الاربعاء 16 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

قوانین عنصریة بالجملة

بقلم الکاتب والمحلل الفلسطینی راسم عبیدات

لم یعرف التاریخ البشری على مر عصوره وبأسوأ أشکال وأنواع احتلاله، هذا الشکل والنوع من العنصریة والإقصائیة ورفض الاعتراف بالآخر ومحاولة محو ذاکرته ووجوده وکی وعیه وإجباره على تعلم رموز وتعالیم محتله، فها هو "جدعون ساغر" وزیر التربیة والتعلیم الإسرائیلی کل یوم تتفتق ذهنیته العنصریة عن قوانین جدیدة تستهدف منهاج التربیة والتعلیم الخاص بالطلبة العرب فی الداخل الفلسطینی، فمن إخراج کلمة النکبة من المنهاج التعلیمی العربی الى فرض تعلم الطلبة العرب عن ما یسمى بالمحرقة الصهیونیة والتراث الیهودی وغیرها.
وفی ظل مجتمع عنصری مسکون بالخوف الدائم من الفلسطینی فی الأحلام والیقظة وحتى فی القبور، یجری النظر للشعب الفلسطینی على أنه سرطان یجب اقتلاعه من أرضه، وبالتالی تصبح أی ممارسة ضده بغض النظر عن قانونیتها او عدمها مباحة ومشرعة، ولیست فعلاً منافیاً لحقائق التاریخ وتزویراً له، ولیست أیضاً لا سامیة بغیضة ولا خروجاً على کل الأعراف والقوانین والمواثیق الدولیة.
ومع تشکل الحکومة الإسرائیلیة الحالیة التی تسیطر علیها قوى الیمین والتطرف، شهدنا ونشهد حالة من التصعید غیر المسبوق وصلت حد "الهستیریا" ضد الشعب الفلسطینی على امتداد جغرافیة فلسطین التاریخیة، حیث نرى تسابقاً محموماً من قبل مختلف ألوان الطیف السیاسی الإسرائیلی بمختلف ألوانه السیاسیة سمیه کما شئت یسار أم یمین وغیره، على تقدیم مشاریع قرارات لأقرارها من قبل الکنیست الإسرائیلی، تستهدف شعبنا الفلسطینی فی وجوده وهویته وتاریخه وثقافته وقومیته وذاکرته ووعیه.
والأحزاب الإسرائیلیة ترى أن تحقیق وزیادة شعبیتها وجماهیریتها بین الجمهور الإسرائیلی وتمثیلها فی الکنیست والحکومة، وإثبات صهیونیتها وولاءها وإخلاصها لتعالیم وأفکار "جابوتنسکی" و"هرتزل" و"بن غوریون" وغیرهم من قادة الحرکة الصهیونیة تتحقق فقط من خلال ما تطرحه من أفکار وحلول عنصریة وما تقوم به من أفعال وممارسات مغرقة بالعنصریة والتطرف ضد شعبنا الفلسطینی.
وهذه الحرب الشاملة على شعبنا تتصاعد یوماً بعد یوم وعلى أکثر من جبهة وصعید ففی الداخل الفلسطینی حیث جبهة الثقافة والتعلیم تتعرض لهجمة شرسة فوزیر التربیة والتعلیم الإسرائیلی "جدعون ساغر" من بعد قراره بإخراج کلمة ومصطلح النکبة من منهاج التعلیم العربی، وفرض ما یسمى بالنشید الوطنی الإسرائیلی "هتکفاه- الأمل" على الطلبة العرب إلى قانون فرض تعلم الطلبة العرب عن ما یسمى بالمحرقة الصهیونیة، أما على جبهة الحریات والسیاسة، فکل یوم نسمع عن قوانین لکی الوعی الفلسطینی وتکمیم أفواه شعبنا هناک، فمن قانون منع إحیاء النکبة إلى قانون ما یسمى بمنع التحریض إلى  قوانین المحاکمات السیاسیة والتی طالت العدید من الرموز السیاسیة وقادة ونشطاء العمل الأهلی والمجتمعی هناک، ابتدأت بقانون عزمی بشارة ومن بعدها محاکمات سیاسیة مستمرة ومتواصلة للشیخ رائد صلاح ومحمد برکه وسعید نفاع وجمال زحالقة وغیرهم، لتتمخض هذه المحاکمات لاحقاً وبعد اعتقال اثنین من قادة ونشطاء العمل الأهلی هناک (د.عمر سعید وأمیر مخول) وتوجیه لوائح اتهام ضدهم بالتعامل مع جهة معادیة وقت الحرب وتقدیم مساعدة لها والمقصود هنا حزب الله عن تقدیم مشروع قانون للکنیست من أجل إقراره بسحب جنسیة من ینتمی لمنظمة معادیة أو یثبت تجسسه لصالح تلک المنظمة من عرب الداخل، والمقصود هنا منظمات الثورة الفلسطینیة وحزب الله وإیران، والأمور لیست وقفاً على هذا فقط، بل جملة أخرى من القوانین العنصریة لها علاقة بمنع أهلنا هناک من التواصل مع عمقهم العربی، حیث جرت أکثر من مرة محاکمات لعدد من القادة لشعبنا هناک على خلفیة زیاراتهم الى سوریا ولبنان ولیبیا وغیرها.
