qodsna.ir qodsna.ir

التخابر مع إسرائیل.. الداء والدواء

هناک حاجة ماسَّة لاتباع استراتیجیة جدیدة فی مواجهة ظاهرة الاستعداد للتعاون مع سلطات الاحتلال والتخابُر مع الکیان الصهیونی، ویتوجب إعادة تقییم وسائل مواجهة الظاهرة القائمة حالیًا، والتی تتمثل فی الإجراءات الأمنیة والقضائیة.

تکتسب هذه القضیة أهمیة خاصة فی ظلّ تفجُّر الجدل حولها بعد قرار الحکومة الفلسطینیة بغزة تنفیذ أحکام الإعدام فی الأشخاص الذین أُدِینوا بالتخابر مع الاحتلال، لا سیما وأنّ هذا التطور ترافق مع تواتر الأنباء التی تؤکِّد سقوط المزید من شبکات التجسُّس التی تعمل لصالح إسرائیل فی لبنان؛ حیث کشفت هذه التطورات عن حجم الجهود الهائلة التی یستثمرها الکیان الصهیونی فی تجنید العملاء فی صفوف العرب، وهی حرب تُدَار فی السرِّ ومن وراء الکوالیس. وإن کانت هناک جهود أمنیة تُبْذَل فی کلٍّ من غزة ولبنان لمواجهة ظاهرة التخابر مع إسرائیل، فإنه مما لا شک فیه أنَّ إسرائیل تحاول دسّ عملائها فی کل دولة عربیة حتى لو لم تکن على تماس مباشر مع الکیان الصهیونی، وهذا ما یُفسِّر إلقاء القبض على عملاء لـ"الموساد" فی کل من الجزائر والیمن وغیرهما.

والسؤال الذی یطرح نفسه هل تکفی القبضة الأمنیة والإجراءات القضائیة وحدها لمواجهة هذه الظاهرة الخطیرة، أم أن هناک حاجة لمنظومة متکاملة من المتطلبات الضروریة لمواجهة هذه المشکلة؟ وقبل الإجابة على هذا السؤال فإنَّه من الأهمیة بمکان الإحاطة بِمُجْمَل الأهداف التی یحاول الکیان الصهیونی تحقیقها من تجنید العملاء، والتی یمکن تلخیصها فی الآتی:

1- الحصول على المعلومة الاستخباریة الدقیقة، على اعتبار أنَّ ذلک یوفِّر الجهد ویقلِّص حجم الإمکانیات التی یجندها الجیش الإسرائیلی فی سَعْیه لضرب أهداف محددة فی العالم العربی.

2- تساعد المعلومات الاستخباریة ، إسرائیل دومًا فی توجیه الضربات القاصمة فی بدایة حروبها التی شنتها ضد العرب، مما یؤدِّی إلى تقلیص أَمَد الحرب ویساعد إسرائیل على استئناف أنماط الحیاة الطبیعیة فیها، وفی نفس الوقت یؤدی ذلک- وفق المنطق الإسرائیلی- إلى المسِّ بمعنویات دوائر صنع القرار والجماهیر العربیة ویقلص من رغبة الأنظمة العربیة وحرکات المقاومة فی مواصلة القتال.

3- أسهمت المعلومات الاستخباریة فی تمکین إسرائیل من الاحتفاظ بجیش نظامی صغیر نسبیًا، بحیث یتم استدعاء قوات الاحتیاط فی حالات الضرورة.

4- یعتبر أرباب الفکر الاستخباری الإسرائیلی أنَّ المعلومات الاستخباریة التی مصدرها العنصر البشری ممثل فی العملاء أکثر دقّة وأوسع استخدامًا من المعلومات التی یمکن الحصول علیها بتوظیف التقنیات المتقدمة فی عملیات التنصت والتصویر، ویسخر الإسرائیلیون من مغالاة الأمریکیین فی الاعتماد على المعلومات الاستخباریة التی یمکن الحصول علیها بواسطة التقنیات المتقدمة، ویعزون فشل الجهد العسکری الأمریکی فی کل من العراق وأفغانستان إلى ذلک.

وحتى نتعرف على سبل العلاج، فإننا یتوجّب أن نشیر إلى بعض جوانب الداء الذی یمکِّن إسرائیل من تجنید العملاء، ومما لا شکَّ أن وجود أنظمة الاستبداد فی العالم العربی تمثِّل بیئة صالحة لدفع الشاب العربی نحو مستنقع العمالة. وهنا نترک الکلام لکل من شفتای شفیط رئیس "الموساد" السابق، ورافی إیتان الذی تولَّى قیادة فرع تجنید العملاء فی "الموساد" سابقًا، وغیرهما الکثیر من قادة الأجهزة الإسرائیلیة السابقین الذین أکَّدوا أنَّ وجود الأنظمة الدیکتاتوریة أسهم إلى حدّ کبیر فی توفیر الظروف المناسبة لتسهیل مهمة تجنید العملاء؛ حیث إن الأنظمة الاستبدادیة فی العالم العربی تقتل عنصر الانتماء فی نفوس الکثیر من المواطنین العرب، مما یشکِّل بیئة مناسبة لعمل الموساد، کما یؤکد إیتان.

من هنا فإن "إسهامات" أنظمة الاستبداد فی العالم العربی لا تقف عند حدٍّ، ولا تستقر فی قاع. فی نفس الوقت فإنَّه على الرغم من تمکُّن إسرائیل من تجنید عملاء من کل المستویات التعلیمیة، إلا أنه من خلال دراسة ملفات العملاء فی الساحة الفلسطینیة على الأقل، یتضح أن هناک علاقة عکسیة بین مستوى التعلیم والأهلیة للسقوط فی براثن العمالة.

ومما لا شک أن ضَعْف الوازع الدینی والأخلاقی یلعب دورًا فی الانحدار نحو العمالة، ویذکر آفی دیختر الرئیس السابق فی جهاز المخابرات الداخلیة "الشاباک" أنّه فی مطلع السبعینات من القرن الماضی کان مسؤولاً عن "الشاباک" فی شمال قطاع غزة، وقد استدعى شابًا فلسطینیًا من "بیت حانون" لمساومته على التخابر مع إسرائیل، وبعد أن أبدى الشاب موافقته، فإذا بصوت أذان الظهر یصدع فی المکان، فإذا بالشاب یثور ویتراجع، وبعد ذلک تبیّن لدیختر أنه انضم لإحدى حرکات المقاومة.

ویقول یعکوف بیری وهو أیضًا رئیس سابق لـ"الشاباک": إنّ الوازع الدینی لدى الشباب الفلسطینیین یعتبر أحد العقبات الکأداء التی تحول دون تجنید العملاء من بین صفوف المتدینین، وإن نجحت هذه المحاولات فهی تحتاج إلى وقت طویل وجهد مُضْنٍ، علاوة على أن النتائج تکون فی بعض الأحیان مشکوکًا فیها.

من الواضح أن معالجة هذا الخطر یجب أن تبدأ من محاولة سحب الأوراق الرابحة من ید إسرائیل. ومن الأهمیة بمکان تغییر البیئة السیاسیة فی العالم العربی والتخلُّص من واقع الاستبداد وتحسین مخرجات العملیة التعلیمیة وربط الشباب العرب بالمنظومات القیمیة والأخلاقیة المستندة لدین الأمة وإرثها الثقافی والحضاری. بالطبع إلى جانب المعالجة القانونیة والقضائیة المتمثلة فی محاسبة العملاء.

ن/25

 


| رمز الموضوع: 141375