هکذا یسدِّد الفلسطینیون فاتورة أوباما الانتخابیة
تَعَالتْ صیحاتُ الضحک فی القاعة الکبیرة التی تتوسط الکنیس الذی یجاور منزل الحاخام عفودیا یوسیف الزعیم الروحی لحرکة "شاس" الدینیة الیهودیة، عندما تعرَّض الحاخام فی موعظته الأسبوعیة للموقف الأمریکی المتحفِّظ على البناء فی المشاریع الاستیطانیة فی القدس الشرقیة، وما أثار استحسان الحضور هو قول یوسیف: "وهل لم یبق إلا العبید حتى یتحکموا فینا؟!" فی إشارة إلى الرئیس الأمریکی باراک أوباما وأصوله الإفریقیة.
تلک الملاحظات العنصریة بثَّتْها الفضائیة التابعة لحرکة "شاس" والتی تتخصَّص فی نقل "خُطبه" و"مواعظه" الدینیة لقطاعات من أتباعه ومؤیدیه الیهود فی جمیع أرجاء العالم، قبل المقابلة التی أجرتها القناة الثانیة فی التلیفزیون الإسرائیلی مع الرئیس باراک أوباما الذی حاول خلالَها التقرُّب من الجمهور الإسرائیلی وطمأنتِه بأنه "یُکِنُّ محبة کبیرة لإسرائیل" ومن أجل تحقیق هذا الهدف قال أوباما: "إننی أعرف أن اسم والدی یزعجکم"، ولم یتجرأْ أحدٌ من المسئولین الإسرائیلیین على انتقاد یوسیف، علاوةً على أن السفارة الأمریکیة فی تل أبیب لم تجدْ فی کلامه ما یستدعی الاحتجاج، لا سیما أنه یعتبر المرجعیة الأولى لحرکة تشارک فی الحکومة الإسرائیلیة وتحتفظ بأربعة وزارات هامة، لیس هذا فحسب، بل إن الأمریکیین أبلغوا الزعیم السیاسی لحرکة شاس ووزیر الداخلیة فی حکومة نتنیاهو الحاخام إیلی یشای -صاحب الموقف المتشدد الرافض للاستجابة لمطالب واشنطن بشأن الاستیطان فی القدس- بأنهم معنیُّون بزیارته لواشنطن للالتقاء بأوباما.
کل هذه التطورات جاءتْ على خلفیة الزیارة التی قام بها نتنیاهو لواشنطن، والتی مثَّلت بالنسبة لکثیرین نقطة تحوُّل فارقة فی العلاقة بین حکومة نتنیاهو وإدارة أوباما، فلا خلاف بین المعلِّقِین الإسرائیلیین على أن الثناء الذی أغدقه أوباما على نتنیاهو الذی تمرَّدَ علیه وتحدَّاه وتعمَّد رفض مطالبه بشکل استعراضی یعبِّر بشکل صریح عن التحوُّل فی موقف أوباما من نتنیاهو، کما یقول الصحفی الإسرائیلی ألوف بن، فقد نجحت استراتیجیة نتنیاهو فی اللعب على عنصر الوقت فی حسم المواجهة مع أوباما لصالحِه، حیث کان نتنیاهو دائمًا یُطمئِن مقربیه بأنه من الأجدر إطالة أَمَد المواجهة بینه وبین أوباما حتى یقترب موعد إجراء انتخابات مجلسی الشیوخ والنواب المقرَّر إجراؤها فی تشرین ثانی القادم، عندها سیضطرُّ أوباما مُرغمًا لتغییر سلوکه تجاه إسرائیل بشکلٍ کامل، وسیجدُ نفسه مُرغمًا على التعبیر عن مواقف أکثر توافقیة مع إسرائیل، دون أن تضطرَّ حکومتها لإجراء أی تعدیل على سیاستها، لا سیما فیما یتعلق بالصراع مع الفلسطینیین.
وفی إسرائیل یُشیرون بشکل خاص إلى الضغوط التی تعرَّض لها أوباما من عدد من النواب الدیمقراطیین فی مجلسی الشیوخ والنُّوَّاب الذین طالبوه بألا یظهر خلافه مع نتنیاهو على السطح، حتى لا یتعرض الدیمقراطیون لهزیمةٍ ساحِقة فی الانتخابات، وفی الوقت الذی تکادُ تُجمع فیه معظم النُّخَب السیاسیة والإعلامیة فی إسرائیل على أن آخر ما یعنی نتنیاهو هو الشروع فی عملیة تسویة سیاسیة حقیقیة تفضی إلى حلّ الصراع، فإن أوباما أکَّد بأنه یؤمِن بأن نتنیاهو "یرید السلام ومستعِدّ لتحمل مخاطر من أجل تحقیقه" وکما یقول الصحفی بن بأن أوباما بات یدرِکُ أنه بمثل هذا الخطاب بإمکانه أن یقنع الناخبین والمتبرِّعِین الیهود قبل انتخابات الکونجرس أن بإمکانهم الاعتماد علیه، وأنه علیهم ألا یشکُّوا فی تأییده لإسرائیل ولرئیس وزرائِها.
وقد منح أوباما تأییدًا غیر متحفظ لآلیة عمل نتنیاهو المضلِّلة فی مجال التفاوض مع السلطة الفلسطینیة، فهو مثل نتنیاهو شدَّد على أهمیة الجوانب الإجرائیة فی المفاوضات، فی حین تجاهل الترکیز على الجوهر، وفی المؤتمر الصحفی الذی عقده مع أوباما کرَّر نتنیاهو مواقف لا تعکس توجهًا حقیقیًّا نحو التسویة، فقد حذَّر من مغبَّة الانسحاب من الأراضی المحتلة التی زعم أنها ستتحول إلى "مراکز وقواعد للإرهاب"، ودعا إلى تغییر مناهج التعلیم الفلسطینیة، ووجَّه نتنیاهو أمام أوباما صفعةً مدویة لرئیس حکومة رام الله سلام فیاض عندما أعلن أنه یُعارض نقل أراضٍ فی الضفة الغربیة لسیطرة السلطة الفلسطینیة حتى لا یتمَّ السماح ببناء مدینة "روابی" التی وضعت حکومة فیاض المخطَّطَات لبنائها بالقرب من مدینة رام الله، والتی یعتبرها مبعوث اللجنة الرباعیة تونی بلیر أهم مشروع اقتصادی ذی أبعاد سیاسیة یدشّن منذ تشکیل السلطة الفلسطینیة، فقد اشتکى المستوطنون بأن تشیید "روابی" یمسّ بجوْدَة حیاتهم، مما دفع نتنیاهو لرفض الفکرة.
لم تقتصر المکافآتُ التی حصل نتنیاهو علیها من أوباما على تغطیة مواقفه السیاسیة، بل اتفق الاثنان أیضًا على أن تعملَ الإدارة الأمریکیة بشکلٍ مکثَّف من أجل ضمان تحریر الجندی الإسرائیلی المختطَف لدى حرکة حماس جلعاد شالیط.
فی نفس الوقت قدَّم أوباما لنتنیاهو ما لم یقدمْه أی رئیس أمریکی فی الماضی، حیث تعهَّد أوباما بالتعاون النووی مع إسرائیل فی المجال النووی السلمی، على الرغم من تمسُّک إسرائیل بسیاسة الغموض النووی.
قصارى القول الحماس الأمریکی لاستئناف المفاوضات المباشرة بین إسرائیل والسلطة لا یعدو کونه محاولةً أمریکیة لحصر هذه المفاوضات فی الجانب الإجرائی دون المخاطرة باتخاذ أی موقف یهدِّد فرص الدیمقراطیین فی انتخابات مجلسی الکونجرس، وهکذا فإنه یتوجَّب على عباس وسلطتِه الانتظار.
صالح النعامی
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS