ذکرى إغتصاب فلسطین والعرب

ربما کان الرئیس حسنی مبارک من الزعماء العرب القلائل، ان لم یکن الوحید، الذی أبرق الى شمعون بیریس نظیره فی الکیان الصهیونی مهنئاً تل أبیب بالذکرى الثانیة والستین لاغتصابها فلسطین وبحسب الرئیس مبارک مهنئاً قیامها على ارض فلسطین وعلى حساب شعبها.
على أی حال هذه لیست المرة الاولى التی یقدم فیها الرئیس مبارک ( أعز الله شأنه )على مثل هذه الخطوة، فقد جرت العادة ان یبعث برقیات تهنئة مماثلة فی مناسبات " اسرائیلیة وطنیة " اخرى، فهناک معاهدة سلام بین البلدین، وسفارات متبادلة فی عاصمتیهما، ولکن هذا لا یعنی ان عدم ارسال مثل هذه البرقیة سیمثل خرقاً لها، ویدفع باتجاه انهیارها.
حکومة الکیان الصهیونی بعد قتلها لغالبیة الشعب الفلسطینی وإغتصابها للحق الفلسطینی و بالتالی للحق العربی ، قتلت عملیة السلام الامیرکیة بمواصلة الاستیطان فی الارض المحتلة، وتهوید مدینة القدس ومقدساتها المسیحیة قبل الاسلامیة، وانتهکت کل القوانین والمعاهدات الدولیة ببناء السور العازل وهدم بیوت الابریاء فی القدس المحتلة، والبدء فی تنفیذ قرار الابعاد للفلسطینیین ( المتسللین ) الى ارضهم ووطنهم.
هذه الممارسات الاستفزازیة تستحق من رئیس اکبر دولة عربیة مسلمة ( کان یا ما کان فی قدیم الایام و الازمان ) وقفة احتجاج قویة، مثل اغلاق السفارة وقطع العلاقات، خاصة ان النسبة الاکبر من الذین ستطبق علیهم الحکومة الصهیونیة قرار الطرد من الضفة الغربیة، هم من ابناء قطاع غزة الذین تربطهم علاقات وروابط دم والتزامات اخلاقیة وقانونیة مع الشقیقة الکبرى مصر، وکانت فرحتهم بفوز فریقها الکروی بکأس الأمم الافریقیة توازی فرحة اشقائهم المصریین.
الحکومة المصریة لم تسحب سفیرها، ولم تغلق سفارة الکیان الصهیونی ( حسب زعمهم اسرائیل ) فی القاهرة، احتجاجا على بناء کنیس یهودی على ارض فلسطینیة مصادرة فی القدس الشرقیة، وحفر انفاق تحت اساسات المسجد الاقصى، او اقتحامه من قبل المستوطنین المتطرفین الذین یریدون بناء کنیس فی باحته او على انقاضه.
لا یمکننا ان نطالب الحکومة المصریة بحشد الجیوش لتحریر القدس، ولا نقول فلسطین، على اعتبار ان هذه المدینة المقدسة أمانة فی عنق العرب والمسلمین جمیعا، ولکن ببعض الخطوات الاحتجاجیة، ولتکن البدایة بعدم ارسال برقیة تهنئة لرئیس کیان ارتکب جرائم حرب ضد ملیون ونصف الملیون فلسطینی فی قطاع غزة ناهیک عن جرائمه ضد العرب والمسلمین ، وانتهک سیادة دولة عربیة (دولة الامارات) عندما اغتال احد قادة حرکة 'حماس' على ارضها، ناهیک عن السلسلة الطویلة من الانتهاکات الاخرى على مدى اثنین وستین عاما من قیامها.
لا نعرف ما اذا کان رؤساء آخرون قد ارسلوا برقیات مماثلة الى الرئیس الصهیونی ، ونخص بالتساؤل الرئیس الفلسطینی محمود عباس ( أعز الله مقامه الشریف ) ، واذا صحت مخاوفنا، فان هذه کارثة کبرى، وإهانة جارحة لکل مواطن عربی ومسلم.
فالمسؤولون العرب اقاموا علاقات دبلوماسیة وتجاریة مع الکیان الصهیونی بذریعة تشجیعها على المضی قدما فی عملیة السلام، ولکن النتائج جاءت عکسیة تماما، فقد استغلت حکومات تل أبیب المتعاقبة هذه الخطوة العربیة لمضاعفة مستوطناتها ومستوطنیها فی الاراضی المحتلة، والآن تستعد لطرد اهلها بعد ان استولت على معظم الاراضی، بحیث لم یبق هناک ما یمکن اقامة دولة فلسطینیة مستقلة او غیر مستقلة فی الضفة الغربیة.
الکیان الصهیونی لا یستحق التهنئة فی ذکرى اغتصابه لارض عربیة وتشرید شعبها ( یا عرب ) ، والاعتداء على الدول العربیة المجاورة وقتل الآلاف من ابنائها، بما فیها مصر ، بل یستحق العزل والنبذ باعتباره کیان ارهابی مارق لا یتمثل لقرارات الشرعیة الدولیة.
ن/25