«الصدمات» الإسرائیلیة.. تکتیک قدیم
یصعب کثیرا على الأجیال اللاحقة للحرب العالمیة الثانیة أن تفهم حقیقة "الدور الیهودی" فی ظل الأزمات الخطیرة التی تعرض لها العالم فی النصف الأول من القرن العشرین وانتهت فی النهایة بکارثة بشریة کان من بین نتائجها ظهور الدولة العبریة لاحقا. ویمکن بکل بساطة أن نفهم من کان الفائز فی الأخیر.
ومع ذلک فإن المعضلة لا یمکن أن تحجب إلا نصف الحقیقة لأن الأجیال الجدیدة تسنى لها بما فیه الکفایة فهم الرکائز الأیدیولوجیة والسیاسیة والثقافیة التی طالما سارت علیها الدولة العبریة، ذات الأغلبیة الیهودیة، واللوبیات المتعاطفة معها فی باقی الدول وهی رکائز قد تختلف فی الشکل، ولکن الطبیعة والفکر قد لا یختلفان عما کان سائدا لدى الأجیال الاولى، منذ حتى عصر یهودا.
إن اعتماد إسرائیل فی نشأتها على القوة العسکریة والعصابات الصهیونیة والعملیات الإرهابیة المنظمة ساعدنا فی فهم العقل الیهودی الصهیونی ما قبل المحرقة وحتى مع بدایات الهجرة السریة والمنظمة باتجاه الأراضی العربیة فی فلسطین منذ بدایة التخطیط لاحتلال الأرض. ویزیدنا فهما لطبیعة هذا العقل أن النخبة السیاسیة بالمقیاس الإسرائیلی لیسوا سوى رؤساء تلک العصابات الإرهابیة التی أصبحت لاحقا بعد تأسیس الکیان الصهیونی مصدرا أساسیا للقیادات الاقتصادیة والاجتماعیة والقاعدة الأولى للمؤسسة العسکریة.
إن العالم الیوم ینظر إلى المذبحة البحریة الإسرائیلیة بحق النشطاء العزل المتجهین نحو غزة على متن أسطول الحریة على أنها صدمة. ولکن متى کان تاریخ إسرائیل خالیا من الإرهاب والصدمات؟!.
إسرائیل منذ وجودها وهی توجه لدول الجوار والعالم الصدمة تلو الأخرى. عصابة الأرغون الیهودیة الإرهابیة التی قادها مناحیم بیغین منذ عام 1938 وتولى فی عام 1977 رئاسة الحکومة الإسرائیلیة کانت العقل المدبر للمذابح ضد القرویین الفلسطینیین، وضد جنود الانتداب البریطانی، وهی نفسها التی فجرت مبنى فندق الملک داوود فی القدس عام 1946، مما أدى إلى مقتل 97 جندیا بریطانیا، فی حین أن تنظیم شتیرن الإرهابی بقیادة إسحاق شامیر قام باغتیال ممثل الأمم المتحدة فی فلسطین الکونت برنادوت فی العام 1948، أی سنة تأسیس الدولة العبریة.
وهذا العام بالذات کان حافلا بالعشرات من المجازر التی ارتکبتها العصابات الإرهابیة الیهودیة بغیة إرهاب الفلسطینیین ودفعهم للهرب وترک أراضیهم وممتلکاتهم حتى یتسنى للصهاینة الاستیلاء علیها، بدءا بمجازر دیر یاسین وبلد الشیخ والدوایمة والطنطورة وقریة سعسع وبیر عدس ومجزرة عرب السوارکة ومجزرة عرب المواسة وصفد وحیفا ویافا والحسینیة وعین الزیتون واللد والرملة وعیلبون والجش وعیلوط والطیرة وقریة دهمش وطجمزو وقزازة واجزم ووادی عربة وبیت دراس ومذبحة غویر أبو شوشة والرام وحواسة وقریة صلاح الدین، وغیرها عشرات المجازر- بعد إعلان قیام الکیان الصهیونی المصطنع فی فلسطین- التی استهدفت البشر والشجر والحجر ولم ترحم حتى القبر.
ولأن العصابات الإرهابیة لا تعترف بالضوابط القیمیة والأخلاقیة والدینیة اختارت إسرائیل أن توجه للعالم وللأمة الإسلامیة الصدمة الأکبر بحق المقدسات بإشعالها للحریق الضخم بالجناح الشرقی للمسجد الأقصى فی أغسطس من عام 1969 أی بعد عامین لحرب حزیران وابتلاعها لباقی الأراضی العربیة المحتلة إلى الیوم.
الحریق الذی شب على ید سائح أسترالی نصرانی متصهین أتى بشکل کامل على محتویات الجناح الشرقی للمسجد، بما فی ذلک منبره التاریخی المعروف بمنبر صلاح الدین، کما هدد الحریق قبة المسجد الأثریة المصنوعة من الفضة الخالصة. بعد موجات الغضب والاحتجاجات والإدانة الدولیة ألقوا القبض على الجانی، وادعوا أنه مجنون، وتم ترحیله إلى أسترالیا، وما زال یعیش هناک حتى الآن ولیس علیه أی أثر للجنون أو غیره.
وفی الواقع فإن الصدمات والترویع جزء من الثقافة الصهیونیة الإسرائیلیة، لأن الدولة العبریة حتى فی عز محادثات السلام المنفرد بعد حرب أکتوبر حافظت على نفس التکتیک.. "اضرب، وفاوض للسلام"؛ والنتیجة فی هذه الصدمة المدویة 4000 شهید فلسطینی من العزل فی مجازر صبرا وشاتیلا الغادرة فی سبتمبر من عام 1982 على ید میلیشیات مدفوعة الأجر من إسرائیل.
والصدمات من هذا النوع اختصاص إسرائیلی منذ قیامها، فمن صبرا وشاتیلا إلى حرب تموز 2006 ومجزرة قانا ومذابح غزة فی کانون الثانی 2008 وینایر 2009 والمذبحة البحریة ضد النشطاء فی حزیران 2010.
العالم تعوّد على الصدمات الإسرائیلیة إلى أن اکتسب المناعة ضدها، ولکن لیس هذا المهم، فالسؤال یحوم حول النهایة الممکنة للموقف الدولی الحالی والعاجز مقابل هذا الخروج الإسرائیلی المستمر عن "النص".
نعم إسرائیل مجرمة وارتکبت جرائم حرب وإبادة جماعیة، وإسرائیل أیضا تمتلک ترسانة نوویة، بالشهود والإثباتات، وإسرائیل لا تقیم أی وزن للقرارات الدولیة ولا للشرعیة الدولیة ولا تلتزم باتفاقات السلام ولا بالمفاوضات؛ فماذا فاعل إذن المجتمع الدولی؟ هل من نهایة لهذا الصداع؟ لقد وجدوا فی السابق الحل المناسب والأمثل بالنسبة إلیهم. فلماذا هم عاجزون الیوم؟!.
طارق القیزانی
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS