qodsna.ir qodsna.ir

فی الطریق من العربیة إلى الرباعیة الدولیة!

 

فی الطریق من العربیة إلى الرباعیة الدولیة!

 

جواد البشیتی

 

الاحتمال المرجَّح على غیره حتى الآن هو أنْ تبدأ، عمَّا قریب، المفاوضات المباشِرة، وأنْ تُصْدِر اللجنة الرباعیة الدولیة بیاناً یفی بالغرض، وهو تمکین الطرفین الإسرائیلی والفلسطینی من أنْ یُعْلنا موافقتهما على بدئها؛ فإذا بدأت فسوف نرى، عندئذٍ، أنَّ نتنیاهو لن یجد صعوبة تُذْکَر فی إقناع حتى قسم کبیر من خصومه من الإسرائیلیین بأنَّه قد خرج منتصِراً من معرکة "الشروط والشروط المضادة"، وبأنَّ هذه المفاوضات ما کان لها أنْ تبدأ لو لم یُلبِّ الفلسطینیون، عملیاً، ومن حیث الجوهر والأساس، شرطه لبدئها، ألا وهو "تخلِّی الفلسطینیین عن شروطهم ومطالبهم" للذهاب إلى المفاوضات المباشِرة، وفی مقدَّمها شرط، أو مطلب، "الوقف التام للنشاط الاستیطانی"، فهذا النشاط لن یتوقَّف فی أثناء التفاوض المباشِر، وإنْ نجحت إدارة الرئیس أوباما فی إقناع نتنیاهو بأنْ یستمر زمناً أطول فی "التجمید" الذی قرَّرته حکومته للنشاط الاستیطانی، والذی لیس فیه من "التجمید" إلاَّ ما یؤکِّد استمرار هذا النشاط، وفی القدس الشرقیة على وجه الخصوص.

"اللجنة الرباعیة الدولیة" لن تبخل على الفلسطینیین فی أنْ تُحدِّد فی بیانها "مرجعیة للمفاوضات" تَخُصُّ، فی المقام الأوَّل، حدود الدولة الفلسطینیة؛ ولکنَّها لن تُحدِّد هذه المرجعیة إلاَّ بما یسمح لنتنیاهو بأن یزعم، وبأنْ یکون صادقاً فی زعمه، أنَّ الحل النهائی لمشکلة "الحدود" سیضمن لإسرائیل أنْ تَضُمَّ إلیها الجزء الأکبر من الأراضی الفلسطینیة التی ترید ضمَّها؛ ولن تبخل علیهم أیضاً فی تعیین "جدول أعمال" لهذه المفاوضات، یشتمل على "قضایا الوضع النهائی"، وفی تعیین سقف زمنی لهذه المفاوضات "قد یکون 24 شهراً".

بیان "اللجنة" لن یعطی الفلسطینیین ما یمکن أن یتسبَّب بمنع نتنیاهو من الذهاب إلى المفاوضات المباشِرة، أو بانهیار ائتلافه الحاکم "أو انهیاره على النحو الذی لا یرید" إذا ما باشر التفاوض، واستمر فیه؛ فهذا هو المبدأ الذی بما یوافقه سیکون البیان، شکلا ومحتوى.

وتوصّلاً إلى اجتذاب الفلسطینیین إلى المفاوضات المباشِرة، شرعوا یبثُّون وهمین، الأوَّل هو أنَّ نتنیاهو قد أسَرَّ إلى الرئیس أوباما أنَّه سیعطی الفلسطینیین من خلال المفاوضات المباشِرة أکثر کثیراً ممَّا یتحدَّث عنه فی العلن الآن، والثانی هو أنَّ التفاوض المباشِر، ولیس التفاوض غیر المباشِر، هو وحده الطریق إلى السلام؛ وخیر دلیل على ذلک، على ما یزعمون، هو معاهدة وادی عربة بین الأردن وإسرائیل.

الوهم الأوَّل هو وهم قدیم، یعمدون إلى تجدیده إذا قضت مصلحتهم بذلک؛ وإذا قضت مصلحة المفاوِض الفلسطینی بأن یُظْهِره على أنَّه أقرب إلى الحقیقة منه إلى الوهم؛ وها هم الآن، فی تجدیدهم له، یقولون للمفاوِض الفلسطینی "قَدِّم مزیداً من التنازل، وبما یکفی لجعل نتنیاهو قادراً على الدخول معک فی مفاوضات مباشرِة، وعلى الحفاظ على ائتلافه الحاکم فی الوقت نفسه؛ ولسوف تحصل فی نهایتها على أکثر بکثیر ممَّا یَعِدُکَ به نتنیاهو فی مواقفه المُعْلَنة".

أمَّا الوهم الثانی فلیس من نوع الأوهام القابلة للعیش زمناً طویلاً؛ لأنَّ فی متناول أبصارنا وبصائرنا من الحقائق ما یسمح بدحضه سریعأ وفی یسر وسهولة؛ فالتوصُّل إلى معاهدة وادی عربة عبر المفاوضات المباشِرة إنَّما هو الاستثناء الذی یؤکِّد القاعدة؛ ولقد أقام تاریخ التفاوض السیاسی بین العرب وإسرائیل الدلیل على أنَّ المفاوضات غیر المباشِرة هی التی یعود إلیها الفضل الأوَّل والأکبر فی تحقیق ما تحقَّق حتى الآن من حلول وتسویات، فی مقدَّمها حل وتسویة النزاع بین مصر وإسرائیل.

ولا شکَّ فی أنَّ حاجة الولایات المتحدة إلى اکتساب النفوذ فی مصر، فی عهد السادات، من خلال استثمارها للاحتلال الإسرائیلی لشبه جزیرة سیناء، هی ما یفسِّر الأهمیة التی حظیت بها المفاوضات غیر المباشِرة بین مصر وإسرائیل، فإنَّ وساطتها لحل النزاع بین الطرفین کانت الوسیلة الفضلى لاکتسابها النفوذ فی مصر.

ولا شکَّ، أیضاً، فی أنَّ القضایا التی کانت مدار التفاوض المباشِر بین الأردن وإسرائیل لیست بأهمیة وخطورة قضایا الوضع النهائی التی تَفَاوَض الإسرائیلیون والفلسطینیون زمناً طویلاً من أجل التوصُّل إلى حلول نهائیة لها؛ ولو کانت استعادة الضفة الغربیة کاملة، والقدس الشرقیة، هی مدار التفاوض بین الأردن وإسرائیل لَمَا أصبحت معاهدة وادی عربة حقیقة واقعة، فالمطالب العربیة کلَّما صَغُرت وتضاءلت أصبح ممکناً أکثر أنْ تُلبَّى إسرائیلیاً عبر التفاوض المباشِر.

والیوم، یکفی أنْ یقبل المفاوض الفلسطینی حلاًّ نهائیاً لا یختلف من حیث الجوهر والأساس عن الحل الذی تقترحه وتریده وتسعى إلیه إسرائیل حتى تصبح المفاوضات المباشِرة أقصر وأسرع طریق إلى توقیع معاهدة سلام بین الطرفین.

وأحسب أنَّ هذا الاستعصاء التفاوضی بین إسرائیل والفلسطینیین هو ما شدَّد الحاجة لدى الإسرائیلیین، ولدى کل المعنیین بتسویة نهائیة تُلبَّى فیها، فی المقام الأوَّل، الشروط والمطالب الإسرائیلیة، إلى السماح لمنظمة التحریر الفلسطینیة بالانتقال إلى بعضٍ من الأراضی الفلسطینیة المحتلة، وبتأسیس "سلطة فلسطینیة" هناک، أی حیث یسهل التأثیر بها بما یجعلها تَفْقِد کثیراً من قدرتها على مقاوَمة تلک الشروط والمطالب، وکأنَّ إنهاء الاحتلال الإسرائیلی بما یعود بالنفع على إسرائیل أوَّلاً یَسْتَلْزِم إخضاع "القیادة الفلسطینیة الشرعیة" لنوعٍ من الاحتلال الإسرائیلی!

وکان یکفی أنْ تَقْبَل تلک القیادة، أو أنْ تُرْغَم على قبول، تمویلاً للسلطة المُسْتَحْدَثة، لا یأتی کله، أو جُلُّه على الأقل، من مصادر فلسطینیة، أو من مصادِر "فلسطینیة- عربیة موثوقة"، حتى یعطى هذا التمویل ما نراه الآن، على وجه الخصوص، من الثمار السیاسیة "والإستراتیجیة" المُرَّة المذاق فلسطینیاً.

وکان یکفی أنْ یُرکَّز الوجود السیاسی والمالی والبشری لمنظمة التحریر الفلسطینیة، ولحرکة "فتح"، حیث تعمل "السلطة الفلسطینیة"، وأنْ تُلْحَق "المنظمة" و"الحرکة" بـ"السلطة"، حتى تَعْظُم الکارثة المُحْدِقة بالشعب الفلسطینی وقضیته وحقوقه القومیة.

ن/25

 

 

 

 

 


| رمز الموضوع: 141418