دلالات موقف الصین من القدس الشرقیة
لحد الآن لا یوجد موقف عربی جماعی، أو قطری یشجب على الأقل رفض الدولة الصینیة اعتبار القدس الشرقیة عاصمة للدولة الفلسطینیة. فالدول الغربیة المعنیة بالقضیة الفلسطینیة لم تنتقد الصین أیضا. والشیء نفسه ینسحب على منظمة الأمم المتحدة، وهیاکلها القانونیة.
کیف یمکن فهم هذا الموقف الصینی الذی یمثل انقلابا کاملا على تراث الصین الشعبیة؟ وما هی التداعیات المتوقعة لمثل هذا الموقف الغریب والمریب؟ وما معنى هذا الصمت العربی؟
بادئ ذی بدء، فإن موقف الصین الجدید والسلبی جدا لا یتفق مع الشرعیة الدولیة، وقرارات مجلس الأمن الدولی الصادرة بعد انتهاء حرب 1967م والتی وقعت علیها الدولة الصینیة والتزمت بها قانونیا أمام الرأی العام العالمی. وهکذا، فإن رفض الصین اعتبار القدس عاصمة للدولة الفلسطینیة هو تنصل من القانون الدولی، وخرق له. ومن ناحیة أخرى فإن تخلی الصین عن التزاماتها یوضح بأن العالم لا تحکمه القوانین والأخلاقیات وإنما تدیر شؤونه المصالح والمنافع.
إن تراث الصین التقلیدی معروف بمساندة الصین الشعبیة لحرکات التحرر العالمی، والدفاع عن حق الشعوب فی التخلص من الاستعمار؛ إن هذا التراث الصینی نابع أصلا من تاریخ الصین الذی عانى من الاستعمار؛ فالصین لم تسترجع هونغ کونغ إلا فی السنوات الأخیرة وحسب شروط بریطانیا التی فرضت علیها مجموعة من المطالب مثل الإذعان لرأسمالیة هذا الجزء من البلاد، وعدم المساس بالتجربة السیاسیة الخاصة به، واحترام المصالح البریطانیة أیضا.
کما أن استرجاع الصین لـ"مکّای" لم یکن وفق المواصفات الصینیة، بل إن الغرب قد فرض بعض شروطه على الصین، وزیادة على کل ما تقدم فإن للصین مشاکل حدودیة مع الهند، ومع روسیا لم تحل لحد الساعة الأمر الذی یمکن أن یؤدی إلى اندلاع أزمات خطیرة لیست فی صالح الصین التی لا تزال دولة متخلفة بالمقیاس الغربی على الأقل.
إن اقتصاد الصین– رغم تحسنه فی السنوات الأخیرة- یعادل حجم اقتصاد هولندا إذا أخذنا تعداد السکان معیارا؛ ومن الناحیة العلمیة فالصین لیست دولة متطورة، بل إنها تحاول وبکثیر من الصعوبات أن تتجاوز عتبة العالم الثالث. إن هذه الوضعیة بکل عناصرها المذکورة تشیر إلى أن دولة الصین الشعبیة دولة کبرى، ولکنها لیست دولة عظمى.
وبناء على ما تقدم، فإن موقفها السلبی من القضیة الفلسطینیة هو مغازلة للغرب وللوبی الإسرائیلی على حساب الحق الفلسطینی. وفی الواقع السلوک الصینی منذ رحیل ماوتسی تونغ بدأ یشهد تغیرات فی الجوهر، ولیس فی الشکل على نحو مسّ، ولا یزال یمس، بالثوابت الأیدیولوجیة لسیاسات الدولة. فالصین لم تعد شیوعیة، بل إنها دولة براغماتیة وتعمل بترکیبة متکونة من تناقضات فی العقیدة والسلوک وفی صمیم هذه التناقضات قبول الصین بالنظام الرأسمالی فی هونغ کونغ.
وهکذا، فإن الدولة الصینیة من الناحیة الأیدیولوجیة هی دولة انتهازیة، ودیکتاتوریة فی آن واحد. ومن هنا فإن تخلی الصین عن القضیة الفلسطینیة هو استمرار لهذه الممارسات الانتهازیة. وفقا لهذه العقیدة البراغماتیة الصینیة فإن الدول العربیة على المستوى الجماعی، والقطری، مطالبة بأن تعامل الصین على أساس جدید وذلک بتطبیق البراغماتیة ذاتها علیها وفی کل المجالات.
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS