الاربعاء 16 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

الوجه السیاسی لحروب أمریکا فی الشرق الأوسط

الوجه السیاسی لحروب أمریکا فی الشرق الأوسط

 

صبحی غندور

 

18 شهراً مرّت حتى الآن على وجود إدارة الرئیس باراک أوباما فی "البیت الأبیض" دون أن یظهر بعد أیّ تحوّل مهم فی مجرى السیاسة الأمریکیة فی منطقة الشرق الأوسط. فالحرب على أفغانستان فی نهایة العام 2001 ثمّ الحرب على العراق فی مطلع العام 2003، وما رافق هاتین الحربین من انتشار عسکری أمریکی فی محیط دول الشرق الأوسط، وإقامة قواعد فی بعضها، کانت وما تزال أعمالاً عسکریة من أجل خدمة رؤیة سیاسیة لها مضامین أمنیة واقتصادیة.

ولقد سعت إدارة بوش فی عهدها الثانی لتوظیف سیاسی وأمنی واقتصادی لما قامت به الإدارة بعهدها الأوّل فی المجال العسکری، وما زال هذا التوظیف مستمرّاً على أراضی الشرق الأوسط فی العدید من بلدانه رغم تغیّر الإدارة فی واشنطن.

ولعلّ أبرز هذه المضامین، بالرؤیة الأمریکیة للشرق الأوسط منذ إدارة بوش، هو ضمان التحکّم مستقبلاً فی منابع النفط کأحد أهمّ مصادر الطاقة الدولیة لعقود عدیدة قادمة، خاصّةً وأنّ المنافسین الجدد للقطب الدولی الأعظم الآن یعتمدون فی نموّ اقتصادهم على نفط الشرق الأوسط.

ولأنّ الوجود العسکری الأمریکی لم یکن وحده کافیاً من أجل تحقیق الرؤیة الأمریکیة المستقبلیة للمنطقة، فإنّ عناصر سیاسیة ثلاثة عملت إدارة بوش على توفّرها بشکل متلازم مع الوجودین العسکری والأمنی:

1- تغییر الترکیبة السیاسیة القائمة فی بعض دول العالم الإسلامی لتصبح مبنیّةً على مزیج من آلیات دیمقراطیة وفیدرالیات إثنیة أو طائفیة. فالدیمقراطیة لو تحقّقت، دون الترکیبة الفیدرالیة "التی تکون حصیلة تعزیز المشاعر الانقسامیة فی المجتمع الواحد"، یمکن أن توجِد أنظمة وحکومات تختلف مع الإرادة أو الرؤیة الأمریکیة، کما جرى بین واشنطن وبعض بلدان أوروبا الغربیة، أو مع الحکومة الترکیة بشأن العراق وإیران والقضیة الفلسطینیة.

أیضاً، فإن إثارة الانقسامات الإثنیة أو الطائفیة، دون توافر سیاق دیمقراطی ضابط لها فی إطار من الصیغة الدستوریة الفیدرالیة، یمکن أن یجعلها سبب صراعٍ مستمر یمنع الاستقرار السیاسی والاقتصادی المنشود بالرؤیة الأمریکیة، ویجعل القوات الأمریکیة المتواجدة بالمنطقة عرضةً للخطر الأمنی المستمر فی ظلّ حروب أهلیة مفتوحة هی أیضاً لتدخّل وتأثیر من أطراف تناهض السیاسة الأمریکیة. إضافةً إلى أنّ الترکیبة الفیدرالیة القائمة على آلیات دیمقراطیة ستسمح للولایات المتحدة بالتدخّل الدائم مع القطاعات المختلفة فی داخل کلّ جزء من ناحیة، وبین الأجزاء المتّحدة فیدرالیاً من ناحیة أخرى.

2- الترکیز على هویّة "شرق أوسطیة" کإطار جامع لبلدان المنطقة، إذ أنّ العمل تحت مظلّة "الجامعة العربیة" أو "المؤتمر الإسلامی" یمکن أن یؤدّی مستقبلاً إلى ما لیس مرغوباً به أمریکیاً من نشوء تکتلات کبرى متجانسة ذات مضامین ثقافیة متباینة مع الرؤیة الأمریکیة، کما حدث ویحدث فی تجربة الاتحاد الأوروبی، رغم وجود القواعد العسکریة الأمریکیة فی أوروبا، ورغم وجود حلف الأطلسی والانتماء المشترک لحضارة غربیة واحدة.

لهذا یدخل العامل الإسرائیلی کعنصر مهم فی "الشرق الأوسط الکبیر" المنشود أمریکیاً، إذ بحضوره الفاعل، تغیب الهویّتان العربیة والإسلامیة عن أیِّ تکتّل إقلیمی محدود أو شامل.

3- العنصر الثالث المهم، فی الرؤیة الأمریکیة للشرق الأوسط، یقوم على ضرورة إنهاء الصراع العربی/ الإسرائیلی من خلال إعطاء الأولویة لتطبیع العلاقات العربیة مع إسرائیل، وقبل تحقیق التسویة الشاملة. وتجد الإدارة الأمریکیة أنّ تطبیع العلاقات العربیة الإسرائیلیة سیدفع الأطراف کلّها إلى التسویة والقبول بحدود دنیا من المطالب والشروط، کما أنّه سیسهّل إنهاء الصراعات المسلّحة حتّى من غیر تسویات سیاسیة شاملة، وسیساعد على وقف أیّ أعمال مسلّحة فی المنطقة.

إذن، کخلاصة، فإنّ حروب واشنطن تحت إدارة بوش أرادت "دیمقراطیات سیاسیة" فی المنطقة لکن لیس إلى حدّ الاستقلال عن القرار الأمریکی. حروب شجّعت على صراعات سیاسیة محلیة قائمة على انقسامات إثنیة أو طائفیة، لکن لیس إلى حدّ الصراعات الأهلیة المفتوحة، کما جرى فی ضبط صراعات العراق ولبنان والسودان.

حروب رغبت بصیغٍ فیدرالیة جامعة لأجزاء فی کلّ وطن، لکن لیس إلى حدّ الانصهار الوطنی الکامل. حروب ترید إنهاء الصراع العربی/ الإسرائیلی، لکن لیس بالإعتماد على الحق والعدل بل على ما تحدّده المصالح الأمریکیة/ الإسرائیلیة المشترکة. حروب ترید ترسیخ التواجد العسکری والأمنی فی بلدان المنطقة، ولکن لیس إلى حدّ التورّط بأوضاع حروب داخلیة استنزافیة أو الاضطرار لإبقاء قوات کبیرة العدد إلى أمد مفتوح.

ولعلّ خلاصات هذه الرؤیة تفسّر المواقف الأمریکیة الآن من عدّة حکومات وقضایا عربیة. فالعراق والسودان مثلاً یسیران على النموذج الدیمقراطی/ الفیدرالی المرغوب فیه أمریکیاً. أمّا فلسطین ولبنان، فقد حدثت فیهما تطوّرات أرادت إدارة بوش أن تدفع من خلالها باتجاه تحقیق العناصر الکامنة فی الرؤیة الأمریکیة السابق ذکرها، لکن الأهداف لم تتحقّق بسبب صمود حالة المقاومة فی المکانین .

ولم یکن ممکناً طبعاً فصل ملف الأزمة الأمریکیة مع إیران عن ملفات "مثلّث الأزمات" فی المنطقة: العراق، لبنان، وفلسطین. فإیران معنیّة بشکل مباشر أو غیر مباشر فی تداعیات أی صراع حدث أو قد یحدث فی هذه الأزمات العربیة المفتوحة.

ومن رحم هذه الأزمات على أراضی العراق ولبنان وفلسطین توالدت أزمات سیاسیة وأمنیة عدیدة أبرزها کان مخاطر الصراعات الطائفیة والمذهبیة والإثنیة، إضافةً إلى الصراعات السیاسیة والتنافس على السلطة والحکم، بل وعلى المعارضة أحیاناً.

ولعلَّ ما حدث ویحدث فی العراق وأفغانستان، وفی لبنان وفلسطین والسودان، إضافةً إلى التأزّم فی العلاقات مع إیران، أزمات ارتبطت کلّها بالسیاسة العنجهیة الخاطئة التی قادتها إدارة بوش منذ تسلّمها الحکم فی مطلع العام 2001، حیث أدرک العالم کلّه عدم صحّة التبریرات والأعذار التی أعطتها إدارة بوش لحربها على العراق، وبأنّ هذه الحرب کانت مقرّرةً قبل أحداث أیلول/ سبتمبر 2001، وقبل بروز ظاهرة الإرهاب باسم جماعاتٍ عربیة وإسلامیة.

ومع اقتراب ذکرى مرور عامین على انتخاب رئیس أمریکی جدید وعد بتصحیح مسارات عدیدة فی السیاسة الخارجیة، نجد أنّ مفاصل السیاسة الأمریکیة فی المنطقة العربیة تحدیداً وتجاه الصراع العربی/ الإسرائیلی ما زالت مشدودةً إلى رؤیة الإدارة السابقة ولم تحدث فکفکة لهذه السیاسة ولا تراجع فعلی حدث عن مضامینها.

لکن من "إیجابیات" سلبیات "النموذج العراقی" أنَّ الإدارة الأمریکیة اضطرّت إلى التراجع عن مقولة "النموذج الدیمقراطی العراقی" للمنطقة التی طرحتها إدارة بوش عقب غزو العراق مباشرة، ثمّ ألحقتها بشعار "الفوضى البنّاءة"، ثمّ بأطروحة "الشرق الأوسط الجدید". وکلّها سیاسات أمریکیة أثبتت التطوّرات فشلها حتى الآن.

والمحصّلة من ذلک کلّه، أنّ إدارة أوباما تمارس مراجعة عمیقة لهذه السیاسة على أعلى المستویات الأمنیة والعسکریة والسیاسیة فی واشنطن، ولکن من غیر تراجع واضح عن مضامینها. وخلال هذه الفترة الزمنیة من "المراجعة الأمریکیة"، فإنّ الصراعات مستمرّة فی "الشرق الأوسط" لکن بأسلوب "عضّ الأصابع"، لا قطع الرؤوس أو کسر الرقاب.

ن/25


| رمز الموضوع: 141410







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)