الاربعاء 16 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

أمریکا وإسرائیل والمهمة المستحیلة

الدبلوماسیة الأمریکیة النشطة فی المنطقة العربیة وخاصة ما یتعلق بالمعضلة الفلسطینیة وتواصل زیارات میتشل للمنطقة، رغم الفشل المتکرر فی اختراق جدی یعید الفلسطینیین إلى طاولة المفاوضات ویحقق ولو خطوة للأمام فی خطة خارطة الطریق، هذه الدبلوماسیة توحی بجدیة الإدارة الأمریکیة لمعالجة هذا الملف الشائک أو تبریده قدر المستطاع من أجل هدف آخر یرتبط بعزل سوریا وحلفائها، مع حشد أوسع جبهة لتطویق إیران وإنهاء مشروعها النووی کما ترید الدولة العبریة.

من الصعب فهم المبادرات الأمریکیة والضغوط التی تمارسها لتحریک الملف الفلسطینی بمعزل عن هذین الهدفین، خاصة بعد الاتهامات والتهدیدات الإسرائیلیة لسوریا والتناغم الأمریکی اللافت معها.

قبل عامین سجل العدید من المراقبین توقعاتهم باحتمال قوی لوقوع حرب أمریکیة إسرائیلیة ضد طهران على خلفیة وصول المأزق الأمریکی فی العراق وأفغانستان إلى ذروته وفی ظل الضجیج العالی لقرع طبول الحرب من الدولتین، کما سجل غیرهم توقعات مخالفة لذلک على خلفیة یتعلق قسم منها بذات السبب الوارد آنفاً حول المأزق فی العراق وأفغانستان، باعتبار فتح جبهة جدیدة للحرب من جانب أمریکا مهمة عسیرة للغایة، ومن الناحیة الأخرى عدم اتضاح مآلات هذه الحرب فی حال نشوبها وقدرة الولایات المتحدة على ضبط الأمور فی المنطقة وإمکانیة إغلاق طریق النفط بشکل کامل فی حال نشوب الحرب. ومن جهة أخرى کانت المعلومات الاستخباریة تقول بأن إیران لن تصل لتصنیع قنبلة نوویة قبل عدة سنوات ربما تصل إلى عشر.

الیوم تجد أمریکا وإسرائیل نفسیهما فی مأزق کبیر نتیجة العجز عن وقف التغیرات الإقلیمیة والدولیة فی غیر صالح الدولة العبریة حیال موقفها من عملیة السلام، وکذلک التغیر المستمر فی میزان القوى لصالح المقاومة بکل تجلیاتها داخل الأرض المحتلة وفی دول الطوق، وکذلک تعزز موقف دول الممانعة وخاصة سوریا المتهمة بتزوید حزب الله بأسلحة متطورة والإخلال بالتوازن فی المنطقة على حد زعم إسرائیل.

الکلمات المتبادلة بین المبعوث الأمریکی جورج میتشل ورئیس وزراء الکیان الإسرائیلی، وکذلک الکلمات الواردة فی رسالة رئیس الإدارة الأمریکیة باراک أوباما بمناسبة قیام دولة إسرائیل حول الحلف الاستراتیجی بین الدولتین ورسوخه کما الحرص على أمن إسرائیل فی مطلق الأحوال لا یترک مجالاً للشک فی أن الولایات المتحدة الأمریکیة قبلت بالمنطق الإسرائیلی فیما یخص القدس کعاصمة موحدة للکیان الصهیونی وباستمرار بناء المستوطنات فیها رغم الاعتراضات الفلسطینیة ومخالفة ذلک للقرارات الدولیة والشرعیة الدولیة، ورغم معرفة أمریکا بأن الموقف الإسرائیلی هذا قد یقضی على کل فرص السلام.

إذن لماذا لا تمارس أمریکا ضغوطها على إسرائیل وتجبرها على قبول شروط الرباعیة على الأقل؟ لا یوجد سبب وجیه لذلک سوى حاجة الولایات المتحدة الأمریکیة لإسرائیل فی معالجة الأمرین اللذین أشرنا إلیهما فی البدایة والمرتبطین بعزل سوریا وقوى المقاومة، ومن ثم تطویق إیران وإفشال مشروعها النووی؛ والتفرغ لهاتین المهمتین یتطلب إنهاء الخلافات التی ظهرت بین الحلیفین الاستراتیجیین إزاء الملف الفلسطینی وعقدة الاستیطان فی القدس والأرض المحتلة.

وعلى ما تقدم کیف یمکن تحریک الملف الفلسطینی فی ظل الرفض الفلسطینی على خلفیة الاستیطان؟ إن استمرار التشبث الفلسطینی بموقفه الرافض لا یضعف مصداقیة الولایات المتحدة ودورها المفترض کراعیة للسلام فقط، بل کذلک یضع عراقیل جدیة أمام حشد أکبر حلف عربی وغربی لتطویق إیران والضغط علیها وصولاً لشن عدوان مسلح إن لم تنجح الضغوط والعقوبات الأمریکیة.

هذا التصور ینطبق بشکل ربما أخف فیما یخص عزل سوریا وقوى المقاومة حیث الملف النووی الإیرانی وکل الدور الإیرانی فی المنطقة یحظى بأولویة لدى الدوائر الغربیة وإسرائیل.

المعلومات التی تتناقلها وکالات الأنباء العالمیة تؤکد ما أشرنا إلیه حول دعوة الرئیس الفلسطینی محمود عباس لزیارة واشنطن الشهر القادم والتی تسبقها زیارة وزیر الحرب الإسرائیلی إیهود باراک لواشنطن خلال الأیام القلیلة القادمة.

زیارة عباس ستکون مناسبة لتقوم الولایات المتحدة بممارسة الضغوط علیه لإرغامه على العودة لطاولة المفاوضات مع تقدیم بعض الضمانات الأمریکیة لتسهیلات فی الضفة والتأکید على تمسک أمریکا برؤیة الدولتین خلال عامین کإطار زمنی وضعه الرئیس أوباما.

ستلجأ أمریکا للتهدید کوسیلة للضغط على الجانب الفلسطینی وفی ذات الوقت تقدم للفلسطینیین بعض المغریات المالیة وتسهیلات متفق علیها مع حکومة نتنیاهو على أن تؤجل قضیة القدس والاستیطان لمرحلة لاحقة، وغنی عن القول هنا أن تساوق السلطة الفلسطینیة مع الرغبة الأمریکیة فی العودة للمفاوضات دون وقف الاستیطان وتهوید القدس سیعنی المشارکة فی تحقیق الهدفین اللذین تسعى لهما الإدارة الأمریکیة والحکومة الإسرائیلیة.

هناک احتمال أن تنجح الضغوط فی إعادة الطرف الفلسطینی لطاولة المفاوضات لکن ذلک لن یقدم لعملیة السلام أی خدمة حقیقیة أو إمکانیة لقبول الفلسطینیین بأقل مما هو وارد فی برنامج الإجماع الوطنی القائل بدولة مستقلة على کامل الأرض المحتلة عام 1967 والقدس عاصمتها مع ضمان حق العودة للاجئین الفلسطینیین على أساس قرارات الأمم المتحدة.

إن استخدام الورقة الفلسطینیة فی مواجهة الأطراف الراعیة للمقاومة کسوریا وإیران لن تنجح لسبب بسیط وواضح وهو أن إسرائیل لیست فی وارد تقدیم أیة تنازلات فیما یتعلق بالحقوق الفلسطینیة، وعلى الأخص القدس والانسحاب حتى حدود الرابع من حزیران 67، وهذا سیجعل مهمة وهدف أمریکا وإسرائیل من وراء المناورات والألاعیب السیاسیة والتحرکات الدبلوماسیة النشطة صعبة للغایة إن لم تکن مستحیلة.

ن/25


| رمز الموضوع: 141363







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)