مهزلة یُضْرَب بها المثل!
جواد البشیتی
إلى الرئیس أوباما یعود الفضل فی جَعْل ما یسمَّى "مفاوضات السلام" بین إسرائیل والفلسطینیین مهزلة یُضْرَب بها المثل، فهذا المزیج من السخریة والاحتقار لم نرَ له مثیلاً من قبل، أی فی 16 سنة من التفاوض بین الطرفین.
أهو الخضوغ والاستخذاء لضغوط حکومة نتنیاهو ومؤیِّدی إسرائیل فی داخل الولایات المتحدة، وفی الکونغرس على وجه الخصوص، أم الاحتیاج إلى ما یشبه "التجارة السیاسیة" مع حکومة نتنیاهو، هو ما حَمَل، ویَحْمِل، إدارة الرئیس أوباما على جَعْل "وساطتها"، أی وساطة میتشل، عملاً تُظْهِر من خلاله، وتؤکِّد، إنحیازها الأعمى إلى الجانب الإسرائیلی؟!
الرئیس أوباما استهل عهده "عهد التغییر" بکلام سیاسی "فلسطینی" جیِّد نسبیاً، أی نسبةً إلى عهد سلفه الجمهوری الرئیس بوش؛ أمَّا المعنى الذی حَمَلَه کلامه ذاک فهو الإصرار على أن تُوْقِف حکومة نتنیاهو کل نشاط استیطانی فی الضفة الغربیة، وفی القدس الشرقیة أیضاً، قبل، ومن أجل، بدء، أو استئناف، "مفاوضات السلام "المباشِرة"" بینها وبین السلطة الفلسطینیة.
هذا الکلام ما أنْ سمعته حکومة نتنیاهو حتى تنصَّل منه صاحبه کتنصُّله من ذنب؛ ثمَّ اقترح الرئیس أوباما، وکأنَّه یحاول ستر عورته التی بانت، بدء مفاوضات "غیر مباشِرة" بین الطرفین، أی عبر وسیطه میتشل، الذی کان ینبغی له أن یتوفَّر على التقریب بین وجهات نظرهما ومواقفهما فی قضیتین اثنتین على وجه الخصوص هما "الحدود" و"الأمن"، فإذا نجح فی ذلک انتقل الطرفان إلى طاولة المفاوضات "المباشِرة".
وهذا الاقتراح، الذی قُبِل فلسطینیاً وعربیاً، قد عنى أنَّ إصرار حکومة نتنیاهو على عدم الوقف التام للنشاط الاستیطانی "وفی القدس الشرقیة على وجه الخصوص" هو ما شدَّد الحاجة "حاجة إدارة الرئیس أوباما المتنصِّلة من کلامها الإیجابی الأوَّلی" إلى بدء مفاوضات "غیر مباشِرة"، وأنَّ هذه المفاوضات یجب أن تتمخَّض عن "اتِّفاق" فی قضیتی "الحدود" و"الأمن"، وأنَّ الاتِّفاق على حل مشکلة الحدود یجب أن یأتی بما من شأنه أن ینهی النشاط الاستیطانی بصفة کونه سبباً للنزاع بین الطرفین.
هل نجحت المفاوضات "غیر المباشِرة" حتى یصبح ممکناً وجائزاً الانتقال الفوری والسریع منها إلى المفاوضات "المباشِرة"؟
کلاَّ لم تنجح؛ ولقد فشلت فشلاً یُسوِّغ إنهاء کل تفاوض مع إسرائیل، فإنَّ مقیاس نجاحها من عدمه هو الاتِّفاق على حل مشکلة الحدود "والمشکلات المتفرِّعة منها کمشکلة تبادل الأراضی" بما یجعل النشاط الاستیطانی نشاطاً غیر مُضرٍّ بالمفاوضات "المباشِرة"، أو الاتِّفاق على أن یکون الوقف التام للنشاط الاستیطانی "وفی القدس الشرقیة على وجه الخصوص" هو المناخ الذی فیه تبدأ وتستمر المفاوضات "المباشِرة".
ومع تأکُّد وثبوت فشل المفاوضات "غیر المباشِرة"، بهذا المعنى المزدوج للفشل، والذی هو النجاح بعینه لحکومة نتنیاهو، زار نتنیاهو الرئیس أوباما فی البیت الأبیض، فما کان من هذا الرئیس، الذی على یدیه تحوَّلت السیاسة إلى مهزلة، الى أن "خََضَع" "وباع" مرَّة ثانیةً، فزعمت إدارته أنَّ "تقدُّما" قد أُحْرِز، وأنَّ هذا "التقدُّم" یکفی للانتقال فوراً إلى المفاوضات "المباشِرة"؛ فما هو هذا "التقدُّم" الذی أُحْرِز، أو سیُحْرَز عمَّا قریب؟
جوهر هذا "التقدُّم"، أی هذا التراجع الذی سیُسمُّونه "تقدُّماً"، هو أنْ یُوْقِف الجیش الإسرائیلی کل "نشاط" له فی مدن رام الله وطولکرم وأریحا وبیت لحم وسلفیت، وأنْ یُسْمَح لقوى الأمن الفلسطینیة بالعمل فی تلک المدن 24 ساعة فی الیوم، وسبعة أیام فی الأسبوع، وأنْ تُزال بعض الحواجز، وأنْ یُمْنَح الفلسطینیون مساحة من الأرض تکفی لشقِّ طریق إلى مدینة "روابی" المُزْمَع إقامتها شمال رام الله.
إنَّها المهزلة فی مسارها الصاعد، فتعذُّر المفاوضات "المباشِرة"؛ لإصرار حکومة نتنیاهو على عدم الوقف التام للنشاط الاستیطانی، ولإصرار الفلسطینیین على وقفه، شدَّد الحاجة إلى المفاوضات "غیر المباشِرة"، فلمَّا تأکَّد وثَبُت تعذُّر أنْ تنتهی هذه المفاوضات إلى اتِّفاق "أوَّلی أو مبدئی" على حل مشکلتی "الحدود" و"الأمن" اکتشفت إدارة الرئیس أوباما "بالتعاون مع حکومة نتنیاهو، وآخرین" أهمیة وضرورة الانتقال الفوری إلى المفاوضات "المباشِرة"، التی ستبدأ من الصفر، أو من تحت الصفر، لتنتهی بعد سنة من بدئها، وعلى ما وعد نتنیاهو، إلى "اتِّفاق"، إنْ نُفِّذ "على افتراض أنَّ الطرفین سیتوصَّلان إلیه بعد سنة من بدء هذه المفاوضات" فإنَّ تنفیذه سیستغرق زمناً یُقاس بالسنین.
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS