استقبال نتنیاهو فی السعودیة مطلب أمریکی جدید..!!
استقبال نتنیاهو فی السعودیة مطلب أمریکی جدید..!!
زیاد ابوشاویش
دعا الکاتب الأمریکی الشهیر توماس فریدمان الملک عبد الله بن عبد العزیز لاستقبال رئیس الوزراء الإسرائیلی بنیامین نتنیاهو فی السعودیة لتسلیمه المبادرة العربیة یداً بید، مؤکداً لجلالته أن هکذا خطوة ستسهم إلى حد بعید فی إقناع الإسرائیلیین بأن العرب جادون فی السعی للسلام، کما أنها ستجعل من الصعب على نتنیاهو الاستمرار فی بناء المستوطنات.
جاء ذلک بتاریخ الثامن من أیلول الجاری فی مقال فریدمان بصحیفة "نیویورک تایمز" المعروفة بولائها للوبی الیهودی فی الولایات المتحدة الأمریکیة. جدیر ذکره أن هذا الکاتب معروف بیهودیته الصهیونیة وعلى علاقة مباشرة بصانعی القرار فی واشنطن.
الملک عبد الله بن عبد العزیز آل سعود کان قد استقبل فریدمان فی الریاض قبل ثمانیة أعوام وسلمه مبادرة السلام العربیة قبل أن تقرها قمة بیروت، وقیل حینها إن المبادرة صیغت أصلاً فی الولایات المتحدة الأمریکیة وعلى ید الکاتب نفسه الأمر الذی ثبت صحته لاحقاً.
الواضح أن هذه الدعوة جاءت بالتزامن وفی خدمة المفاوضات المباشرة بین الفلسطینیین والإسرائیلیین وتلعب على وتر حساس لدى الإدارة الأمریکیة التی یعتقد أنها لیست بعیدة عن خلفیتها أو أهدافها، کما أنه قام بصیاغة خطابه المذکور بطریقة تدل على جدیة الدعوة وموقعها فی العقل الأمریکی الذی یشرف ویدیر هذه المفاوضات التی وصفها أکثر من مسؤول وکاتب أمریکی بمن فیهم فریدمان نفسه بالفرصة الأخیرة للسلام بین الفلسطینیین والإسرائیلیین.
یقول توماس فریدمان فی مقاله بنیویورک تایمز: إن خطوة کهذه کفیلة بتبدید مخاوف الإسرائیلیین وستترک أثرها النفسی علیهم وتفک عزلتهم وتحشدهم وراء نتنیاهو الذی سیرون أنه یستقبل من قبل أهم زعیم دولة مسلمة فی قلب أهم دولة مسلمة.
یضیف الکاتب بأن السعودیین المعروفین بقدرتهم على نصح الآخرین یجب أن یدخلوا المیدان ویقدموا النصح للطرفین فی واشنطن، هذا إن أرادت السعودیة تحقیق حل الدولتین.
إن تعظیم وتفخیم الدور السعودی وتأثیره فی عملیة السلام بطریقة مدروسة وجذابة خلال المقال والترکیز على قدرة الملک وبلده على طمأنة الإسرائیلیین وتجنیبهم عقابیل صنع السلام مع العرب، بما فی ذلک بعض الحروب الأهلیة بینهم، یشیر إلى ضغوط ستمارس لاحقاً على المملکة بهذا الاتجاه، کما تدل على فهم أمریکی متقدم للعقلیة العربیة وطریقة تفکیر زعمائنا.
لا أعتقد أن اثنین یختلفان على هدف الدعوة ولمصلحة من تذاع وتنشر، کما أن توقیتها المتزامن مع عملیة المفاوضات المباشرة یبدو واضح الغایات والأهداف، وهناک من یتساءل بعد قراءة المقال هل ستقبل السعودیة وملکها الطلب الأمریکی الجدید أم لا؟
العربیة السعودیة لن تقبل مثل هذه الدعوة، والرفض لن یکون عملاً بطولیاً لکن الأجواء النفسیة والسیاسیة المراد خلقها عبر تلبیة السعودیة لهذا الطلب یمکن خلقها من خلال ترتیبات أخرى توافق علیها السعودیة، وهل کان أحد یتوقع أن تبادر السعودیة المعروفة بتحفظها على تبنی مبادرة سلام مثیرة للجدل وتدعو لسلام شامل مع إسرائیل قبل ثمانی سنوات، بل وتفرضها على کل الدول العربیة؟ بل أکثر من ذلک هل توقع أحد أن یقول الملک عبد الله ذات یوم لتسویق مبادرته: "التأکید للشعب الإسرائیلی أن العرب لا یرفضونهم ولا یکرهونهم".
إن دعوة عاهل المملکة العربیة السعودیة لاستقبال نتنیاهو على أرض المملکة یحمل الکثیر من المعانی والدلالات نلخصها فی التالی:
أولاً/ إن السیاسة الأمریکیة تجاه عملیة السلام لا زالت تعتمد فی نجاحها على تقدیم الجانب العربی للتنازلات على مختلف الصعد ومن کل العیارات وفی کل الاتجاهات.
ثانیاً/ إن السلام فی المنطقة غیر ممکن فی الفترة الراهنة طالما بقی میزان القوى على ما هو علیه واستمر تعطیل القدرات العربیة فی مواجهة الغطرسة الإسرائیلیة، وهذا یعرفه الأمریکیون ومن هنا جاءت الدعوة لخطوة دراماتیکیة أو لدراما مثیرة للتقدم فی عملیة السلام على حد تعبیر السید فریدمان نفسه فی المقال.
ثالثاً/ الاستخفاف الأمریکی بالعرب وبالذکاء العربی وقلة الاحترام لهم یبلغ ذروته هنا بدعوة تحمل هذا القدر من الاستفزاز لیس للمشاعر العربیة والإسلامیة بل وللکرامة أیضاً، فنتنیاهو وحکومته التی تضم أمثال لیبرمان یمثل أسوأ ما فی العقلیة العنصریة المتطرفة للیهود، کما أن الأعوام الثمانیة التی مضت على المبادرة العربیة کشفت حجم الاستخفاف الإسرائیلی بالأمة العربیة ومبادرتها للسلام الشامل والذی یعنی الاعتراف الکامل والتطبیع... الخ.
رابعاً/ المدقق فی مقال السید فریدمان یرى أن کل التوجهات الأمریکیة ودعواتها لخطوات عربیة تطبیعیة باتجاه الدولة العبریة ولتلیین الموقف الإسرائیلی الحکومی والشعبی تنطلق من خشیة على الکیان ومصیره ولیس من أجل صنع سلام حقیقی یأخذ فیه العرب والفلسطینیون حقوقهم کاملة وکما نصت علیها قرارات الأمم المتحدة والشرعیة الدولیة.
خامساً/ الدعوة تکشف کذلک هزالة الموقف العربی واهتزازه بعد الغطاء العربی الذی تم توفیره لمحادثات سلام فلسطینیة إسرائیلیة مباشرة لا مرجعیة لها وبدون وقف کامل وشامل للاستیطان.
سادساً/ إن سیاق الخطاب الذی وجهه فریدمان للملک عبد الله آل سعود عبر مقاله المذکور یدل على ثقته فی تقبل الملک للدعوة ولیس قبولها، وأنها لن تثیر غضبه رغم السم الذی یتقاطر من المقال بغزارة، وقد اعتبر الکثیرون ونحن منهم أن المقال والدعوة کمین خطیر للمملکة وعلیها أن تحسن الرد علیه بما یحفظ لها الکرامة ویعزز موقعها العربی ولیس العکس.
سابعاً/ إن ربط الدعوة بالمساعدة على وقف الاستیطان هو استغباء لابد أن یکون موضع نقد للمفاوض الفلسطینی الذی جعل من هذه اللعبة إطاراً أو فزاعة لتحقیق المطالب والشروط الإسرائیلیة، وجعل من مجرد تجمید مؤقت للاستیطان تنازلاً إسرائیلیاً کبیراً یکافأون علیه.
ثامناً وأخیراً/ إن تخفیف المعارضة الفلسطینیة والعربیة للمفاوضات المباشرة مع إسرائیل بخلق قضایا جانبیة مثیرة کان فی خلفیة هذه الدعوة غیر البریئة. وماذا بعد؟
الرد السعودی لن یتأخر کثیراً، لکن الأهم أن یکون هناک رد عربی جماعی بخطوات عملیة، وإن کان لابد من نیل رضا الإدارة الأمریکیة فعلى الأقل مع حفظ الکرامات والحقوق.
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS