لماذا یرهن کسر الحصار بالمصالحة؟!
لماذا یرهن کسر الحصار بالمصالحة؟!
زیاد ابوشاویش
یمکن أیضاً قلب السؤال لیصبح: لماذا ترهن المصالحة بکسر الحصار؟ وفی الظروف الراهنة والضجیج العالمی الذی أحدثه أسطول الحریة لکسر الحصار على غزة وما استتبعه من هجوم إسرائیلی عنیف وغیر شرعی على المتضامنین الدولیین وسقوط الشهداء الأتراک، یتضح أن هذین العنوانین من عناوین العمل الوطنی الفلسطینی والتحرک العربی والدولی المساند له یجب أن یحظیا بنفس الاهتمام وأن لا توضع شروط على تحقیق أی منهما ربطاً بالآخر، ذلک أن متطلبات المصالحة ومقدماتها تختلف عن تلک المتعلقة بکسر الحصار والقوى المشارکة فیها، حیث یلعب العامل الذاتی دوراً مقرراً فی الأولى بینما یلعب العامل الموضوعی الدور المقرر فی الثانیة.
الفلسطینیون یدرکون هذه الفوارق ویعلمون أن معرکة کسر الحصار طویلة وشاقة رغم التقدم الکبیر الذی أحدثته التطورات الأخیرة فی هذا الملف، لکن إسرائیل تدرک کذلک أن هزیمتها فی هذا العنوان ستعنی واقعاً مختلفاً بشکل نوعی فی قضیة الحل النهائی والمفاوضات الجاریة بخصوصها، کما تدرک أن کسر الحصار یعنی انتصار حرکة حماس فی معرکة الصمود والتحدی داخل قطاع غزة المحاصر وتزاید وزنها فی المعادلة الفلسطینیة الداخلیة، واستطراداً تعزیز موقفها التفاوضی فی قضیة تبادل الأسرى لإطلاق سراح الجندی الإسرائیلی الأسیر جلعاد شالیط.
لهذه الحیثیات قدرنا أن کسر الحصار سیکون معرکة صعبة وتحتاج لجهود کبیرة وتعاون بین القوى الفلسطینیة، وبینها وبین الدول العربیة النافذة والدول الصدیقة المساندة لقضیة فک الحصار، وهذه کثیرة ویتراوح سقف موقفها بین المطالبة بالضغط على إسرائیل حتى لو تطلب ذلک فرض عقوبات دولیة علیها وبین المناشدة الإنسانیة بضرورة رفع الحصار لیحصل الفلسطینیون المحاصرون على الطعام وغیره من متطلبات العیش الکریم.
إن أحد شروط النجاح فی توحید الجهد العربی والدولی باتجاه إنهاء الحصار وتمکین الفلسطینیین من العیش کباقی الشعوب یرتبط بتوحید الجهد الفلسطینی ذاته والذی یعنی تحقیق المصالحة وعودة الوحدة الوطنیة وبغیر ذلک لن ینتهی الحصار أو یکسر، والأمر هنا لا یتعلق بموقف الرئیس الفلسطینی أو حتى النظام المصری والشروط التی یضعها الطرفان لفتح معبر رفح، وکأن تحریر غزة نهائیاً من الاحتلال الإسرائیلی مرهون بهذا الأمر، أو بشروط یضعها هذا الطرف أو ذاک على أشقائه.
الزخم الذی تولد نتیجة العدوان الإسرائیلی على قافلة الحریة والحراک الإقلیمی والدولی لرفع الحصار، بما فی ذلک قرار البرلمان الأوروبی المتمیز للمطالبة بإنهاء الحصار یمنح معرکة کسر الحصار أولویة راهنة لصب کل الجهد فی هذا الاتجاه، وتعزیز الروابط مع القوى الإقلیمیة والدولیة دون النظر إلى التباین السیاسی بین حرکة حماس وحرکة فتح والمماحکات المتعلقة بالشرعیة لهذا الطرف أو ذاک.
إن رفع الحصار عن قطاع غزة، وکذلک عن الضفة الغربیة، یجب أن یکون الشغل الشاغل للجمیع بغض النظر عمن یسیطر هنا أو یحکم هناک، لأن هذه یمکن معالجتها فی سیاق البحث عن حل للخلاف الفلسطینی الداخلی للوصول للمصالحة ومن ثم إنجاز الوحدة الوطنیة الشرط الرئیسی لتحقیق الانتصار فی المعرکة الوطنیة الأشمل ولمواجهة الاحتلال وکنسه من أرضنا.
الدعوة للمصالحة والمبادرات بخصوصها استمرت منذ ثلاث سنوات وصدرت من کل القوى السیاسیة ومنظمات المجتمع المدنی الفلسطینی والأسرى کذلک، کما کانت طلباً ملحاً وصادقاً من الدول العربیة الحریصة على المصلحة الوطنیة الفلسطینیة واستمرار المقاومة بکل أشکالها، ولم یقتصر الأمر على هذا، بل تدخلت دول أجنبیة صدیقة من أجل رأب الصدع الفلسطینی. هذه الدعوات والمبادرات تصاعدت بقوة خلال الفترة القصیرة الماضیة، وعلى الأخص بعد العدوان الإسرائیلی الهمجی على أسطول الحریة، واستنکار هذا السلوک الخارج على القانون من جانب الأغلبیة الساحقة من دول العالم والمنظمات الدولیة المعنیة بحقوق الإنسان وباحترام القوانین والشرعیة الدولیة.
صحیح أن ظروفاً أکثر صعوبة، وعدواناً أعنف، وأحداثاً أخطر مرت بالشعب الفلسطینی قبل هذا الحدث، وبالتالی کان موضوع الوحدة الوطنیة أثناءها أکثر إلحاحاً وأهمیة، غیر أن تداعیات الحدث الأخیر والاهتمام العربی والدولی بالقضیة الفلسطینیة وتصاعد نغمة الإدانة لإسرائیل وانضمام مزید من الدول لمناهضة السلوک الإسرائیلی، وانکشاف حقیقة الدولة العبریة، وبالتالی توفر الفرصة الأفضل لتحقیق إنجازات ملموسة وحقیقیة یجعل من مسألة المصالحة وتحقیق الوحدة الوطنیة أولویة مطلقة فی الوقت الراهن دون وضعها کشرط لکسر الحصار أو اعتبارها العامل الوحید لذلک، تماماً کخطأ اعتبار کسر الحصار المهمة الوحیدة التی تستوجب تحقیقها.
"البیضة أم الدجاجة، أیهما أسبق؟" هذا السؤال العبثی یجب أن لا یرد الیوم ونحن نعالج قضایا مصیریة تتعلق بمستقبل الشعب الفلسطینی، والأولویات تحددها ضرورات وطنیة یجمع علیها الشعب الفلسطینی من جهة، وعوامل التحقق المتوفرة لها من جهة أخرى، ومن هنا یجب أن یعمل الجمیع على المهمتین بنفس الروحیة وعلى ذات المستوى من الاهتمام دون أن یغیب عن الذهن أن مهمة المصالحة ترتبط کما أسلفنا بالعامل الذاتی، وهی بذلک یجب أن تکون أقرب للتحقق من الأخرى.. فهل نکسر حاجز عدم الثقة ونتقدم؟!.
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS