الأهداف الصهیونیة من وراء تدمیر العراق
سمیر جبور
ثمة استراتیجیة صهیونیة تطبق على مراحل، لیس من اجل الحؤول دون قیام ای شکل من أشکال الوحدة العربیة وحسب، بل وایضا لتفتیت الوطن العربی وتقسیم کل دولة الى دویلات إثنیة وعرقیة کما حاولت اسرائیل تطبیق هذه الأستراتیجیة فی لبنان، خلال النصف الثانی من القرن الماضی، وتقسیم العراق کما یجری حالیا. وتهدف هذه الأستراتیجیة ایضا الى تحیید بعض الدول العربیة وعزلها عن محیطها العربی وإضعافها وإخراجها من دائرة الصراع العربی الصهیونی کما فعلوا مع مصر والأردن.
وألآن ینصب الجهد الصهیونی على تدمیر العراق وتفتیته بتقسیمه الى دویلات اثنیة وعزله عن محیطه العربی والعمل على تدمیر أنظمته البنیویة لکی لا تقوم له قائمة کدولة عربیة قویة تتمتع بطاقات اقتصادیة وبشریة هائلة.
ولم تخف الحرکة الصهیونیة هذه الهدف. فقد کانت تعمل فی الخفاء على إحداث الفتن فی بلاد ما بین النهرین، وتعد الخطط التی انتهت بدفع الحلف الأطلسی على شن الحرب على العراق سنة 2003. وکان اول من کشف عن الخطط الصهیونیة، وببعض التفصیل، لتقسیم العراق هو عودید یینون الموظف السابق فی وزارة الخارجیة الأسرائیلیة مستخدما احدى وثائق الخارجیة الأسرائیلیة (نشرت هذه الدراسة مترجمة عن العبریة، أنظر: سمیر جبور 'تطور العقیدة العسکریة الأسرائیلیة خلال 35 عاما، بیروت: مؤسسة الدراسات الفلسطینیة، 1983). وأهم ما جاء فیها ما یلی:'ان العراق الغنی بالنفط من جهة، والذی یکثر فیه الأنشقاق والأحقاد فی الداخل من جهة اخرى، هو المرشح المضمون لتحقیق أهداف اسرائیل. إن تفتیت العراق هو أکثر أهمیة من تفتیت سوریة. فالعراق أقوى من سوریة ،وقوته تشکل فی المدى القصیر خطرا على إسرائیل اکثر من أی خطرآخر. وحرب عراقیة سوریة، أو عراقیة ایرانیة سوف تفتت العراق وسوف تؤدی به الى انهیار فی الداخل قبل أن یصبح فی إمکانه التأهب لخوض صراع على جبهة واسعة ضدنا وکل مواجهة بین الدول العربیة (مع بعضها بعضا) تساعدنا على الصمود فی المدى القصیر، وتختصر الطریق نحو الهدف الأسمى وهو تفتیت العراق الى شیع مثل سوریة ولبنان. وفی العراق سوف یکون التقسیم ألأقلیمی والطائفی متاحا ،کما کان الوضع فی سوریة فی العهد العثمانی. وهکذا تقوم ثلاث دول (هو اکثر)حول المدن العراقیة الرئیسیة: البصرة وبغداد والموصل، اذ تنفصل مناطق شیعیة فی الجنوب عن الشمال السنی والکردی بأکثریته. ولعل المواجهة الایرانیة العراقیة تؤدی الى إزدیاد حدة هذا الأستقطاب الیوم'.
ومنذ ذلک الحین تنتهج اسرائیل سیاسة منهجیة للنیل من وحدة العراق الى ان تمکنت الحرکة الصهیونیة بحمل حلف الأطلسی على شن حرب على العراق فی ربیع 2003 وعلى راسه الولایات المتحدة التی انساقت نحو الأکاذیب الصهیونیة. وکان من الواضح ان الصهیونیة هی التی خططت الحرب على العراق فقط من اجل مصلحة اسرائیل وتحقیق اهدافها التوسعیة واطماعها فی ثروات الوطن العربی. فهل اوشکت اسرائیل على تحقیق أهدافها من الحرب على العراق؟
'حققنا فی العراق أکثر مما خططنا وتوقعنا'
رسم فی دیختر وزیر الأمن الإسرائیلی الأسبق فی محاضرة القاها فی معهد أبحاث الأمن القومی الأسرائیلی، یوم 4 ایلول/سبتمبر 2008، رسم الصورة الحقیقیة للدور الاسرائیلی فی احتلال العراق من دون مواربة أو تمویه، مؤکدا على دورالاحزاب الکردیة وعلاقتها باسرائیل والدعم الذی قدم لها. وقد جاء فی محاضرة دیختر:
'لم یدر بخلدنا لحظة أن تتحقق دفعة واحدة مجموعة أهداف نتیجة للحرب التی شنتها الولایات المتحدة وأسفرت عن احتلاله.. العراق الذی ظل فی منظورنا الاستراتیجی التحدی الاستراتیجی الأخطر بعد أن تحول الى قوة عسکریة هائلة، فجأة العراق یتلاشى کدولة وکقوة عسکریة، بل وکبلد واحد متحد، العراق یقسم جغرافیاً وانقسم سکانیاً وشهد حرباً أهلیة شرسة ومدمرة أودت بحیاة بضع مئات الألوف. 'إذا رصدنا الأوضاع فی العراق منذ عام 2003 فإننا سنجد أنفسنا أمام أکثر من مشهد: العراق منقسم على أرض الواقع الى ثلاثة کیانات أو أقالیم رغم وجود حکومة مرکزیة. العراق ما زال عرضة لإندلاع جولات جدیدة من الحروب والإقتتال الداخلی بین الشیعة والسنة وبین العرب والأکراد.العراق بأوضاعه الأمنیة والسیاسیة والاقتصادیة لن یسترد وضعه ما قبل 2003'.وأکد دیختر على الدور الإسرائیلی فی الحرب على العراق بعد احتلاله عام 2003 :'لقد حققنا فی العراق أکثر مما خططنا وتوقعنا'، مؤکدا على إنّ تحیید العراق عن طریق تکریس أوضاعه الحالیة تشکل أهمیة استراتیجیة للأمن الصهیونی. واوضح بقوله 'تحیید العراق عن طریق تکریس أوضاعه الحالیة لیس أقل أهمیة وحیویة عن تکریس وإدامة تحیید مصر، تحیید مصر تحقق بوسائل دبلوماسیة لکن تحیید العراق یتطلب استخدام کل الوسائل المتاحة وغیر المتاحة حتى یکون التحیید شاملا کاملا'.
وشدد بقوله 'إن العراق تلاشى کقوة عسکریة وکبلد متحد، وخیارنا الاستراتیجی بقاؤه مجزأ'.
وأکد بقوله 'ما زال هدفنا الإستراتیجی هو عدم السماح لهذا البلد أن یعود الى ممارسة دور عربی واقلیمی وان تحلیلنا النهائی وخیارنا الاستراتیجی هو أن العراق یجب أن یبقى مجزأ ومنقسماً ومعزولا داخلیاً بعیدا عن البیئة الإقلیمیة'.
وحول دور الاحزاب الکردیة فی تسهیل احتلال العراق، عرض دیخترتطور الدعم الصهیونی للأکراد:' التحول الهام بدأ عام 1972. هذا الدعم اتخذ أبعادا أخرى أمنیة، مد الأکراد بالسلاح عبر ترکیا وإیران واستقبال مجموعات کردیة لتلقی التدریب فی إسرائیل بل وفی ترکیا وإیران' وقال أن 'ذروة اهداف اسرائیل هو دعم الاکراد بالسلاح والتدریب والشراکة الامنیة من اجل تاسیس دولة کردیة مستقلة فی شمال العراق تسیطر على نفط کرکوک وکردستان'.'فی العراق فاق ما کان عقلنا الاستراتیجی یتخیله'.
'الآن فی العراق دولة کردیة فعلا، هذه الدولة تتمتع بکل مقومات الدولة: أرض شعب دولة وسلطة وجیش واقتصاد ریعی نفطی واعد، هذه الدولة تتطلع الى أن تکون حدودها لیست داخل منطقة کردستان، بل ضم شمال العراق بأکمله، مدینة کرکوک فی المرحلة الأولى ثم الموصل وربما الى محافظة صلاح الدین الى جانب جلولاء وخانقین'.
وذکر دیختر أن'هناک إلتزاما من القیادة الکردیة بإعادة تشغیل خط النفط من کرکوک الى خط IBCسابقا عبر الأردن وقد جرت مفاوضات أولیة مع الأردن وتم التوصل الى اتفاق مع القیادة الکردیة، وإذا ما تراجع الأردن فهناک البدیل الترکی أی مد خط کرکوک ومناطق الإنتاج الأخرى فی کردستان تتم الى ترکیا واسرائیل، أجرینا دراسات لمخطط أنابیب للمیاه والنفط مع ترکیا ومن ترکیا الى إسرائیل'.
إذا رصدنا الأوضاع فی العراق منذ عام 2003 فإننا سنجد أنفسنا أمام أکثر من مشهد:
العراق منقسم على أرض الواقع الى ثلاثة کیانات أو أقالیم رغم وجود حکومة مرکزیة.
العراق ما زال عرضة لإندلاع جولات جدیدة من الحروب والإقتتال الداخلی بین الشیعة والسنة وبین العرب والأکراد.العراق بأوضاعه الأمنیة والسیاسیة والاقتصادیة لن یسترد وضعه ما قبل 2003. نحن لم نکن بعیدین عن التطورات فوق هذه المساحة منذ عام 2003، هدفنا الإستراتیجی مازال عدم السماح لهذا البلد أن یعود الى ممارسة دور عربی وإقلیمی لأننا نحن أول المتضررین.سیظل صراعنا على هذه الساحة فاعلا طالما بقیت القوات الأمریکیة التی توفر لنا مظلة وفرصة لکی تحبط أیة سیاقات لعودة العراق الى سابق قوته ووحدته.
نحن نستخدم کل الوسائل غیر المرئیة على الصعید السیاسی والأمنی. نرید أن نخلق ضمانات وکوابح لیس فی شمال العراق بل فی العاصمة بغداد. نحن نحاول أن ننسج علاقات مع بعض النخب السیاسیة والإقتصادیة حتى تبقى بالنسبة لنا ضمانة لبقاء العراق خارج دائرة الدول العربیة التی هی فی حالة حرب مع اسرائیل، العراق حتى عام 2003 کان فی حالة حرب مع إسرائیل.. وکان یعتبرالحرب مع إسرائیل من أوجب واجباته. إسرائیل کانت تواجه تحدیا استراتیجیا حقیقیا فی العراق، رغم حربه مع ایران لمدة ثمانیة أعوام، واصل العراق تطویر وتعزیز قدراته التقلیدیة والإستراتیجیة بما فیها سعیه لحیازة سلاح نووی.
هذا الوضع لایجب أن یتکرر نحن نتفاوض مع الأمریکان من أجل ذلک، من أجل قطع الطریق أمام عودة العراق لیکون دولة مواجهة مع اسرائیل.الإدارة الأمریکیة حریصة على ضمان مصالحنا وعلى توفیر هذه الضمانات عبر وسائل مختلفة.بقاء القوات الأمریکیة فی العراق لفترة لا تقل عن عقد الى عقدین.الحرص على أن تشمل الاتفاقیة الأمنیة بین الولایات المتحدة والحکومة العراقیة أکثر من بند یضمن تحیید العراق فی النزاع مع إسرائیل وعدم السماح له بالإنضمام الى أیة تحالفات أو منظومات أو الإلتزام بمواثیق تتأسس على العداء ضد إسرائیل کمعاهدة الدفاع العربی المشترک أو الإشتراک فی أی عمل عدائی ضد إسرائیل إذا ما نشبت حرب فی المنطقة مع سوریة أو لبنان أو إیران.الى جانب هذه الضمانات هناک أیضا جهود وخطوات نتخذها نحن بشکل منفرد لتأمین ضمانات قویة لقطع الطریق على عودة العراق الى موقع الخصم.استمرار الوضع الحالی فی العراق ودعم الأکراد فی شمال العراق ککیان سیاسی قائم بذاته، یعطی ضمانات قویة ومهمة للأمن القومی الإسرائیلی على المدى المنظور على الأقل.
نحن نعمل على تطویر شراکة أمنیة واستراتیجیة مع القیادة الکردیة رغم أن ذلک قد یثیر غضب ترکیا الدولة الصدیقة. نحن لم ندخر جهدا فی سبیل إقناع الزعامة الترکیة وعلى الأخص رجب أردوغان وعبد الله غول بل والقادة العسکریین أن دعمنا للأکراد فی العراق لا یمس وضع الأکراد فی ترکیا. أوضحنا هذا أیضا للقیادة الکردیة وحذرناها من مغبة الإحتکاک بترکیا أو دعم أکراد ترکیا بأی شکل من اشکال الدعم، أکدنا لهم أن الشراکة مع إسرائیل یجب أن لا تضر بالعلاقة مع ترکیا وأن میدان هذه الشراکة هو العراق فی الوقت الحالی، وقد یتسع المستقبل لکن شریطة أن یتجه هذا الأتساع نحو سوریة وإیران.
مواجهة التحدیات الاستراتیجیة فی البیئة الإقلیمیة یحتم علینا أن لا نغمض العین عن تطورات الساحة العراقیة وملاحقتها، لا بالوقوف متفرجین بل فی المساهمة بدور کی لا تکون تفاعلاتها ضارة ومفاقمة للتحدیات.
تحیید العراق عن طریق تکریس أوضاعه الحالیة لیس أقل أهمیة وحیویة عن تکریس وإدامة تحیید مصر، تحیید مصر تحقق بوسائل دبلوماسیة لکن تحیید العراق یتطلب استخدام کل الوسائل المتاحة وغیر المتاحة حتى یکون التحیید شاملا کاملا.
لا یمکن الحدیث عن استخدام خیار القوة لأن هذا الشرط غیر قائم بالنسبة للعراق. ولأن هذا الخیار مارسته القوة الأعظم فی العالم، الولایات المتحدة، وحققت نتائج تفوق کل تصور، کان من المستحیل على اسرائیل أن تحققه إلا بوسیلة واحدة وهی استخدام عناصر القوة بحوزتها بما فیها السلاح النووی.
تحلیلنا النهائی أن العراق یجب أن یبقى مجزأ ومنقسما ومعزولا داخلیا بعیداعن البیئة الإقلیمیة، هذا هو خیارنا الاستراتیجی. ومن أجل تحقیقه سنواظب على استخدام الخیارات التی تکرس هذا الوضع، دولة کردیة فی العراق تهیمن على مصادر إنتاج انتاج النفط فی کرکوک وکردستان.
هناک إلتزام من القیادة الکردیة بإعادة تشغیل خط النفط من کرکوک الى خط IBC سابقا عبر الأردن وقد جرت مفاوضات أولیة مع الأردن وتم التوصل الى اتفاق مع القیادة الکردیة، وإذا ما تراجع الأردن فهناک البدیل الترکی أی مد خط کرکوک ومناطق الإنتاج الأخرى فی کردستان تتم الى ترکیا واسرائیل، أجرینا دراسات لمخطط أنابیب للمیاه والنفط مع ترکیا ومن ترکیا الى إسرائیل.
المعادلة الحاکمة فی حرکتنا الاستراتیجیة فی البیئة العراقیة تنطلق من مزید من تقویض حزمة القدرات العربیة فی دولها الرئیسیة من أجل تحقیق المزید من الأمن القومی لإسرائیل .
أغلب الظن انه لیست هناک حاجة الى التعلیق على هذه المعلومات الخطیرة، ولکن یطرح سؤالان: کم بقی من الوقت للأنقاذ العراق من براثن الهصیونیة وأطماعها التوسعیة ومخططاتها للسیطرة على الثروات العربیة؟
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS