الاربعاء 16 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

الواقع وحده المعیار.. فی أیِّ مفاوضاتٍ أو عدمها

الواقع وحده المعیار.. فی أیِّ مفاوضاتٍ أو عدمها

 

وصل هذا المقال لوکالة قدسنا من الکاتب والمحلل صبحی غندور مدیر مرکز الحوار العربی فی واشنطن

 

تتجمّع الآن قطع مبعثرة لتشکّل لوحةً شبیهة بما حدث فی مطلع عقد التسعینات، من حیث "أوجه الخلاف" بین واشنطن وتل أبیب أو من حیث مشاریع صیغ التسویة الشاملة. ویُدرک الرئیس أوباما أنّ ما یأمله العرب و"العالم الإسلامی" من تغییر فی سیاسة الولایات المتحدة سیکون محکّه الصراع العربی/الإسرائیلی، والقضیة الفلسطینیة تحدیداً. وقد تحدّثت إدارة أوباما عن ضرورة وقف بناء أو توسیع المستوطنات الإسرائیلیة، وعن التمسّک بصیغة حلّ الدولتین. وهذا الأمر مهمٌّ طبعاً، لکنْ ماذا لو تکرّر ما حدث فی العام 1991 من "خلاف" أمیرکی إسرائیلی حول القضیة نفسها (تجمید المستوطنات) وانتهى "الخلاف" فی مؤتمر مدرید الذی کانت الفکرة الأساسیة منه هی إعداد تسویة شاملة على کلّ الجبهات؟؟ ألم یتحوّل مؤتمر مدرید إلى عذرٍ من أجل الضغط على العرب للتطبیع مع إسرائیل قبل انسحابها من الأراضی المحتلّة؟ وما الذی نتج عملیاً عن مؤتمر مدرید غیر التطبیع حتى مع دولٍ عربیة وإسلامیة غیر معنیّة مباشرةً بالصراع مع إسرائیل، بینما کان "اتفاق أوسلو" یتمّ فی السرّ بین إسرائیل وقیادة "منظمة التحریر"؟!.

إنّ مشکلة الفلسطینیین والعرب لیست مع "الخصم الإسرائیلی والحکم الأمیرکی" فقط بل هی أصلاً مع أنفسهم، فالطرف الفلسطینی أو العربی الذی یقبل بالتنازلات هو الذی یشجّع الآخرین على طلب المزید ثمّ المزید.

إدارة أوباما "تناشد" إسرائیل "تمدید تجمید الإستیطان" فی الأراضی الفلسطینیة المحتلة، وکذلک تفعل الآن السلطة الفلسطینیة التی تهدّد بوقف "المفاوضات" إذا لم یحصل "تمدید التجمید". تُرى، ماذا لو أوقفت السلطة فعلاً التفاوض؟ وما البدیل الذی ستطرحه، وهل ستعلن مثلاً التخلّی عن نهج التفاوض لصالح أسلوب المقاومة المشروعة ضدَّ الاحتلال؟ هل ستتّم إعادة بناء "منظمة التحریر الفلسطینیة" لکی تکون "جبهة تحرّر وطنی" شاملة توحِّد الطاقات والمنظمات الفلسطینیة المبعثرة؟ ثمَّ ماذا لو استجابت حکومة إسرائیل لمطلب "تجمید الإستیطان" لبضعة أشهر، کما طالبها الرئیس حسنی مبارک والرئیس محمود عباس، فهل یعنی ذلک برداً وسلاماً فی عموم المنطقة؟ وکیف لبضعة أشهر أن تصنع التحوّل فی حکومة إسرائیلیة قامت على التطرّف ورفض الاتفاقات مع الفلسطینیین، بحیث تقبل هذه الحکومة بدولة فلسطینیة مستقلة عاصمتها القدس، وبإنهاء المستوطنات وإعطاء اللاجئیین الفلسطینیین حقوقهم المشروعة؟!.

هی فی الأحوال کلّها مراهناتٌ على سراب وأضغاث أحلام لا جدوى منها فلسطینیاً وعربیاً.

فما هو قائمٌ على أرض الواقع وحده المعیار فی أی مفاوضات أو عدمها. وتغییر الواقع الفلسطینی والعربی هو الکفیل فقط بتغییر المعادلات وصنع التحوّلات المنشودة فی الموقفین الإسرائیلی والأمیرکی.

الواقع الآن أنّنا نعیش زمناً إسرائلیاً فی کثیرٍ من الساحات العربیة والدولیة. زمنٌ یجب الحدیث فیه عن مأساة الملایین من الفلسطینیین المشردین منذ عقود فی أنحاء العالم، لا عن مستوطنین یحتلّون ویغتصبون الأرض والزرع والمنازل دون رادعٍ محلّی أو خارجی. زمنٌ إسرائیلیٌّ حتى داخل بلدان عربیة کثیرة تشهد صراعات وخلافات طائفیة ومذهبیة تخدم المشاریع الأجنبیة والإسرائیلیة بینما تحتّم مواجهة هذه المشاریع أقصى درجات الوحدة الوطنیة. زمنٌ تفرض فیه إسرائیل بحث مسألة "الهویة الیهودیة" لدولتها التی لم تعلن حدودها الرسمیة بعد، بینما تضیع "الهویة العربیة" لأمَّةٍ تفصل بین أوطانها منذ حوالی قرنٍ من الزمن حدود مرسومة أجنبیاً، وبعض هذه الأوطان مُهدّدٌ الآن بمزیدٍ من التقسیم والشرذمة!!.

سیصطلح میزان التفاوض مع إسرائیل حینما یتمّ تصحیح الواقع الفلسطینی والعربی أولاً، وحینما تتحوّل "المناشدات" الکلامیة العربیة والفلسطینیة إلى قوى ضغطٍ فاعلة فی کل المیادین الدبلوماسیة والاقتصادیة والعسکریة، تماماً کما کانت أحوال العرب عشیّة "حرب أکتوبر" عام 1973 وقبل خروج مصر من الصراع وقبل "معاهدات کامب دیفید".

هی الآن الذکرى ال37 لحرب أکتوبر وهی أیضاً الذکرى العاشرة للانتفاضة الفلسطینیة الثانیة التی انطلقت فی 28 سبتمبر من العام 2000. وکم الأمَّة العربیة بعیدة الآن عن ظروف هاتین المناسبتین!.

فلقد أبرزت انتفاضة العام 2000 حقیقةً هامَّة لم تکن مدرکَة آنذاک حتى لدى القیادات الفلسطینیة، وهی أنَّ الشعب "یمهل ولا یهمل". وقد أمهل الشعب الفلسطینی فی المناطق المحتلة قیادته أکثر من 7 سنوات بعد "اتفاق أوسلو"، وترکها تذهب إلى أبعد مدى ممکن فی التنازلات الإجرائیة والمبدئیة، إلى حین الاصطدام مع لحظة القرار الخطیر: التوقیع على نهایة الصراع مع إسرائیل فی اجتماعات "کامب دیفید" صیف العام 2000، دون تأمین الحدّ الأدنى من الحقوق الوطنیة للشعب الفلسطینی. هنا وصلت السلطة الفلسطینیة إلى مأزق کبیر: لا تستطیع التقدّم إلى "الأمام" مع إسرائیل والولایات المتحدة، ولا تستطیع التراجع إلى الوراء والتخلّی عن اتفاقیاتها فی أوسلو والقاهرة ووای ریفر وشرم الشیخ... فهذه الاتفاقیات هی التی جعلت من منظمة التحریر "سلطة وطنیة" ومن بعض "القیادات الثوریة" وزراء وأصحاب مناصب، ومن رئیسٍ لمنظمة کان یصفها الغرب بالإرهاب إلى رئیس سلطة تحمل مشروع دولة ویتمّ التعامل معه کرئیس دولة، بل إنَّ هذه السلطة تتقاضى مساعدات بمئات الملایین من الدولارات من عدّة دول غربیة (فی مقدّمتها أمیرکا) لأنّها اختارت طریق أوسلو وما نتج عن السیر فی هذا الطریق من قطع الصلات مع المسارات العربیة الأخرى، وتحویل المشکلة الفلسطینیة من جوهر الصراع العربی/الصهیونی إلى "قضیة" ثنائیة مختلَف علیها مع إسرائیل ویتمّ التفاوض بشأن تفاصیلها فی "محاکم" أمیرکیة وبإشراف قاضٍ وحکمٍ واحد هو "الراعی" الأمیرکی. تماماً کما فعلت مصر/السادات حین اختارت هذا الطریق فی کامب دیفید الأولى.

لذلک، کانت الانتفاضة الفلسطینیة فی العام 2000 تجاوزاً من "الشارع الفلسطینی" لأزمة مواقف قیادة السلطة الفلسطینیة، کما تجاوز "الشارع العربی" حینها، فی تضامنه مع الانتفاضة، أزمة عدم مواقف الحکومات العربیة. فالعبارة، التی تردّدت آنذاک، کانت: "إرفع رأسک یا أخی، فقد حان وقت الانتفاضة"!!.

ولا شکَّ أیضاً، أنَّ انتصار المقاومة اللبنانیة فی إجلاء الاحتلال الإسرائیلی عن لبنان فی مایو/أیار 2000، أوجد أیضاً خیاراً من نوعٍ آخر لأسلوب التفاوض، وحرَّک نبض الشارع العربی عموماً، والفلسطینیین فی الأراضی المحتلّة خصوصاً.

فأمام الأمَّة العربیة خیاراتٌ عدیدة غیر "خیار التفاوض بأیِّ ثمن" وهی خیاراتٌ مستوحاة من تاریخها القریب، إنْ فی إعادة بناء التضامن العربی الفعّال الذی أنجز نصراً فی "حرب أکتوبر"، أو فی خیار المقاومة الشاملة للاحتلال، والذی تأسّست من أجله أصلاً "منظمّة التحریر الفلسطینیة"!.

ن/25

 

 

 


| رمز الموضوع: 141448







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)