الاربعاء 16 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

الحرب على الارهاب فی خدمة النخب العربیة الحاکمة

الحرب على الارهاب فی خدمة النخب العربیة الحاکمة

غسان المفلح

 

منذ بدایة التاریخ المعاصر ونحن نجمع على أن الغرب قوة، والغرب تفضیل حضاری، الغرب یرید تفکیک بلداننا! والغرب مصالح یراد لها أن تتحقق بمعزل عن أی بعد حقوقی أو أخلاقی 'إنها الرأسمالیة' هذا المنطق مر بعدة مراحل تبعا للناطقین فیه، لکنه مع ذلک لم یتغیر، 'وما زاد فی الطنبور نغما' انه بعد نهایة الحرب الباردة وسقوط المعسکر الشرقی انضمت نخب الحکم فی العالم الشرق أوسطی والعربی من ضمنه، لتبنی مجمل هذا الخطاب، ماعدا إسرائیل لأنها تعتبر نفسها جزءا من الغرب هذا. وسنتعرض للنخب العربیة فقط، ونترک باکستان وترکیا، لطبیعة العلاقات التاریخیة الخاصة التی تربط هذین البلدین فی حرکیة الغرب الدولیة والإقلیمیة. الغرب اتسع لدرجة بات من الصعب علینا البقاء فی جغرافیته الأولى، التی هی أوروبا الغربیة والولایات المتحدة الأمریکیة وکندا وأسترالیا.. الغرب أصبح الآن کل أوروبا، ومعها الیابان وکوریا الجنوبیة وبقیة النمور السبعة وروسیا، وانضمت للغرب- بوصفه نموذجا وعلاقات وبنى وتراتبیات- دول عالم ثالثیة کثیرة، عبر مؤسسات دولیة وإقلیمیة، فی أمریکا اللاتینیة وآسیا وأفریقیا، علاقات هذا الغرب کانت ولازالت کونیة، ولکنها کانت تتمدد عبر محوریة الغرب الأولی الفتی الاستعماری.. ومع ذلک نحن نمشی فی اتجاه معاکس، ففی السابق کانت غالبیة النخب القومیة العربیة والیساریة العربیة تتبنى هذا الخطاب 'الغرب شر مطلق' - النخب الإسلامیة بقیت رجراجة لخمسة عقود حتى بدایة التسعینیات من القرن العشرین- الآن أضیفت إلیها النخب الإسلامیة المعارضة، وکذلک نخب السلطة العربیة، من یراقب الإعلام الحکومی العربی یجد کما هائلا من هذا الخطاب، مثال ذلک 'الإعلام المصری والسعودی والسوری یتقاطع بشکل قوی فی هذه النقطة، أما النخب السابقة المعارضة للغرب، لم تعد تتفارق فی خطابها عن نخب السلطة العربیة الحالیة فی عدائها للغرب'.

وإن ظهرت بعض النخب التی تؤید سیاسات الغرب أیا کانت لکنها بقیت نخبا ضعیفة الحضور فی الشارع العربی، وهنالک نخب تتعامل مع الغرب بوصفه علاقات قوة ومصالح ونموذجا إیجابیا فی نفس الوقت، من حیث هیاکل دوله ومجتمعاته، وهذه النخب ترید التعامل مع الغرب بنفس منطقه 'تبادل منافع ومصالح فی خدمة قضایاها'، ولکن هذه النخب لم تصمد أمام تبادل المصالح بین نخب الحکم العربیة وبین نخب الغرب المتوزعة على المشهد السیاسی فی الدول الغربیة.. لأن النخب الحاکمة لدیها ما تتبادل به مصلحیا مع الغرب، بینما النخب المعارضة تحت عنوان الدیمقراطیة، لیس لدیها ما تقدمه لهذا الغرب، والغرب لا یحتاج الى هذه النخب فی عملیاته التجسسیة على دولها، فالغرب یعرف أکثر من هذه النخب ما یوجد فی هذه الدول.

بالمقابل الغرب لیس کتلة مصمتة تقف کلها على رؤیة واحدة لمصالح واحدة وسرمدیة، فالغرب أیضا فیه مصالح متناقضة ومتنافسة، فطیلة ثلاثة عقود مثلا: کانت العلاقات الألمانیة- الإیرانیة مختلفة عن العلاقات الفرنسیة- الإیرانیة، لذلک تجد أن الفرنسیین کانوا ولازالوا أکثر تشددا مع الملف النووی الإیرانی من الألمان، کذلک الحال بالنسبة لترکیا، فموقف المانیا یختلف عن موقف فرنسا، وکذا غیر موقف أمریکا.

ثمة عامل نتناساه أحیانا، وهو التفریق النسبی بین مصالح الغرب ککتلة موحدة، ومصالح دوله کل على حدة، وهذه قضیة على غایة من الأهمیة، فلیست استراتیجیات الدول الغربیة تصاغ من قبل نخبة واحدة، أو مؤسسات موحدة، وإن کانت هذه المؤسسات موجودة کالاتحاد الأوروبی أو حلف الناتو، والآن قمة الثمانی الصناعیة، ومن ثم قمة العشرین التی بدأت تتحول إلى محطة دولیة. ما نود قوله ان المصالح الغربیة، وإن کانت کما حاولنا ان نعرض جانبا تحلیلیا أو تفسیریا لها، إلا أنها تتحکم فعلیا بمسیرة الدیمقراطیة فی المنطقة العربیة، تتحکم کطرف فی هذه القضیة، ویقابله فی ذلک تحکم النخب العربیة الحاکمة، ومدى قدرتها على مواجهة المسألة الدیمقراطیة، وإجبارها الغرب فی أحیان کثیرة على مراعاتها، حفاظا على مصالحه مع هذه النخب التی تتحکم بثروات البلاد العربیة ووضعها الجیوسیاسی، التی هی الهدف.

هذا الوجه من المسألة، لاعلاقة له بتقییمنا القیمی للسیاسة الغربیة فی المنطقة، بل له علاقة بموازین القوى على الأرض، وکیف تتواجه ویتم التخلص من تناقضاتها عبر تقاسم المصالح بین دول الغرب والنخب الحاکمة فی المنطقة العربیة.

ثمة مسألة اخرى یجب التوقف عندها، وهی ذیول ما یسمى فی العالم الآن الحرب على الإرهاب، وخاصة فی العقد الأخیر، فهذه السیاسة کانت بشکل أو بآخر فی خدمة النخب العربیة الحاکمة، او لنقل ان هذه السیاسة خدمت النخب العربیة الحاکمة، أکثر مما خدمت المعارضة الدیمقراطیة فی هذه البلدان، ربما من زاویة نادرا ما یجری الحدیث عنها، فسیاسة الحرب على الإرهاب التی أعقبت أحداث 11 ایلول/سبتمبر أمریکیا کانت ذات رؤوس متعددة، منها نشر الدیمقراطیة، ودعم مؤسسات المجتمع المدنی، بغض النظر عن جدیة هذه الرؤوس من عدمها، إلا أنها حرکت شیئا من المیاة الراکدة فی المسألة الدیمقراطیة، ولکن النقطة الأهم فی هذا الأمر، أنها جعلت کل النخب المعارضة الدیمقراطیة فی المنطقة العربیة، تتبنى ما سمی بـ'الانتقال السلمی نحو الدیمقراطیة'، هذا العنوان العریض کرس النخب العربیة الحاکمة بوصفها قوى سلمیة! إنهاء التفکیر وترکه یتحرک عبر مسربین أو عنوانین، الأول التغییر السلمی من الداخل، والثانی التغییر بمساعدة الخارج عسکریا وخلافه، وأضیف إلى ذلک ان الحرب على الإرهاب أسقطت من أجندتها موضوعة تشجیع الدیمقراطیة، وبذلک أحکمت النخب الغربیة الراهنة مع النخب العربیة الحاکمة الطوق حول التغییر الدیمقراطی فی دول المنطقة. بقی المفکرون العرب یتناولون سیاسة الحرب على الإرهاب من زاویة أنها کاذبة فی قضیة الدیمقراطیة، ولذلک رحبوا بأوباما وبسارکوزی وانفتاحهما على بعض نظم المنطقة، ثم أسقطت من جهة أخرى سیاسة التفکیر فی الغرب بالتدخل من أجل الدیمقراطیة، وبقیت سیاسة 'التغییر السلمی من الداخل' وأصبح العنف 'إرهابا' مهما کانت مسبباته وأهدافه السیاسیة، ومرفوضا جملة وتفصیلا.

وکی لا نفهم أننا ندعو للعنف، لکننا بالمقابل لا بد أن نقول ان الغرب أراد احتکار العنف بالعالم، کما تحتکره نخبنا الحاکمة داخل دولها فی المنطقة العربیة، واحتکار العنف عالمیا، مع کلبیة جدیدة تنتاب السیاسات الغربیة تجاه المنطقة، جعل الدیمقراطیة تخسر من جدید، ولو أن أرباحها فی المرحلة الماضیة کانت واضحة فی بعض بلدان منطقتنا کالمغرب ومصر، إلا أنها کانت فی الحقیقة أرباحا ارتبطت أیضا، بطبیعة النخب الحاکمة فی کل دولة على حدة، حتى یمکننا الحدیث عن اختلاف فی الطبیعة الشخصیة بین قائد فذ وملک مفدى، لعبت دورا فی خسارة أو ربح دیمقراطی فی العقدین الأخیرین.. فی مصر والمغرب الآن لا یمکن للنخب الحاکمة أن تتراجع عما حدث من تقدم على الصعید الدیمقراطی، ولکنها یمکن ان تکون أکثر تعنتا فی الاستمرار بالمسیرة الدیمقراطیة، لأن الفضاء الدولی بات یسمح لها بمثل هذا التعنت.

بقی هذا التحلیل ناقصا لعامـــل جوهری یحتاج إلى أن نفرد له مقالا خاصا، وهو العامل الإسرائیلی فی المنطقة، ودوره کمحظیة غربیة دائمة على طول الخط، والذی لا مصلحة له فی قیام دول دیمقراطیة فی المنطقة ککل.

الدیمقراطیة الشرق أوسطیة فی مأساة وستبقى حتى أمد یرتبط أیضا بتغـــیر فی السیاسات الغربیة، وهذا وجه المأساة الآخر..لأن التغییر السلمی یحتاج إلى خصم سلمی أو یحتاج إلى حواضن مؤسسیة مسموح بها، ولها أن تعمل من أجل الدیمقراطیة وبوسائل سلمیة.

ن/25

 

 

 


| رمز الموضوع: 141424







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)