qodsna.ir qodsna.ir

العلاقة الأمریکیة الإسرائیلیة 'قیم تتجاوز السیاسة'

 

بقلم مروان العیاصرة

 

 السیاسة الإسرائیلیة أشبه ما تکون بصفقات تجاریة لم یعلن عن مدى ربحیتها أو خسارتها، وربما ما یظهر على السطح لیس سوى خطوط هامشیة لیست مقصودة بحد ذاتها، وإلا لو کانت غیر ذلک لکان لها تأثیرها على المسار السیاسی الإسرائیلی، خاصة فی هذه الفترة التی جاءت بـ نتنیاهو رئیسا للوزراء، لیس بمحض الصدفة ولا بمحض التخطیط، وإنما هی محصلة طبیعیة للتداول السیاسی فی إسرائیل، وبالقدر الذی لعب فیه نتنیاهو بأوراق المقامرة السیاسیة لعب غیره، قبله کان أولمرت، وقبله شارون، وقبلهما کثیر من رؤساء الوزارات الإسرائیلیة التی کان لکل منها حصتها ورصیدها من الأزمات الداخلیة والخارجیة، فلا یکاد یخلو رئیس وزراء إسرائیلی من تهمة أو صلة بأزمة داخلیه أو خارجیة، ومع ذلک بقیت السیاسة الإسرائیلیة تسیر بوتیرة واحدة، بالتصعید تارة وبالتهدئة تارة أخرى، تبعا للمواقف السیاسیة والحالة الإقلیمیة والعالمیة.

لدى إسرائیل قدرة وملکة سیاسیة عالیة على توظیف الحکمة أو النصیحة الصینیة (أتقن عدم لفت الانتباه)، حتى فی معترک هذه الأزمات التی تصنعها، ولعل هذه الأزمات کلها تأتی من قبیل توظیف تلک النصیحة، حتى فی مجال علاقات إسرائیل مع الولایات المتحدة الأمریکیة، ثمة صفقة یتبعها نتنیاهو من خلال منطق (یا صابت یا صابت)، اتکاء على رصید إسرائیل من الدعم الأمریکی لها، فإنها غالبا أو حتى دائما تصیب، بالرغم من تلک الاحراجات التی تتعرض لها أمریکا من جانب إسرائیل نتیجة للسیاسات التی لا تخضع لأی اعتبار دولی أو أممی، مما یحرج موقف أمریکا.

ومع ذلک فلیس مطلوباً من نتنیاهو أو أوباما استدعاء حادثة مثل حادثة عام 1975، حین أحرجت إسرائیل موقف الرئیس الأمریکی (جیرالد فورد) مما دعاه لوقف تنفیذ وعده بدعم إسرائیل بالطائرات المقاتلة إلى حین إجراء تقییم حقیقی للعلاقات الأمریکیة والإسرائیلیة، لأن مثل هذا الاستدعاء غیر قابل الحدوث، فی سیاق العلاقة بین أمریکا وإسرائیل، وأنها أکبر من أن تتأثر بموجة احراجات من نوع تلک الاحراجات التی تلقاها (بایدن) الذی زامن نتنیاهو بین زیارته وإعلان بناء مستوطنات جدیدة، فمن غیر المتوقع أن یعلن أوباما بشجاعة عن إعادة تقییم لیس للعلاقة مع إسرائیل، وإنما لتقییم مستویات الدعم على أقل تقدیر.

