الاربعاء 16 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

لکی تکون هناک مصداقیة أمیرکیة.. وعربیة

  کیف یمکن توصیف ما یحدث الآن بین الولایات المتحدة وإسرائیل؟ وهل هو خلاف استراتیجی أم تکتیکی؟.

قد یقرأ البعض التطورات الأخیرة وکأنّها غیمة سوداء عابرة فی سماء العلاقات الأمیرکیة/الإسرائیلیة، وقد یراها البعض الآخر مقدّمة لتحوّل مهم فی هذه العلاقات وللرؤیة الأمیرکیة لإسرائیل نفسها. وفی الحالتین، هناک إجحاف لواقع المشکلة ولأبعادها.

فما یحدث هو أزمةٌ فعلاً، لکن لیس بین "الدولتین" بل بین إدارة أوباما وحکومة نتنیاهو. والأزمة لیست بسبب المستوطنات فقط، بل هی فی الأجندة الخاصّة بکلّ طرف حول أوضاع الشرق الأوسط ککل. فالتزامن بالوصول إلى الحکم، الذی حدث بین إدارة أوباما وحکومة نتنیاهو، لم یرافقه توافق فی الأجندات. فبینما جاءت إدارة أوباما على شعارات رفض التطرّف والسعی لمعالجة الأزمات الدولیة عبر التفاوض، وصل نتنیاهو للحکم بفضل غالبیة متطرّفة من الناخبین الإسرائیلیین وعلى رأس حکومة یدیر وزارة خارجیتها مستوطن یرید تهجیر الفلسطینیین ویرفض الاتفاقات الموقّعة مع السلطة الفلسطینیة ویهدّد بقصف مواقع مصریة. أیضاً، وهذا هو الأهم، فإنّ حکومة نتنیاهو التی ترید التملّص من مسیرة التسویة مع الفلسطینیین، تعمل من أجل دفع أمیرکا والغرب إلى مسیرة حرب مع إیران ومن یقف معها عربیاً.

هنا تحدیداً جوهر الخلاف والتباین بین إدارة أوباما وبین حکومة نتنیاهو، فهو خلاف یتجاوز مسألة الاستیطان ویشمل کل الرؤیة الأمیرکیة الآن لمصیر الصراعات فی الشرق الأوسط.

إدارة أوباما تراهن على المفاوضات مع إیران لا على الحرب ضدّها، وترى الآن مصلحة أمیرکیة فی ذلک ترتبط بالوجود العسکری الأمیرکی فی العراق وأفغانستان وفی منطقة الخلیج  الفارسی.

إدارة أوباما تسعى لتحسین العلاقات مع سوریا وللدفع باتّجاه تسویة شاملة تؤدّی إلى توقیع سوریا ولبنان على معاهدات مع إسرائیل ممّا  یخلق "مناخاً سلمیاً" یریح السیاسة الأمیرکیة فی المنطقة ویخفّف النفوذ الإیرانی فیها ویُضعف جماعات التطرّف المسلّحة عموماً.

أمّا حکومة نتنیاهو، فهی بالأساس "حکومة حرب" لا حکومة تسویات. وهی تراهن على "أولویّة الملف الإیرانی" لا مسیرات التسویة فی الصراع العربی/الإسرائیلی، کما تأمل هذه الحکومة بفشل المفاوضات الدولیة مع إیران لکی یصبح الخیار العسکری لا العقوبات الاقتصادیة البدیل لحال فشل المفاوضات مع طهران.

حکومة نتنیاهو ترى فوائد إسرائیلیة عدیدة فی خیار الحرب ضدّ إیران، ولا تجد مصلحةً فی السیر من الآن بنهج التسویات السیاسیة التی ستفرض علیها الانسحاب من الجولان والضفّة وإقامة الدولة الفلسطینیة.

وهناک مراهنة إسرائیلیة مستمرّة على انقسامات وصراعات فی الجسم الفلسطینی وفی عموم المنطقة العربیة، بفعل التأزّم الحاصل مع إیران وانسداد آفاق التسویات السیاسیة. کذلک فإنّ الصدام العسکری مع إیران، المأمول به إسرائیلیاً، سیزید من مشاعر الغضب ضدّ الولایات المتحدة والغرب، وسیعزّز الحاجة الأمیرکیة لدور إسرائیل فی المنطقة.

واقع الحال الآن، أنّ إدارة أوباما أصبحت ترى فی الموقف الإسرائیلی الراهن عقبةً کبیرة أمام برنامجها فی الشرق الأوسط، فالتعامل مع الملف الفلسطینی هو المدخل المهم لکلّ هذا البرنامج، ومفتاح هذا الملف هو بید حکومة نتنیاهو.

لذلک، لن یکون هناک تراجع أمیرکی عن التعامل مع الملف الفلسطینی، ولو أدّى الأمر إلى مزید من "الضغط المضبوط" على حکومة نتنیاهو.

حتى الآن، تمارس إدارة أوباما الضغوط على الحکومة الإسرائیلیة من خلال التصریحات إنْ کانت تلک الصادرة عن مسؤولین فی الإدارة أو من أطراف اللجنة الرباعیة. لکن رغم قیمة هذه التصریحات من الناحیة الدبلوماسیة، فإنّ تأثیرها على الداخل الإسرائیلی یبقى محدوداً ما لم یقترن الأمر بضغوطات اقتصادیة ومالیة کالتی قامت بها إدارة جورج بوش الأب عشیّة مؤتمر مدرید عام 1991، والتی دفعت حکومة شامیر آنذاک للقبول بالمشروع الأمیرکی للتسویات فی الشرق الأوسط.

إنّ الضغط الأمیرکی على الحکومة الإسرائیلیة یحتاج الآن إلى ضغط فلسطینی وعربی على واشنطن وعلى المجتمع الدولی عموماً من خلال توفیر وحدة موقف فلسطینی وعربی یقوم على رفض أی مفاوضات مع إسرائیل ما لم یتمّ الوقف الکامل والشامل لکل عملیات الاستیطان فی کلّ الأراضی المحتلّة، على أن یترافق ذلک مع تجمید کل أنواع العلاقات الحاصلة بین إسرائیل وبعض الدول العربیة. وبذلک تکون هناک مصداقیة للموقف الرسمی العربی، وتکون هناک خطوات عربیة جدّیة داعمة للضغط الأمیرکی "المعنوی" على إسرائیل.

لقد دفعت المنطقة العربیة، والقضیّة الفلسطینیة خصوصاً، ثمناً باهظاً من التضحیات والأزمات والتنازلات منذ توقیع المعاهدة المصریة/الإسرائیلیة، التی أعادت لمصر سیناء منقوصة السیادة وبدون قطاع غزّة الذی کان لتاریخ احتلاله عام 1967 تحت الإشراف المصری. کذلک فعلت "اتفاقیات أوسلو" التی أباحت للأردن توقیع معاهدة مع إسرائیل دون شرط الانسحاب من الضفة والقدس الشرقیة اللتین کانتا حتى حرب 1967 تحت العهدة الأردنیة. وقد أعطت "اتفاقیات أوسلو" عام 1993 لإسرائیل الاعتراف الفلسطینی بها قبل تحدید حدود "الدولة الإسرائیلیة" وقبل اعتراف إسرائیل بحقّ وجود دولة فلسطینیة مستقلّة، وبتسلیمٍ من قیادة منظمة التحریر بنصوصٍ فی الاتفاقیة تتحدّث عن "إعادة انتشار" القوات الإسرائیلیة ولیس عن انسحاب مُتوَجَّب على قوّاتٍ "محتلّة".

وقد کان ذلک کافیاً لتواصِل إسرائیل نهج الاستیطان والتهوید فی الضفة والقدس طیلة 17 سنة، وهی "تفاوض" السلطة الفلسطینیة على ما سُمِّی بالقضایا الکبرى المتمثّلة بالقدس واللاجئین والحدود ومصیر المستوطنات، بینما کان أوْلى بقیادة "منظمة التحریر" أن تجعل الاتفاق على هذه القضایا شرط الاعتراف بإسرائیل. فإسرائیل أخذت من الطرف الفلسطینی فی اتفاق أوسلو کلّ شیء (بما فی ذلک إلغاء حقّ المقاومة المسلّحة) مقابل لا شیء عملیاً لصالح القضیة الفلسطینیة. حصل فقط بعض الأشخاص على مناصب وهمیة وعلى مسؤولیة "مخاتیر" فی مدن وقرى فلسطینیة محتلّة.

فکفى الأمَّة العربیة والقضیة الفلسطینیة هذا الحجم من الانهیار ومن التنازلات، وکفى أیضاً الرکون لوعود أمیرکیة ودولیة یعجز أصحابها عن تحقیق ما یریدون من إسرائیل لأنفسهم فکیف بما یتوجّب على إسرائیل للفلسطینیین والعرب؟!

 

وعوضاً عن اجتماع مجلس وزراء الخارجیة العرب لتعویم المفاوضات الفلسطینیة مع إسرائیل، فإنّ من الأجدى أن تطالب السلطة الفلسطینیة والجامعة العربیة بعقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن لاستصدار قرار یحسم صفة الأراضی التی احتلتها إسرائیل فی العام 1967 واعتبارها کلّها "أراضٍ محتلّة" ینطبق علیها القانون الدولی الذی یفرض على المحتلّ الانسحاب تحت طائلة العقوبات الدولیة، والذی یبیح حقّ مقاومة هذا الاحتلال، ویُبطل أی شرعیة قانونیة عن الإجراءات التی تحدث فی الأراضی المحتلة بما فیها إقامة المستوطنات.

إنّ مبادرة عربیة وفلسطینیة من هذا النوع تکون محکّاً للنفس وللآخرین، وفی ضوئها یتحدّد مدى مصداقیة المواقف الأخیرة لإدارة أوباما وأطراف اللجنة الرباعیة.  

ن/25

 

 


| رمز الموضوع: 141349







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)