qodsna.ir qodsna.ir

هل بدأ تطبیق العقوبات على إسرائیل؟!

 فوزی الأسمر

 

أثار القرار الذی اتخذته الحکومة الترکیة، بعدم السماح للطائرات الحربیة الإسرائیلیة استعمال مجالها الجوی، ردود فعل لدى صناع القرارات السیاسیة والإستراتیجیة العسکریة فی إسرائیل. کما وجه هذا القرار صفعة قویة لتل أبیب کونه جاء بمثابة إنزال عقوبات على إسرائیل، وهو الأول من نوعه تستعمله أیة دولة ضد إسرائیل، باستثناء قرار المقاطعة العربیة.

فقرار المقاطعة العربیة لم یتخذ على أساس عقاب ضد إسرائیل، بل کون أن هذه الدول لم تعترف بالدولة الصهیونیة. هکذا عرف العرب هذه المقاطعة، وهکذا فهمتها إسرائیل ودول العالم. کما جاء القرار الترکی بعد أن رفضت تل أبیب طلب أنقرة بتقدیم الاعتذار الرسمی على همجیتها وقتلها للأبریاء، ودفع التعویضات لأهالی الضحایا الذین قتلتهم على ظهر الباخرة "مرمرة".

وقرار ترکیا هذا یتماشى أیضا مع مواقف عالمیة أخرى متعلقة بالمشکلة النوویة الإیرانیة. فإسرائیل تعمل جاهدة على إقناع العالم بضرورة توجیه "ضربة عسکریة للمفاعلات النوویة الإیرانیة" وتهدد أنه فی حالة عدم استجابة العالم لها ستقوم بمفردها بهذه المهمة.

العالم شبه موحد على أنه یجب عدم تشجیع إیران على الاستمرار فی مشاریعها النوویة انطلاقا من الإیمان بأنه یجب وضع حد لانتشار السلاح النووی. ولکنه فی نفس الوقت غیر مقتنع بأنه یجب شن هجوم عسکری على إیران، الشیء الذی قد یؤدی إلى إشعال نار الحرب فی المنطقة. وفی مقدمة هذه الدول تقف الولایات المتحدة التی یرى رئیسها، باراک أوباما، أن الضغوط الدبلوماسیة والعقوبات الصارمة، هی الوسیلة الأولى فی محاولة إقناع إیران بالتنازل عن تطلعاتها النوویة. أما استعمال القوة العسکریة فیجب أن یکون آخر المطاف وبعد أن تفشل کل الجهود الدبلوماسیة والعقوبات، وتظهر النوایا الحقیقة بالنسبة لحصول إیران على هذه المقدرة وعما إذا کانت للأغراض السلمیة أم لا، على حد تعبیر الموقف الأمریکی.

وعملیا فقد أرسل الرئیس الأمریکی أوباما، رئیس أرکان الجیوش الأمریکیة الأدمیرال مایکل مالون إلى تل أبیب حیث اجتمع مع وزیر الحرب الإسرائیلی، ایهود براک، ورئیس أرکان الجیش غابی أشکنازی، وأعلن بعد هذا اللقاء أن الولایات المتحدة وإسرائیل على تفاهم تام بالنسبة للوضع الإیرانی.

ولکن مالون أضاف محذرا: "الإشارات الواردة من إیران مقلقة، ولکن إذا کان فی إسرائیل من یفکر فی شن هجوم على المنشآت النوویة الإیرانیة، فإن الولایات المتحدة تعمل على لجمه ومنعه. إن إسرائیل تعرف أن القیام بعملیة عسکریة "ضد إیران" ستکون لها أبعاد خطیرة". "یدعوت أحرونوت 29/6/2010".

وشهد العالم فی السنوات الأخیرة غطرسة إسرائیلیة معتبرة نفسها بأنها فوق القانون، وأن العالم ملتزم بدعمها وبغض الطرف عن تصرفاتها. وأدى ذلک إلى استیقاظ الرأی العام العالمی الذی أخذ یمج هذه التصرفات، بل بدأ یرفض تبریرات إسرائیل لغطرستها هذه، بما فی ذلک الرأی العام داخل الجالیات الیهودیة فی العالم.

بل یمکن القول إن بعض الرأی العام الیهودی الإسرائیلی بدأ یمج تصرفات حکومته. فمثلا هناک شبه إجماع على أن الحصار على قطاع غزة ألحق الضرر بإسرائیل لدى الرأی العالمی، ولم یحل لها أیة مشکلة. فحرکة "حماس" حاکمة فی القطاع، وجلعاد شلیط لا یزال أسیرا، والحصار فشل، وتحرک العالم کله لکسر هذا الحصار، وغطرسة حکومة إسرائیل أدت إلى قتل الأبریاء المطالبین برفع الظلم عن سکان قطع غزة.

ونشر أحد کبار المحللین فی صحیفة "هآرتس"- جدعون لیفی- مقالا "یوم 29/6/2010" تهکم فیه على الموقف الذی تبنته حکومات إسرائیل، مشیرا إلى أنها ترفع "خیال المآتی" ثم تعود وتعترف أن ما قامت به لم یکن واقعا. وأشار إلى الحجج التی ترفعها حکومة نتنیاهو بالنسبة لإطلاق الأسرى الفلسطینیین من السجون الإسرائیلیة، مقابل إطلاق سراح الأسیر شلیط بحجة أن: "على أیدی البعض فی قائمة حماس دم یهودی".. ویتساءل لیفی عن الدم العربی الموجود على أیدی الجنود الإسرائیلیین.

إذا أراد العالم أن یصل إلى حل سلمی ودائم وعادل فی منطقة الشرق الأوسط فإنه یتحتم علیه أن یتعامل مع إسرائیل على أنها دولة عادیة کبقیة دول العالم، ولیست دولة فوق القانون یحق لها ما لا یحق لغیرها "على غرار حوزتها على ترسانة نوویة فی حین ترید أن تمنع دول المنطقة من الحصول على هذه المقدرة". وإذا لم یحدث ذلک فإن الأمور لن تهدأ، وستدخل على الخط دول أخرى وستفرض على إسرائیل إرادتها مهما کان الثمن.

ن/25


| رمز الموضوع: 141390