دولة فلسطین 'القمعیة'
دولة فلسطین 'القمعیة'
اقدام قوات الامن الفلسطینیة على منع انعقاد ندوة ضد المفاوضات المباشرة، المزمع استئنافها فی واشنطن منتصف الاسبوع المقبل، امر مؤسف بکل المقاییس، خاصة ان الطریقة التی تم من خلالها هذا المنع تؤکد ان السلطة تتحول بشکل متسارع الى نظام قمعی دیکتاتوری یشبه الانظمة العربیة الاخرى، مع فارق بسیط واساسی ان الدولة الفلسطینیة لم تقم بعد، وان هذه السلطة ما زالت تحت الاحتلال الاسرائیلی، وتأتمر بأوامره.
قوات الامن الفلسطینیة، التی من المفترض ان تحافظ على الامن والنظام، تصرفت کمجموعة من البلطجیة، عندما اقتحمت مقر الندوة فی قاعة 'البروتستانت'، باعداد کبیرة، واعتدت على المشارکین، ومزقت اللافتات التی علقوها وتحمل عنوان الندوة، وهتفت بشکل مستفز بشعارات تؤید الرئیس محمود عباس.
الجهات التی دعت الى عقد هذه الندوة، وهی الجبهتان الشعبیة والدیمقراطیة لتحریر فلسطین، وحزب الشعب (الشیوعی سابقاً) تعتبر من أبرز الداعمین للسلطة، وللرئیس عباس نفسه، وتمسکت بعضویتها فی اللجنة التنفیذیة لمنظمة التحریر، وتحملت الکثیر من الانتقادات بسبب مواقفها هذه، ولیس من اللائق ان تکافأ على کل هذه المواقف الممتدة لأکثر من سبعة عشر عاماً، ای منذ توقیع اتفاق اوسلو، بمثل هذه البلطجة المهینة.
فاذا کان مؤیدو السلطة، والواقفون فی معسکرها، والموفرون لها الغطاء السیاسی یعاملون بمثل هذه المعاملة، ویتعرضون للضرب والاهانات، فکان الله فی عون المعارضین، وخاصة من الفصائل الاخرى غیر المنضویة تحت مظلة السلطة، ومنظمة التحریر مثل حرکتی 'حماس' و'الجهاد الاسلامی'.
منظمو هذه الندوة، او الداعون لعقدها ارادوا التعبیر عن حق مشروع فی ابداء رأیهم فی قرار اتخذته السلطة وقیادتها فی الذهاب الى مفاوضات مباشرة، من المفترض ان تدور حول تسویة قضایا الحل النهائی وترسم حدود الدولة الفلسطینیة المنتظرة، فهل الاعتداء على هؤلاء ومنعهم من التعبیر عن موقفهم هو مقدمة لفرض مثل هذه التسویة فی حال التوصل الیها بالحدید والنار، وبمبارکة امریکا واسرائیل والاتحاد الاوروبی، وهی أطراف تدعی الایمان بالدیمقراطیة والحریات المتفرعة عنها؟
لا نعرف کیف تقبل الولایات المتحدة زعیمة 'العالم الحر' ان یمثل الشعب الفلسطینی فی هذه المفاوضات رئیس لا یملک تفویضاً شرعیاً من هذا الشعب للتحدث باسمه، ویرسل قوات أمنه لمنع ندوة ینظمها حلفاؤه للتعبیر عن رأیهم فی هذه الخطوة بطریقة حضاریة ودیمقراطیة؟
الرئیس عباس قال انه سیفتح تحقیقاً فی هذه المسألة، وکأنه یحاول تبرئة نفسه من هذا العمل القمعی المخجل. ان اجراء تحقیق خطوة مهمة، ولکن متى کانت تحقیقات السلطة تتمخض عن نتائج حقیقیة، وحتى اذا توصلت الى مثل هذه النتائج، فمتى جرى تطبیق ای منها وتقدیم المتهمین المدانین الى العدالة؟
الرئیس عباس یتحمل مسؤولیة هذا التصرف الفاضح من قبل 'زعران' اجهزته الامنیة بالکامل، لأن هؤلاء کانوا یرفعون صوره ویهتفون باسمه، ویدینون بالولاء له ولسلطته والجنرالات الذین اصدر مراسیم تعیینهم فی مواقعهم.
الشعب الفلسطینی الذی تباهى دائماً بدیمقراطیته، دیمقراطیة غابة البنادق، حسبما کان یردد الزعیم الراحل یاسر عرفات، لا یستحق هذه المعاملة، واذا کانت الدولة الفلسطینیة التی ترید هذه السلطة الاتیان بها الى الشعب الفلسطینی من خلال المفاوضات الحالیة هذا هو عنوانها، ای القمع وتکمیم الافواه، ومصادرة الحریات، فان الشعب الفلسطینی، او غالبیته ربما یعید النظر فیها کلیاً. فأی دولة فلسطینیة تنشأ یجب ان تکون دیمقراطیة، دولة تحترم الحریات، وتطبق القانون، ولا نعتقد ان الحد الادنى من هذه المواصفات متوفر فی السلطة التی ترید اقامتها، والمقدمات الخاطئة تؤدی دائماً الى نتائج کارثیة.
( عن القدس العربی اللندنیة )
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS