qodsna.ir qodsna.ir

أوباما ونتنیاهو والنووی الإسرائیلی

الدکتور فوزی الأسمر

 

حسب ما أشارت إلیه وسائل الإعلام الإسرائیلیة، فإن موضوع النووی الإسرائیلی استحوذ على حیز لا بأس به فی المباحثات التی أجراها بنیامین نتنیاهو، رئیس حکومة إسرائیل، مع الرئیس الأمریکی، باراک أوباما.

والملفت للنظر أنه لأول مرة تشیر وسائل الإعلام الإسرائیلیة وبشکل مباشر، إلى أن موضوع النووی الإسرائیلی سیکون موضع بحث بین أوباما ونتنیاهو "هآرتس 5/7/2010". رغم تجاهل الحکومات الإسرائیلیة المتکررة هذا الموضوع لفترة طویلة، لدرجة نکران وجود ترسانة نوویة لدى إسرائیل. السبب فی ذلک یعود إلى الموقف الأمریکی الذی ربط بین التصدی للمشروع النووی الإیرانی وبین حل القضیة الفلسطینیة، والحصول على دعم دولی لموقف الولایات المتحدة بالنسبة لنزع السلاح النووی، وبالتالی لا یمکن لواشنطن تجاهل الترسانة النوویة الإسرائیلیة وتستمر فی محاربة النووی الإیرانی.

فنتنیاهو من جانبه أراد أن یحصل على تجدید من أوباما للتعهدات الأمریکیة التی قدمها الرئیس الأمریکی السابق، ریتشارد نیکسون، فی عام 1969 إلى رئیسة الوزراء الإسرائیلیة فی حینه، غولدا مائیر، والتی تتضمن أن لا تقوم الولایات المتحدة بوضع ضغط على إسرائیل کی تنضم إلى "معاهدة عدم انتشار الأسلحة النوویة"، مقابل أن تتعهد إسرائیل بأن لا تعلن عن حیازتها على هذا النوع من السلاح، وان لا تقوم بإجراء تجارب نوویة.

ولکن نتنیاهو اصطدم بمعارضة الرئیس الأمریکی أوباما، إذ لم یعد من الممکن تجاهل موضوع النووی الإسرائیلی. فقد استطاع أوباما أن یجند الرأی العام المحلی والعالمی ضدّ النووی الإیرانی، ونجح فی تمریر قرار إنزال المزید من العقوبات على إیران. ولکنه رفض الطلب الإسرائیلی بضرورة استعمال القوة ضدّ المنشآت النوویة الإیرانیة.

فأمام أوباما أکثر من موضوع لدفع مخططاته السیاسیة والتی لها علاقة بالنووی الإسرائیلی. فی مقدمة ذلک الاقتناع شبه الکامل أن حل القضیة الفلسطینیة عن طریق إقامة دولة فلسطینیة مستقلة وذات سیادة إلى جانب إسرائیل، سیؤدی إلى سحب السجادة النوویة من تحت أرجل إیران، وبالتالی الحصول على تأیید ودعم علنی من الدول العربیة.

والموضوع الثانی هو تصمیم الدول العربیة على أن معادلة "شرق أوسط خال من السلاح"، وعلى وجوب أن توقع کل دول المنطقة على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النوویة، وفتح أبوابها أمام المفتشین الدولیین لمراقبة أیة تطورات نوویة. بهذا التحرک تکون الدول العربیة قد أصابت عصفورین بحجر واحد، دون أن تتخذ موقفا علنیا ضدّ أیة دولة.

وحل الموضوعین یصب مباشرة فی جهود الرئیس أوباما لتنفیذ سیاسته الشرق أوسطیة. فهو بحاجة إلى إحراز تقدم فی هذا المجال دون الدخول فی صراع علنی مع إسرائیل، وإرضاء الدول العربیة الصدیقة للولایات المتحدة.

ومحاولات إسرائیل فی الربط بین زیادة قوة المقاومة اللبنانیة، والفلسطینیة وبین إیران، من منطلق أن هذا الدعم الإیرانی للمقاومة نابع من ضعف فی الموقف العالمی من النووی الإیرانی، هذه المحاولة فشلت، کون أن إسرائیل، حسب ما جاء فی التقریر النصف سنوی للأمین العام للأمم المتحدة، بان کی مون "4/7/2010"، حول قرار مجلس الأمن 1701، هی المسؤولة عن التوتر المستمر على الحدود مع لبنان. إضافة إلى أنها لا تزال تحاصر قطاع غزة وتمنع وصول الإمدادات الإنسانیة إلیه.

بل إن التقریر ذهب إلى أبعد من ذلک، حیث لم یقتنع واضعوه بما تردده إسرائیل، أن حزب الله قد قام فی أکثر من مناسبة بالتحرش بقوات الأمم المتحدة المتواجدة على الأراضی اللبنانیة. ووصفت صحیفة "هآرتس" "5/7/2010" هذا التقریر بأنه عبارة عن: "صفعة على وجه إسرائیل". ومن ناحیة أخرى اتهمت إسرائیل هذا التقریر بأنه "یغض الطرف عن الواقع على الحدود اللبنانیة".

وبلا شک أن هذا التقریر موجود على طاولة الرئیس أوباما. ففی الوقت الذی تحاول فیه تل ـ أبیب إقناع واشنطن بأن سوریا وحزب الله یخططان لشن حرب على إسرائیل، یظهر أمام أوباما التقریر الذی ینفی هذا الکلام. ولدى الرئیس أوباما من الذکاء ما یکفیه کی یرى الأمور بمنظار واقعی، خصوصا بعد الدور الذی لعبته إسرائیل وعملائها فی أقناع الرئیس الأمریکی السابق، جورج بوش، التورط فی الحرب على العراق.

فإسرائیل غیر مرتاحة من التطور النووی الإیرانی، وترى فیه تهدیدا حقیقیا لسیطرتها على منطقة الشرق الأوسط الذی تمتعت به منذ قیامها. ولکن وفی نفس الوقت تحاول تل ـ أبیب أن تستغل هذا الوضع، لصرف نظر المجتمع الدولی عن موقفها من الأراضی الفلسطینیة المحتلة، وعملیات بناء المستعمرات الیهودیة، وعن قیامها بارتکاب المجازر ضدّ الشعب الفلسطینی. وفی هذا المجال أیضا تواجه إسرائیل مشکلات أساسیة.

فالتحرکات العالمیة لکسر الحصار الذی تفرضه على ملیون ونصف ملیون فلسطینی یعیشون فی قطاع غزة، أثار ردود فعل عنیفة لدى الرأی العام العالمی، ودفع الآلاف من محبی السلام فی العالم القیام بمظاهرات صاخبة منددین بتصرفات إسرائیل.

ولم یکتف محبوا السلام بالمظاهرات والاحتجاجات فقاموا بإرسال السفن المحملة بالغذاء والدواء والضروریات للشعب المحاصر، کان آخرها "أسطول الحریة" حیث ارتکبت إسرائیل مجزرة جدیدة قتل فیها تسعة من محبی السلام الأتراک. ورفض نتنیاهو، عشیة سفره إلى الولایات المتحدة، وبکل وقاحة، تقدیم الاعتذار عن هذه الجریمة الشنعاء أو دفع تعویضات لعائلات الضحایا، مما حدى بوزیر خارجیة ترکیا التهدید بقطع العلاقات الدبلوماسیة بین الدولتین.

هذا الموقف أثار ردود فعل لدى الرأی العام العالمی، وزاد من التوتر فی منطقة الشرق الأوسط، الشیء الذی سجله أمامه الرئیس الأمریکی أوباما. فقد استطاعت إسرائیل أن تفتح جبهة توتر جدیدة فی المنطقة تختلف کثیرا عن بقیة الجبهات التی فتحتها، ووضعت واشنطن، بسبب ذلک، فی مأزق هی فی غنى عنه.

فترکیا عضوه فی حلف شمال الأطلسی، ولدیها مقدرة عسکریة تستطیع أن تواجه إسرائیل عند الضرورة. ویبدو أن هذا هو السبب الذی دفع وسائل الإعلام الإسرائیلیة التی قیمت زیارة نتنیاهو للبیت الأبیض قبل وصوله إلى العاصمة الأمریکیة، أن تعتم کلیا على البُعد الترکی، ولم تقترح أن یثیر نتنیاهو هذا الموضوع مع أوباما. والسؤال هل أثاره أوباما؟

سیکون من الخطأ أن یتنازل الرئیس الأمریکی باراک أوباما لإسرائیل فی ما یتعلق بترسانتها النوویة إذا أراد أن یتقدم بمسیرته الشرق أوسطیة، رغم التعهد الذی قدمه الرئیس نیکسون. فعام 2010 یختلف بکل المفاهیم عن عام 1963. والمسیرة، وشعوب المنطقة لها تطلعات أخرى بغض النظر عن مواقف قادتها. فبناء علاقات مع هذه الشعوب یجب أن تکون على أساس الإحترام المتبادل، وعلى أساس الأمن والحریة لها.

ن/25

 

 


| رمز الموضوع: 141395