إفتراضیة "هدم الاقصى"..!.!

فی ظل هستیریا الحملة الصهیونیة السافرة على القدس والاقصى، "أنتج متطرفون یهود- مؤخرا- تسجیلا لواقع افتراضی یمثل تصورا لهدم المسجد الأقصى المبارک بالقدس وذلک من خلال قصفه جوا/"، وتفید المعطیات انه" یتم تداول هذا الشریط بین الیهود المتطرفین فی مناسبات اجتماعیة، فی محاولة لإنشاء جیل یضع مسألة هدم الأقصى باعتبارها واحدا من أهدافه"، ویأتی هذا التسجیل الافتراضی بالتزامن مع مخططات إسرائیلیة أخرى هدفها المس بالمسجد الأقصى سواء عبر حفر الأنفاق أو بناء الکنس الیهودیة فی محیطه، کما یأتی ضمن محاولات عدیدة للمتطرفین لبناء الهیکل المزعوم مکان المسجد الأقصى، وقال مدیر مرکز الأبحاث الإسلامیة بجامعة القدس مصطفى أبو صوی للجزیرة "إن المتطرفین یتمنون لأبنائهم عندما یبلغون سن الثالثة عشرة "سن النضوج لدیهم" أن یصبحوا طیارین لیقوموا بقصف المسجد الأقصى وهدمه".
الحقیقة الکبیرة الصارخة ان هذا الواقع الافتراضی بالنسبة لهم، انما ینتظر لحظة الانتقال الى التطبیق وتحویله الى حقیقة، فنحن عملیا فی ظل مناخ صهیونی ارهابی تدمیری متکرس، والمسالة لیست تصریحات عابرة لهذا الحاخام او ذاک..!.
فقد أنتجت المؤسسة الدینیة الیهودیة عبر مدارسها وهیئاتها وتنظیماتها ومستنقعاتها المنتشرة على امتداد المجتمع الیهودی فی فلسطین المحتلة على امتداد مسحتها التاریخیة، ثقافة وعقلیة عنصریة عدوانیة دمویة تدمیریة ضد العرب ومقدساتهم، وضد الاقصى والصخرة مضاف الیهما المقدسات المسیحیة ایضا وفی مقدمتها کنیسة القیامة.
کما فرخت مؤسساتهم ومدارسهم ومستوطناتهم الدینیة المتعصبة مجموعة من التنظیمات والحرکات الاستیطانیة الإرهابیة السریة والعلنیة التی اقترفت مسلسلاً طویلاً متصلاً من الانتهاکات والجرائم ضد القدس وأهلها ومقدساتها، وکل ذلک تحت سمع وبصر وغطاء بل ومشارکة ودعم الجهات الرسمیة الإسرائیلیة حکومیة وبرلمانیة وعسکریة وأمنیة وإداریة وذلک عبر مختلف الوزارات واللجان المتخصصة بشؤون القدس أو حتى غیر المتخصصة.
وقد تکشفت هذه الثقافة والعقلیة التدمیریة المؤدلجة لدیهم مبکرا جدا بعد العدوان والاحتلال عام/1967، حینما طلب الحاخام شلومو غورن کبیر حاخامات الجیش الإسرائیلی آنذاک من الجنرال عوزی نرکیس قائد المنطقة الوسطى – فی یوم احتلال القدس واقتحام الحرم القدسی الشریف عام 1967، "العمل على نسف الصخرة والمسجد الأقصى للتخلص منهما مرة واحدة وإلى الأبد".
والحقیقة الساطعة أیضاً أن الحاخام الیهودی غورن لم ینفرد بهذه العقلیة التدمیریة ضد الأماکن المقدسة، حیث أن عدد رجال الدین– الحاخامات– الیهود الذین شارکوه أفکاره ومعتقداته ونوایاه أو ساروا علیها لاحقاً، ضخم، وقد تزاید وفرخ أعداداً أخرى وأخرى على مدى سنوات الاحتلال.
ونشیر فی السیاق الى ما کان غرشون سلوموم زعیم جماعة أمناء جبل الهیکل التی تسعى بلا توقف إلى هدم الأقصى المبارک قد أکد علیه قائلاً : " أن وضع حجر الأساس للهیکل یمثل بدایة حقبة تاریخیة جدیدة، نرید أن نبدأ عهداً جدیداً للخلاص الیهودی "، وکذلک الى یوم فتح النفق الاحتلالی تحت الحرم القدس الشریف عام/1996، حیث ان نتنیاهو أعلن کما هو معروف قائلاً : " لقد بدأ التاریخ الیهودی عند هذه الصخرة– مشیراً إلى صخرة کبیرة فی النفق".
وقد استخلص زیاد منى الباحث الفلسطینی فی التوراة والتاریخ القدیم المتصل بفلسطین فی دراسة موثقة أعدها بهذا الصدد " إن النفق کان خطوة على طریق تعریض أسس القبلتین للهدم وإقامة مملکة إسرائیل الکبرى... وإن إعادة بناء هیکل سلیمان المزعوم تشکل أساس وجود الیهودیة المادی ولا معنى لکیان صهیونی دون الهیکل".
ومن عهد غورن الى الراهن فی المشهد، فقد التقى الحاخام ألامیرکی مانیس فریدمان مع غورن بعد اثنین واربعین عاما اذ دعا إلى "قتل العرب رجالا ونساء وأطفالا، وتدمیر مقدساتهم"، وذلک فی رده على سؤال فی عدد مایو/أیار-یونیو/حزیران 2009 من مجلة "مومنت" "Moment" الأمیرکیة فی قسم بعنوان "اسألوا الحاخامات"، وقال فی رد على سؤال عن کیفیة معاملة الیهود لجیرانهم العرب "أنا لا أومن بالأخلاقیات الغربیة التی تقول لا تقتلوا المدنیین أو الأطفال، ولا تدمروا الأماکن المقدسة، ولا تقاتلوا أثناء الأعیاد ولا تقصفوا المقابر ولا تطلقوا النیران حتى یبدؤوا هم بذلک/ وکالات/ الجمعة 5/ 06/ 2009"، وأضاف فریدمان، وهو حاخام بمعهد "بیاس تشانا" للدراسات الیهودیة بولایة مینیسوتا أن "الطریقة الوحیدة لخوض حرب أخلاقیة هی الطریقة الیهودیة: دمروا مقدساتهم، واقتلوا رجالهم ونساءهم وأطفالهم ومواشیهم... فعند تدمیر مقدساتهم سوف یتوقفون عن الاعتقاد بأن الرب إلى جانبهم".
وربما تکون نوایا الهدم بلغت ذروة جدیدة لها فی الآونة الاخیرة، والحکومة الاسرائیلیة متواطئة تماما فی ذلک، اذ کشف الکاتب اسرائیل هرئیل النقاب فی هآرتس- 15/10/2009- عن ان الحکومة الاسرائیلیة تراجعت فی اللحظة الاخیرة عن نیتها هدم المساجد فی جبل الهیکل، ولم تستغل الحج فی عید العرش لاقامة مراسم ارساء حجر الاساس للهیکل الثالث، وکذلک أجل الى موعد أکثر مناسبة خوف انتفاضة ثالثة ترحیل عرب القدس وأم الفحم"، مضیفا:"ینبغی ان یسوى– حتى فی هذا الحین المتأخر– بین مکانة الیهود والمسلمین "لا یشتمل ذلک بطبیعة الامر على دخول الیهود المساجد" فی جبل الهیکل، سیهدد العرب بالجهاد وستأتی تندیدات من کل صوب، لکن التصمیم الیهودی سیجعل المسلمین ومؤیدیهم الیهود یعتادون مع الوقت الواقع الجدید".
ومن هنا لیس صدفة أن رأینا ونرى حتى یومنا هذا مسلسل محاولات التدمیر ضد الأماکن المقدسة بغیة نسفها ومحوها من الوجود إلى الأبد.
ولا تقتصر عملیة التخطیط والتدبیر لاقتراف الجرائم وهدم الأماکن المقدسة على التنظیمات المشار إلیها، إذ أشارت دراسة إلى" وجود نحو 125 جماعة یهودیة متطرفة خمسها تخصصت فی المساعی الرامیة إلى هدم الأقصى وبناء الهیکل".
کما أشارت إلى أن السعار المتلهف لهدم الأقصى لم یقتصر على الیهود فی الداخل والخارج، بل تعدى إلى مسیحیین متعصبین مهووسین قادمین من الخارج"، وحسب ما ذکرت صحیفة یدیعوت احرونوت فأن بعضهم وصل من إیطالیا فی مهمة مقدسة ومحدودة لهدم الأقصى.
إذن کل هذه الأجهزة الرسمیة الإسرائیلیة.. وکل هذه التنظیمات والحرکات الإرهابیة الیهودیة السریة والعلنیة تعمل وتسابق الزمن وتتسابق فیما بینها لاقتراف أکبر قدر من الانتهاکات والجرائم ضد المدینة المقدسة أولاً، وتتسابق فیما بینها على هدم الأقصى وبناء الهیکل الیهودی المزعوم.
فهناک اذن بلا تهویل، ثقافة وایدیولوجیا صهیونیة تستهدف هدم الاقصى المبارک، ولا تقتصر هذه الثقافة على بعض الحاخامات او القیادات السیاسیة، بل انها تنتشر مع سبق التخطیط لتصل الى الاجیال الصهیونیة الصاعدة.
تحتاج فلسطین والمدینة المقدسة والمقدسات والاقصى فی مقدمها الى تحرکات عربیة اسلامیة جادة وحقیقیة ومسؤولة وعلى مستوى تاریخی، والا تلک الافتراضیة الصهیونیة ستغدو اقرب ما یمکن الى الواقع...؟!.
ن/25