إسرائیل تفاوض نفسها.. مع الفلسطینی!
إسرائیل تفاوض نفسها.. مع الفلسطینی!
فایز رشید
وفقاً لصحیفة "هآرتس" الإسرائیلیة فإنه وقبل سنتین أجرت جامعة تل أبیب بطولة دولیة فی کرة السلة بمشارکة 14 دولة، کان من بینها فریق فلسطینی من المناطق المحتلة. المخابرات الإسرائیلیة لم تسمح للاعبیْن اثنین أساسیین من الفریق الفلسطینی بالدخول إلى "إسرائیل"، الأمر الذی حدا بمدرب الفریق إلى الطلب بإلغاء المباراة، فما کان من مدرب فریق جامعة تل أبیب إلا الاقتراح بتعویض الفریق الفلسطینی بلاعبیْن إسرائیلیین، لبسا زی الفریق الخصم ولعبا معه ضد فریق الجامعة، وهو الذی سجّل انتصاراً فی نهایة المباراة.
الکاتب الإسرائیلی عکیفا الدار یرى المفاوضات المباشرة بین السلطة الفلسطینیة وإسرائیل، أشبه بتلک المباراة، فصحیح أن هذه المفاوضات تجری بشروط مسبقة، لکنها لیست الشروط التی طالب بها عباس، بل الشروط التی أملاها نتنیاهو، فرفض تجمید البناء فی شرقی القدس، شرط مسبق بالضبط مثل المطلب بتجمیده. ورفض استئناف المفاوضات من المکان الذی انتهت عنده الاتصالات بین عباس وأولمرت فی مؤتمر أنابولیس، هو شرط مسبق لا یقل عن مطلب استئنافها من نقطة الصفر.
الکاتب الإسرائیلی یلامس الحقیقة "للأسف"، فالمفاوضات المباشرة العتیدة ستجری وفقاً لوجهة النظر الإسرائیلیة التی هی بمثابة اشتراطات تملى على الفلسطینیین؛ اللجنة المرکزیة لحزب اللیکود التی اجتمعت فی بدایة الأسبوع الماضی، التقطت بذکاء هذه القضیة، وأصدرت بیاناً رکّزت فیه على موقف نتنیاهو من خلال القول بــ: "کم کان محقاً فی رفضه لمطلب الفلسطینیین وأوباما بوقف الاستیطان، فالمفاوضات المباشرة ستجری أخیراً فی ظل استمرارها".
من زاویة ثانیة، فإن "أبو" الدولة الإسرائیلیة ثیودور هرتزل، الذی حدد فی المؤتمر الصهیونی الذی عقد فی بازل عام 1897، تاریخ قیام إسرائیل، بالضبط، من خلال القول: بأنها سترى النور بعد 50 عاماً، وقد حدث ذلک بالفعل ولکن "مع تأخیر لبضعة شهور"؛ لو أن رئیس المؤتمر الصهیونی آنذاک حلم بأنه وبعد 62 عاماً من إنشائها ستجری إسرائیل مفاوضات مباشرة بینها وبین الفلسطینیین بشروط الأولى، وهی التی تتنکر لکل الحقوق الوطنیة الفلسطینیة، لما صدّق حُلْمَهُ، فما یجری هو خارج إطار المعقول والصواب.
لقد سعت إسرائیل ومنذ قیامها إلى الاعتراف العربی الرسمی بها. صحیح أن بعض الحکومات العربیة وعلى مدى الوجود الإسرائیلی فتحت قنوات اتصال مع العدو الصهیونی، من خلال لقاءات مباشرة بین الطرفین، لکن لم یکن من حضر هذه اللقاءات من العرب لیجرؤ على الإعلان عنها أمام الجماهیر العربیة فی مرحلة مدّها، لأن مثل هؤلاء آنذاک کان سقوطهم حتمیاً بفعل شعوبهم والإرادة القویة للأمة العربیة من المحیط إلى الخلیج. جاءت هزیمة حزیران عام 1967 لتؤکد فشل برامج الأنظمة العربیة فی تلک الفترة، ووصلت المقاومة الفلسطینیة إلى أوجها.
أحداث کثیرة مرت بعد ذلک، لعل من أبرزها: حرب تشرین التی أرادها السادات تحریکیة ولیست حرباً تحریریة وما تلاها من اتصالات مع إسرائیل، بدء التراجع الفلسطینی من خلال برنامج النقاط العشر والحل المرحلی عام 1974، الاختراق للثوابت من خلال اتفاقیة کامب دیفید، زیارة السادات إلى القدس، العدوان على لبنان عام 1982، اتفاقیة أوسلو وإنشاء السلطة الفلسطینیة، اتفاقیة وادی عربة... ثم أخذ الرسم البیانی اتجاها مستمراً فی الانحدار لیصبح التفاوض مع إسرائیل یبدو وکأنه مسألة طبیعیة.
إن شروط العدو متصاعدة فی وتیرتها؛ فها هو رئیس الوزراء الصهیونی وعلى الطریقة الشایلوکیة یحدد شرطاً قدیماً/جدیداً على الفلسطینیین، وهو ضرورة اعترافهم بیهودیة دولة إسرائیل، والاشتراطات وفقاً للنهم الإسرائیلی لا تتوقف عند حدود معینة.
المفاوضات امتصاص للضغوطات الدولیة التی ارتفعت وتیرتها على إسرائیل فی ظل توقفها سابقاً، وهی "شیک على بیاض" فلسطینی لمسح الجرائم الإسرائیلیة، فلن تجرؤ محکمة بعد الآن فی مطلق دولة على المطالبة بتوقیف أحد القادة أو المسؤولین الإسرائیلیین المتهمین باقتراف جرائم حرب، وهی إضعاف للاتجاهات الأکادیمیة الدولیة التی اتخذت قرارات مقاطعة الجامعات الإسرائیلیة، وهی تهمیش لتقریر غولدستون وللجنة التحقیق الدولیة فی مجزرة السفینة مرمرة، وللتحقیقات الجاریة حول اغتیال المبحوح، وهی إضعاف لأصدقاء القضیة الفلسطینیة على الصعید الدولی.
ن/25