المسألة أعمق أثرا وتأثیرا من هذا بکثیر، حتى مع حادثة فورد وإجرائه تقییم للعلاقة مع إسرائیل، لم یکن الأمر مقصودا بکل هذه السطحیة، بقدر ما کان مقصودا منه التعبیر عن الحرج، ولیس أدل على ذلک من قول فورد بأن (التزامنا بأمن إسرائیل قائم على أساس المبادئ الأخلاقیة والمصلحة الذاتیة، وأن دعم إسرائیل یکرم تراثنا)، تماما مثلما قال جونسون بأن (صداقتنا مع إسرائیل تنبع من إیماننا المسیحی)، وقاله أیضا فیما بعد بوش الأب حین أعلن صراحة أن (الرابطة العاطفیة والتاریخ والتراث المشترک بین أمریکا وإسرائیل یتجاوز السیاسة)، إذن المسألة لیست مرتبطة بمصلحة اقتصادیة أو سیاسیة فحسب، بل مسألة عقیدة وقیم، ولأن هذا هو الصحیح حسب رأی جونسون حین سأله رئیس الوزراء السوفییتی آنذاک (لماذا تصرون على دعم إسرائیل التی لا تتجاوز 3 ملایین نسمة، بینما هناک من العرب 80 ملیون نسمة - فی ذلک التاریخ- فقال جونسون: ببساطة، لأن هذا هو الصحیح).

تذهب العلاقة الأمریکیة الإسرائیلیة لأبعد من السیاسة، أو أن السیاسة شکل معاصر من أشکال ونماذج هذه العلاقة ذات التقالید الراسخة حسب قول (جون کینیدی)، ویذکر المهتمون فی هذا الشأن تأریخا بالحوادث والمواقف الإجرائیة حتى أن أحد الطوابع الرسمیة فی أمریکا والذی قدمه توماس جیفرسون وبنجامین فرانکلین وجون آدمز یصور عبور إسرائیل البحر الأحمر، أما اللغة العبریة فإن کانت تشکو الضعف فی داخل إسرائیل فإنها أقوى حضورا فی أمریکا، إذ تعتبر فی مناهج کثیر من الجامعات الأمریکیة متطلبا إلزامیا، ومنها جامعة هارفرد منذ عام 1787 وحتى هذا التاریخ.

کل شیء یتداخل فی العلاقة بین الدولتین، التاریخ والتراث واللغة والاقتصاد والسیاسة، وحتى لو قال احد ما بأن کل ذلک مصطنع وشکلی، فلیکن ما دامت العلاقة لا تتأثر حتى بأعلى درجات الحرج الأمریکی من المواقف الإسرائیلیة، بینما تتأثر تأثرا کبیرا أی علاقة عربیة من أدنى حدود المواقف الباعثة على الحرج، فکثیرا ما تجری أمریکا فی دوائر الأبحاث والدراسات والتحلیلات والاستشارات تقییما لمستویات العلاقة مع العرب، تبعا للمصالح والمواقف، بینما لا یحق لأوباما أن یفکر مجرد تفکیر بإعادة تقییم العلاقة، کما فعل فورد، فلسنا نملک إلزاما لأوباما لأن یجری مثل هذا التقییم، لأننا ندرک حجم تأثیر الدوائر المغلقة فی داخل أمریکا على السیاسة الأمریکیة، کما أدرکنا عمق العلاقة وارتباطها بالقیم المشترکة على الأقل حسب زعم الأمریکیین والإسرائیلیین ونذکر هنا خطاب رئیس منظمة العمل الأمریکی الإسرائیلی (هارفی شوارتز) لأوباما قائلا له بأن السحابة السوداء التی سببتها إدارتک مع إسرائیل جراء قیام الأخیرة ببناء وحدات سکنیة جدیدة فی (عاصمتها القدس) مع التشدید على عبارة عاصمتها، بأن هذه السحابة لا لزوم لها، وأنها جاءت من غیر مبرر، مذکرا إیاه بأن فی داخل إسرائیل أکثر من (250 ) ألف أمریکی یقیمون ویعملون فیها، وأشار بلفتة ذکیة إلى أن الکونغرس الأمریکی والشعب الأمریکی مهتمان بهذا الأمر بصورة تتطلب من الرئیس أوباما تنسیق إدارته بما یوافق رغبات الکونغرس والشعب الأمریکی.

ن/25

 


| رمز الموضوع: 141347