qodsna.ir qodsna.ir

دیبلوماسیة العابثین بالشرق الأوسط

دیبلوماسیة العابثین بالشرق الأوسط

 

اللقاء الجدید بین الرئیس الأمریکی ورئیس الوزراء الاسرائیلی بنیامین نتنیاهو الهدف منه لیس جدیدا، السعی لوقف عملیات توسیع الاستیطان على حساب اراضی الفلسطینیین فی الضفة الغربیة من الجانب الامریکی، وفی أحسن الأحوال تجمید الاستیطان من اجل التمهید لمناخ ملائم لاستئناف المفاوضات واعطاء المزید من الفرص لعملیة السلام فی المنطقة.

اللقاء الذی کان یعلق علیه عددا من السیاسیین الفلسطینیین والعرب، للأسف، آمالا تفتقد لأی قدم على ارض الواقع کما تتجاهل بسذاجة محیرة حقائق الماضی، کنا نتوقع سلفا ما سیتمخض عنه اللقاء وما سیترتب عنه من تداعیات لاحقا. سیتشدد رئیس الوزراء الاسرائیلی فی التمسک بـ"حق الاستیطان" بدعوى انه حق حیوی وخط احمر وامر واقع، سیغضب الرئیس الأمریکی وینتهی اللقاء بلا اتفاق وستعلن الصحافة الامریکیة والاسرائیلیة عن فشل المقابلة ویبدأ فیما بعد الحدیث عن توتر فی العلاقات بین الحلیفین.

فی الأثناء سیستمر السیر بخطة العمل المعتادة فی تل ابیب، "طنش" وواصل الاستیطان، ومن ثم یعلن القادة السیاسیون هناک عن تجمید الاستیطان لفترة محددة لاعطاء فرصة لمحادثات السلام وامتصاص التوتر فی الظاهر مع واشنطن.

کل ذلک نعلمه وعشناه أکثر من مرة فی السابق، وآخرها منذ بضعة اشهر. والیوم وبمجرد انتهاء فترة تجمید بناء المستوطنات التی اعلنتها اسرائیل قبل بضعة اشهر ستعود نشاطات الاستیطان بشکل آلی واعتیادی فی الخریف المقبل. لتسقط بذلک أی امل فی نجاح مأمول لأی مفاوضات غیر مباشرة او مباشرة بین الفلسطینیین والاسرائیلیین.

الأمر کله عبثی، ولا یمکن ان نسمی هذه السیاسة سوى بـ"دیبلوماسیة العابثین" الذین یتحدثون عن کل شیء ولا یفعلون ای شیء. فالحلقة الدائریة التی تعیشها الأراضی الفلسطینیة المحتلة، والاراضی التی فی طریقها الى الاحتلال بالخدع والحیل واستنزاف الوقت، لم تعد تحتمل فی الواقع المزید من التسلیم والغباء. على قادة الرأی فی العالم العربی ان یلتفتوا الى ما یحدث وراء الأکمة وعلى أرض الواقع ویضعوا حدا لهذه المهزلة قبل فوات الأوان.

هناک الیوم ما یقارب نصف ملیون مستوطن یسیطرون على 42 بالمئة من مساحة الضفة الغربیة، والأرقام فی صعود مستمر مع تواصل نشاطات الاستیطان. وما یزید الأمر تعقیدا ان اسرائیل التی عمدت الى التعاطی الذرائعی والمخالف للوائح القانون الدولی وحتى التشریع المحلی مع مشروع الاستیطان قد ضمت ما یعادل 16 بالمئة من اراضی الضفة الغربیة باعلانها "اراضی دولة". وهذه سیاسة اتاحت النهب المتواصل لأراضی الفلسطینیین.

وسیکون بالفعل من باب السذاجة اذا علق العرب أملا على قدرة اسرائیل فی یوم ما على اخلاء تلک المستوطنات حتى لو استولى الحمائم على الحکومة لأن أغلب المستوطنین تحت تأثیر نفوذ ودعم الحاخامات والأحزاب الیمینیة والعسکر. ولنا ان نتصور کیف سیکون مشروع الدولة الفلسطینیة الى جانب هذه القنابل الموقوتة وفوق بضعة آلاف من الدونمات.

ربما کانت تلک تکتیکات وحیلا اسرائیلیة وامریکیة لاحتواء العرب فنحن نتوقع دائما الأسوء من هذا الحلف وما یدبر فی الخفاء. ولکن ما لا نفهمه فی الواقع استمرار العرب فی التعلق "بالقش"، هذا التعنت العربی فی النظر الى "الحلیف الاستراتیجی الامریکی" على انه الوسیط النزیه والراعی للسلام العادل فی الشرق الأوسط. ما هی أوراق ضغط العرب حتى یعولوا على امریکا؟ وهل استعملوا اوراقهم أصلا؟

فالرئیس الامریکی باراک اوباما الذی روج الاعلام الغربی والعربی حول خلافه مع الادارة الاسرائیلیة بشأن الاستیطان ربما کان علیه أولا معالجة هذه القضیة فی الداخل الأمریکی نفسه قبل ملاقاة نتنیاهو.

کیف یمکن وضع حد لأنشطة الاستیطان فی الضفة الغربیة فی الوقت الذی تقدم فیه وزارة الخزانة الامریکیة امتیازات للمستوطنات الیهودیة من خلال اعفاءات ضریبیة على التبرعات التی تجمع لها داخل الولایات المتحدة بالذات؟

یعترف تقریر امریکی نشر فی "نیویورک تایمز" بوجود العدید من المنظمات والجمعیات فی الولایات المتحدة التی "تستخدم هبات معفاة من الضرائب لمساعدة الیهود فی الاستقرار فی الأراضی المحتلة ما یعرقل فعلیاً قیام دولة فلسطینیة تعتبر شرطاً أساسیاً للسلام فی الشرق الأوسط". والمفارقة انه حسب اعترافات نفس التقریر فإن القانون الأمریکی متساهل أکثر حتى من القانون الاسرائیلی بشأن التبرعات منخفضة الضرائب المخصصة للأنشطة الاستیطانیة.

والأدهى من ذلک ان التخفیضات الضریبیة فی الولایات المتحدة على التبرعات للمستوطنات لم تواجه من قبل الحکومة الأمیرکیة الى الیوم کما ان مصلحة العائدات الداخلیة ترفض حتى مجرد مناقشة موضوع التبرعات للمستوطنات فی الضفة الغربیة.

سیکون قمة الغباء ان یؤمن العرب بالدور الامریکی فی وساطة الشرق الأوسط فی الوقت الذی یؤمن فیه الامریکیون بتلک المستوطنات اکثر حتى من بعض الاسرائیلیین.

نحن فی الواقع أمام "دویخة" السلام فی الشرق الاوسط واذا لم ینزع العرب الغشاوة عن ابصارهم ویستعملون اوراقهم للضغط فإنهم فی المستقبل قد لن یجدوا ما یتفاوضون حوله. لأن ما یتعرض للنهب قد لا یعود أبدا.

ن/25

 

 

 

 

 


| رمز الموضوع: 141394