الاربعاء 16 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

صفقات التسلّح منزوعة المخالب: بأموالنا نقوّی أعداءنا

 

صفقات التسلّح منزوعة المخالب: بأموالنا نقوّی أعداءنا

 

لم یعد بوسع أحد من هذه الأمّة أن یصدّق أن صفقات الأسلحة التی تعقد بملایین الدولارات تضیف شیئا لمنعة دولنا وتقوی قدرتها على حمایة أرضها وتأمین إنسانها ضد أی عدوان خارجی، فعملیا لم تنجح الجیوش النظامیة العربیة فی صد العدوان على فلسطین ومواصلة عملیة الاستیلاء على أرضها والمستمرة إلى الیوم.

کما لم تحم الجیوش النظامیة العربیة لبنان ولم تمنع احتلال عاصمته ولا حمت العراق من الغزو الأطلسی الذی أسقط دولته ورهن أرضه وشعبه لحکم الدخلاء الأغراب.. کما أن الجیوش العربیة بکل ما تراکم لدیها من أسلحة بالملیارات لم تحم السلام فی دول مهددة بالتفکک مثل السودان والصومال.

وإذا کان من المستحیل منطقا وواقعا أن تمکّن الدول الغربیة وعلى رأسها الولایات المتحدة العرب من أی سلاح یخلّ بتوازن القوة الراجح لصالح إسرائیل، فإن الغایة من صفقات السلاح التی تتوالى الأخبار عن أرقامها "المفزعة" تصبح "تقویة" العرب ضد بعضهم بعضا وإطلاق سباق تسلح مجنون بین أقطاهم، وفی أدنى الحالات جعلهم جدار صدّ بوجه بعض القوى الإقلیمیة التی یراد تحجیم دورها والمقصود فی حالة دول الخلیج العربی إیران على وجه الدقة والتحدید.

إنّا لا ننکر على الدول العربیة حقها فی دعم وتطویر قوّاتها المسلحة التی هی جزء أساسی من هیبتها کدول، ولکن ما ننکره هو أن لا تخضع صفقات التسلح لأی منطق وأن تکون على حساب أولویات تنمویة ملحة وأن تخضع لاشتراطات تفرغها من فاعلیتها وتجعل الأسلحة التی تقتنى بمقتضاها أشبه بلعب أطفال.

والمثال الأحدث والأبلغ دلالة على ذلک قول المتحدث باسم السفارة الإسرائیلیة فی واشنطن یوناتان بیلد إن إسرائیل حصلت على تعهد أمریکی بالحفاظ على تفوّقها العسکری بعد إبرام صفقة الأسلحة الأمریکیة- السعودیة، وأن تل أبیب تجری حوارا مع واشنطن حول کافة صفقات الأسلحة مع دول فی الشرق الأوسط.

بل إن من التفاصیل ما یثیر الغضب حقا ومن ذلک کشف المحلل العسکری الإسرائیلی عاموس هارئیل عن وجود تفاهمات أمریکیة- إسرائیلیة فی الماضی بألا یضع السعودیون طائرات مقاتلة فی قاعدة تبوک بشمال السعودیة والقریبة نسبیا من مدینة إیلات فی خلیج العقبة مخافة أن یستخدم أحد الطیارین السعودیین إحدى الطائرات فی عملیة "انتحاریة" ضد أهداف إسرائیلیة.. وفی هذا الشرط قدر کبیر من الصفاقة الإسرائیلیة، وفی حال قبوله من الطرف العربی یکون ذلک قمّة فی البلاهة.

إلى ذلک تقود الأرقام المتعلقة بصفقات التسلّح العربیة إلى مقارنات محیرة وحقائق صادمة، فإذا کانت المملکة العربیة السعودیة لا تستطیع أن تؤمّن بستین ملیار دولار "قیمة أحدث صفقة لها مع الولایات المتحدة" تقنیة عالیة فی مجال سلاح الطیران وبالکاد تحصل على طائرات منزوعة "المخالب التقنیة"، فإن إسرائیل ستؤمّن بحوالی ثلاثة ملیارات دولار فقط سربا من طائرات "أف-35" التی تعتبر قمة ما وصلت إلیه تکنولوجیا صناعة الطائرات الحربیة فی العالم!..

وإذا کان بعض الأثریاء العرب لا یعرفون ما یعنیه مبلغ الستین ملیار دولار لکثرة ما لدیهم من أموال ولسهولة طرق الحصول علیها، فإن الأمریکان ذاتهم أحسنوا "ترجمة" الرقم إلى معادله على أرض الواقع فوجدوه مساویا لـ77 ألف منصب عمل فی 44 ولایة أمریکیة، أما المعادل السیاسی فهو إنقاذ حکومة أوباما من أزمة خانقة قبیل انتخابات التجدید النصفی.

کذلک تصنع الأموال العربیة المعجزات خارج حدودها، وتعجز عن تغییر الواقع المریر لأبناء الأمة، فدولة مثل السعودیة یرتفع معدل البطالة فیها إلى حوالی 12 بالمئة متخطیا المعدل العالمی المقدر بحوالی 8 بالمئة، أما معدل الفقر فتحدده بعض الاحصائیات بـ22 بالمئة.

إن عقد المملکة العربیة السعودیة وغیرها من الدول العربیة صفقات التسلح بملیارات الدولارات هو فی أذهان بعض أصحاب القرار عمل دفاعی أمنی غایته حمایة الکیان من التهدیدات وبسط السلم والأمن. ولکن ما یعزب عن أذهان هؤلاء أن إطلاق التنمیة الشاملة على أسس سلیمة وبأهداف محددة ومقاومة الفقر والبطالة عمل فی صمیم الأمن وحفظ الکیان قبل التسلح فی حد ذاته، بل هو فی حالة الدول العربیة الممنوعة من اقتناء أحدث التکنولوجیات العسکریة أهم منه وأجدى، فالأمی والجائع والبطال یعجز عن إنجاز عمل حضاری نوعی من جنس الدفاع عن الأوطان وصون کرامتها لأنه ببساطة عاجز عن إدراک کنه تلک القیم السامیة وحتى عن التعاطی مع النظم والتقنیات المتطورة إن سمح بوصولها إلى یدیه.

إنّا نعلم یقینا أن الکثیر مما یعقده العرب من صفقات تسلّح بأرقام خیالیة یکون بدفع من لوبیات العمولات التی لا یعنی سماسرتها سوى ما یدخل إلى حساباتهم بالخارج من أموال طائلة هی فی النهایة رشى لقاء إقناعهم أصحاب القرار بـ"جدوى" الصفقات التی لا تعدو فی الأخیر أن تکون "مساعدات" عربیة سخیة لأعداء الأمّة لیزدادوا قوة وتغطرسا واعتداء على أرضها وأبنائها ومقدساتها.

وإذا کنا نعلم ما بین الولایات المتحدة واسرائیل من متانة فی العلاقات وترابط لا ینفصل فی المصالح.. وإذا کنا نعلم أن واشنطن هی المزود الرئیس لإسرائیل بالأسلحة التی تستعملها فی فلسطین ولبنان، ما یعنی أن الکیان العبری هو المستفید الأول من صناعة السلاح الأمریکیة.. وإذا کنا نستطیع أن نقدّر المتنفس المالی الکبیر الذی تجده تلک الصناعة فی الأسواق العربیة، فإنّا بکل ذلک سنتوصل بعملیة منطقیة فی غایة البساطة إلى أن العرب یساعدون إسرائیل بأموالهم على اغتصاب أراضیهم وتقتیل أبنائهم واستباحة مقدساتهم، هذا إذا تجاوزنا اعتبار الولایات المتحدة فی حد ذاتها عدوا یحتل أحد أهم الأقطار العربیة ما یعنی فی هذه الحالة أننا نمول الاحتلال المباشر لأراضینا.

( عن العرب اللندنیة )

ن/25

 

 


| رمز الموضوع: 141439







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)