أما على صعید القدس فالحالة شبیه إلى حد کبیر لما یجری فی الداخل، حیث سیاسة التطهیر العرقی على قدم وساق، فقد شهد العام الماضی سحب هویات لما یزید عن أربعة ألاف مقدسی، ناهیک عن أن خطر الهدم یتهدد أکثر من عشرین إلف بیت فلسطینی هناک، والقوانین والتعقیدات المفروضة على البناء فی القدس للعرب، الهدف منها دفعهم للرحیل عن أرضهم، وکما هو حاصل فی الداخل على الصعید السیاسی من کی للوعی واعتقالات وکم أفواه، نجد ذلک فی القدس حیث وجدنا أنه بعد تحرر الشیخ محمد أبو طیر مؤخراً المنتخب للمجلس التشریعی عن کتلة الإصلاح والتغیر التابعة لـ"حماس" سحبت منه هویته، وأعطی مدة شهر للرحیل ومغادرة القدس.. أضف إلى ذلک القوانین والقرارات والأوامر العسکریة التی تمنع أی نشاط فلسطینی فی القدس حتى لو کان على شکل عمل خیری أو إغاثی أو ترویحی أو ترفیهی حفل غنائی أو مخیم صیفی للأطفال، أو إقامة بیوت العزاء للشهداء والقادة والرموز الوطنیة أو استقبال المهنئین بالأسرى المفرج عنهم من سجون الاحتلال.
وکل هذا لیس کافیاً فی عرف الاحتلال وشریعته، فغزة المحاصرة والمحرومة من أبسط مقومات الحیاة البشریة، والتی یموت فیها السکان جوعاً ویحرمون من العلاج بسبب الحصار، کان لها نصیب من قوانین الاحتلال العنصریة، حیث صدر قانون عسکری یحمل الرقم 1650، والذی بموجبه سیتم طرد کل من یحمل هویة غزة ومقیم فی الضفة الغربیة أو القدس على حد زعمهم بطریقة غیر شرعیة أو قانونیة، وهذا یستهدف طرد ما لا یقل عن 70000 ألف مواطن فلسطینی من حملة هویة غزة.
والأسرى الذین یتعرضون إلى هجمة شاملة من قبل إدارة مصلحة السجون الإسرائیلیة، بقصد النیل من إرادتهم ومعنویاتهم، والتعدی الصارخ على حقوقهم وما حققوه من منجزات ومکتسبات عمدت بالدماء والتضحیات، کان لهم نصیب من هذه القوانین الإسرائیلیة العنصریة، فمن قانون المقاتل غیر الشرعی والذی بموجبه، یتم الاستمرار فی اعتقال الأسیر الفلسطینی بعد انتهاء فترة حکمه، إلى ما یسمى بالاعتقال الإداری المفتوح، أی بمعنى عدم تحدید سقف زمنی لفترة الاعتقال، وعدم عرض الأسیر على المحاکم، أو منحه الحق فی الدفاع عن نفسه أو معرفة التهمة التی یجری على أساسها الاستمرار فی اعتقاله وبقاءه فی السجن.
والأمور لم تقف عند هذا الحد،بل لجأت إدارة مصلحة السجون الإسرائیلیة وبموافقة وإقرار من المستوى السیاسی الى مساومة الأسرى المنتهیة مدد حکمهم، إما الموافقة على الخروج من المعتقل إلى غزة أو الخارج أو استمرار بقاءهم فی المعتقل، وأخیراً على ضوء تعثر المفاوضات المتعلقة بصفقة تبادل الجندی الإسرائیلی المأسور "شالیط" ورفض إسرائیل للشروط ومطالب الفصائل الفلسطینیة الآسرة لـ"شالیط" تتجه الحکومة الإسرائیلیة إلى سن ما یسمى بقانون "شالیط" والذی جرى إقراره بالقراءة الأولى، هذا القانون الذی یستهدف تشدید العقوبات على الأسرى الفلسطینیین، من أجل الضغط على الفصائل الفلسطینیة الآسرة لـ"شالیط" للتخلی عن شروطها ومطالبها، والعقوبات التی یجری الحدیث عنها من منع زیارات الأهالی لأبنائهم الأسرى ومقابلة المحامین ومنع إدخال الصحف والکتب وحجب القنوات الفضائیة والحرمان من تقدیم امتحانات الثانویة العامة أو الالتحاق بالجامعات والعزل وغیرها، إجراءات معمول بها ومطبقة بحق أسرانا وهی لیست بالجدیدة، وسجون الاحتلال لیست بالفنادق فهی قبور للأحیاء وتفتقر إلى أدنى شروط وظروف الحیاة الإنسانیة، والأسرى مجردین ومحرومین فیها من الکثیر من الحقوق التی نصت علیها الأعراف والمواثیق الدولیة، وهذا القانون وطرحه لیس الهدف منه الضغط على آسری "شالیط"، بل خلق حجج وذرائع من أجل شن هجمة جدیدة على الحرکة الأسیرة الفلسطینیة، من أجل کسر إرادتها وتحطیمها وتفکیک منظماتها الإعتقالیة، وإبقاءها فی حالة من الدفاع المستمر ومنعها من إقامة بنى وهیاکل تنظیمیة وغیرها.
إن الحکومة الإسرائیلیة وأحزابها السیاسیة کشفت وتکشف کشرت وتکشر عن أنیابها بشکل سافر ووقح ضد شعبنا الفلسطینی فی ظل إنحیازات کبیرة فی المجتمع الإسرائیلی نحو الیمین والتطرف، وبما یفرض على کل قوى وأحزاب شعبنا الفلسطینی على مختلف  مشاربها الفکریة وتلاوینها السیاسیة، أن تتوحد فی معارک الدفاع عن هویتها وحمایة وجودها، واستمرار صمودها وبقاءها على أرضها، فکل قوى شعبنا الفلسطینی بمؤسساتها وقیاداتها ونشطائها فی دائرة الاستهداف الإسرائیلی.
ن/25


| رمز الموضوع: 141376







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)