرحلة انحسار، إن لم یکن قد انحسر تماماً، بینما الوقت الآن بمستجداته الخطرة هو الأحق بالاندفاع والمغامرة بکل أشکالها، فلم یبق شیء یدعو إلى المنطق والتبصر، مع الاستمساک بالحکمة إذ لا غنى عنها فی حیاة البشر مهما کانت الظروف والاعتبارات.
لکن الحکمة لا تعنی بحال النزول عند کل ما یطلبه العدو الذی یتحدى ویصل به الغرور وصلف المواجهة إلى درجة فرض رغباته المتعارضة مع صون المقدسات ومبادئ السیادة والاستقلال والإملاءات المصحوبة بکم هائل من التهدیدات المعلنة والمبطنة والتی من شأنها أن تستفز مشاعر کل أبناء هذه الأمة التی قدمت فی تاریخها القریب أعظم التضحیات للخلاص من الاحتلال فی شکله البائد القائم على الاحتلال المباشر.
لقد عاش العرب فی ستینات القرن العشرین وسبعیناته حالة من الاندفاع الذی کان- أحیاناً- یلغی منطق العقل، وبلغ فی بعض المواقف درجة الهوس والاعتذار المبالغ فیه بالذات المصحوب بعدم تقدیر الأمور.
وهم الآن فی حالة عکسیة تماماً یتراجعون ولا یندفعون، یرکعون ولا یتهورون، وصاروا یمیلون إلى الاستسلام فی ظل ما یسمونه بالتعقل وضبط النفس وما یرافق هذا الموقف المهین من إذلال وسحق للذات، وذلک لکی یُظهروا أمام العالم الذی لا یعطیهم أدنى اهتمام أنهم عقلاء ومسالمون ویعملون على توفیر المناخات الملائمة لحل المشکلات الساخنة، وإعطاء الفرصة بعد الأخرى لمن یرید، أو یستطیع، أن یتدخل لإطفاء الحرائق المشتعلة منذ أکثر من خمسین عاماً وفی مقدمتها وأهمها الحریق الفلسطینی.
وهذا التناقض الحاد بین ما کان یحدث بالأمس وما یحدث الیوم یکاد یکون السمة الأوضح فی واقع السیاسة العربیة لدى کل الدول العربیة دون استثناء. إن سلامة الأوطان والدفاع عن الحق المستلب لا یکون بالاستفزاز والصوت العالی کما کان بالأمس، ولا یکون بالاستسلام وغیاب الصوت تماماً کما هو الحال الیوم.
ویبدو أن بعض القیادات السیاسیة فی الوطن العربی لم تفقه شیئاً من علم السیاسة والدفاع عن المصالح الوطنیة والقومیة، وأن ریاح التغییر، التی یأخذها المد تارة نحو الیسار وأخرى نحو الیمین، تحتاج إلى وعی حقیقی لمجریات الأمور ونتائجها.
والأمثلة على هذا التناقض کثیرة ولا حاجة هنا إلى إیراد مثل واحد منها حتى لا یعتقد القارئ أنه أهمها، فهی کلها على قدر من الأهمیة، ومن شأن استحضارها کاملة والتفکیر فیها بموضوعیة أن یعکس السیاسة العربیة الراهنة رأساً على عقب وأن یجعل العرب یستعیدون- وفی أقل وقت من الزمن- احترامهم المفقود لأنفسهم واحترام الآخرین لهم.
لقد کان أبو الطیب شاعر العرب الحکیم یضع النقاط على الحروف وهو یتحدث عن خطورة "وضع الندى فی موضع السیف" وعن "وضع السیف فی موضع الندى" وما یکشف عنه مثل هذا الفعل الغبی من تناقض فی طریقة استخدام القوة فی غیر موضعها، والکرم فی غیر موضعه، وما یترتب على الحالة الأخیرة من إعطاء عدو الأمة الفرصة الأخیرة للإجهاز على ما تبقى من فلسطین.
وما الخطوات الخطیرة التی اتخذها رئیس وزراء هذا الکیان "النتنیاهو" فی ضم بعض المقدسات الإسلامیة لتدخل ضمن الموروث الصهیونی إلاَّ الصفعة الأکبر والأخطر فی وجوه کل العرب حاکمین ومحکومین، وقد حدث هذا على مرمى أسابیع قلیلة من مؤتمر القمة العربیة المزمع عقده فی نهایة هذا الشهر لیکون شاهداً آخر على قممٍ لا تعکس فی الواقع العربی سوى الضد من معناها.
*****
تأملات شعریة:
هی حرب البسوس
تنام وتصحو،
تکبّد أطفالنا ومرابعنا
البؤس والحسراتْ.
کفانا حروباً وأضرحةً
والعدو على الباب
یسرق أحلامنا ویصادر أفراحنا
ویرینا صروفاً ثقالاً من الموت
قبل الممات.
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS