اهتزاز ثقة إسرائیل برسوخ التواطؤ الأمیرکی مع غموضها النووی
بقلم حلمی موسى
قرر رئیس الحکومة الإسرائیلیة بنیامین نتنیاهو أخیراً عدم حضور القمة النوویة الدولیة التی دعا إلیها الرئیس الأمیرکی باراک أوباما فی واشنطن غداً الاثنین. وأثار القرار فرحة معارضی الرئیس أوباما الأمیرکیین من الجمهوریین، ما دعاهم للتصفیق له. لکن ذلک لم یربک إدارة أوباما التی سارع مستشار الأمن القومی فیها، الجنرال جیم جونز، إلى التأکید بأن الوفد الإسرائیلی للقمة «قوی»، حتى من دون حضور نتنیاهو.
ولکن المثیر للاهتمام هو التبریر الذی منحته إسرائیل لهذا القرار، الذی جاء بعد یومین من إعلان نتنیاهو أنه ذاهب للقمة إثر حسمه التردد بهذا الشأن. وفی حینه أشارت الصحف الإسرائیلیة إلى أنه ذاهب للقمة بعدما حصل على ضمانات بشأن جدول أعمالها، وترکیزها على عدم انزلاق التکنولوجیا النوویة إلى المنظمات الإرهابیة، ولیس تناول القدرات النوویة للدول.
غیر أن التبریر الذی قدم لعدم الذهاب کان النقیض التام لذلک، إذ أعلن مستشار الأمن القومی الإسرائیلی عوزی أراد أن تخفیض مستوى المشارکة الإسرائیلیة جاء إثر معلومات أفادت بأن دولا إسلامیة مثل مصر وترکیا وسواهما تنوی استغلال المؤتمر لمطالبة إسرائیل بقبول رقابة دولیة على منشآتها النوویة.
وقد أبلغت الإدارة الأمیرکیة أراد أن القمة ستناقش مطالب دول إسلامیة بإلزام إسرائیل بالانضمام لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النوویة. وأثار هذا البلاغ غضب نتنیاهو من تقبل واشنطن لمطلب الدول الإسلامیة بإثارة هذا الموضوع. وهذا ما فتح الباب أمام بعض التقدیرات بأن أوباما نفسه لا یرید حضور نتنیاهو، الذی سبق أن أعلن أنه لا یحمل أجوبة على المطالب الأمیرکیة بشأن الاستیطان والتسویة السیاسیة مع الفلسطینیین. ولا یمکن تجاهل حقیقة أن الرئیس الأمیرکی لم یکن قد خصص وقتاً للقاء نتنیاهو على انفراد.
وهکذا، فإن قرار عدم الذهاب اتخذ مساء أمس الأول حیث تقرر أن ینوب وزیر شؤون الاستخبارات دان میریدور عن نتنیاهو فی رئاسة الوفد الإسرائیلی، الذی یضم أیضاً رئیس لجنة الطاقة النوویة شاؤول حوریف، ومستشار الأمن القومی عوزی أراد.
ونقلت «هآرتس» عن مصادر علیا فی إسرائیل قولها إنها شعرت بخیبة الأمل من التطورات الأخیرة، فالقمة النوویة أعدت «لمواجهة مخاطر الإرهاب النووی... وإسرائیل شریکة فی هذا الجهد، وتجاوبت مع دعوة الرئیس أوباما للمشارکة فی المؤتمر. ومع ذلک، فی الیوم الأخیر فقط، وصلت تقاریر حول نیة دول مختلفة مشارکة الخروج عن موضوع مکافحة الإرهاب النووی واستغلال المنبر لمناکفة إسرائیل بشأن معاهدة حظر انتشار الأسلحة النوویة».
ویعتقد خبراء إسرائیلیون أن حکومة نتنیاهو تدرک أنه بعد إقرار السیاسة النوویة الأمیرکیة الجدیدة وتوقیع معاهدة تقلیص الأسلحة النوویة الثانیة فی براغ أمس الأول سیأتی دور إسرائیل. وبحسب المراسل الأمنی لصحیفة «هآرتس» یوسی میلمان فإن مخاوف إسرائیل لا تکمن فی القمة النوویة، التی صیغ بیانها الختامی، والذی لا یشیر إلى إسرائیل. بل إن صحیفة «معاریف» أشارت إلى أن دیوان رئاسة الحکومة کان شریکاً فی صیاغة البیان الختامی للقمة، وقد أبدى ارتیاحاً له. لکن الخوف الإسرائیلی ینبع من السیاسة النوویة الأمیرکیة الجدیدة الرامیة إلى تقلیص الأسلحة النوویة على الصعید العالمی. وأوضح أن «من الوهم التفکیر بأن سیاسة تقلیص السلاح النووی فی العالم، وصولاً إلى التفکیک التام (حتى لو کان ذلک مجرد نبوءة)، لن تصل فی نهایة المطاف إلى إسرائیل أیضا». وکتب أن دولاً عدیدة، ولیست فقط عربیة، تتساءل عن مغزى سیاسة الکیل بمکیالین وعن سبب الاهتمام بإیران وتجاهل إسرائیل.
ویخلص میلمان إلى أن التغییرات الدولیة تتطلب من إسرائیل إعادة النظر فی سیاسة الغموض النووی والاستعداد للتعامل مع مطلب أمیرکی بشأن القدرة النوویة، فالولایات المتحدة وکل الدول الغربیة غضت الطرف منذ الستینیات عن القدرة النوویة الإسرائیلیة، وقد لا تکون قادرة على استمرار غض الطرف هذا.
وترتکز الخشیة الإسرائیلیة إلى أن دعوة الدول الإسلامیة، وخصوصا مصر وترکیا لفرض الرقابة على المنشآت النوویة الإسرائیلیة، قد تقع هذه المرة على آذان صاغیة أمیرکیة وغربیة. کما أن دبلوماسیین غربیین یعتقدون أن هناک فی الإدارة الأمیرکیة نفسها جهات تحاول تبنی خط کهذا من اجل منع إیران من مواصلة برنامجها النووی. وکانت مصر قد دعت أمیرکا إلى تبنی سیاسة تحریر الشرق الأوسط من الأسلحة النوویة. وهناک من یؤمن بأن هذه الدعوة قد تستقبل بالترحاب فی الإدارة الأمیرکیة الحالیة.
ومن المؤکد أنه لا یمکن تجاهل ما تملکه إسرائیل من قوة نوویة وهی، بحسب رابطة علماء الذرة الأمیرکیین، قوة مشابهة لما تملکه باکستان (80ـ100 قنبلة نوویة)، ولدیها أربع منشآت نوویة مرکزیة هی المفاعلان النوویان فی دیمونا وناحل سوریک، وکذلک قاعدة سلاح الجو فی سدوت میخا أو «منشأة تیروش»، وقاعدة تل نوف». ویشیر تقریر الرابطة الامیرکیة إلى أن إسرائیل تخبئ فی مغاور 50 رأساً نوویاً یمکن حملها على «صواریخ أریحا 2»، فیما یمکن حمل القسم الآخر على شکل قذائف على طائرات «أف ـ16».
واستقبل مؤتمر الجمهوریین المنعقد فی نیو أورلیانز قرار نتنیاهو بعدم حضور القمة النوویة بالتصفیق. ولکن مستشار الأمن القومی الأمیرکی الجنرال جیم جونز أعلن أنه کان یود «لو حضر رئیس الحکومة، ولکن الوزیر دان میریدور سیقود الوفد، وسیکون وفداً إسرائیلیاً قویاً».
من جانب آخر قال جونز إن الإدارة الأمیرکیة تبحث فی سبل استئناف المفاوضات بین إسرائیل والفلسطینیین وأنها لم تبلور خطة جدیدة. وأکد أن «أی قرار کهذا لم یتخذ». لکنه أکد أن أوباما اجتمع مؤخراً مع کبار المسؤولین السابقین فی إطار محاولة لبلورة استراتیجیة للشرق الأوسط.
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS