المستوطنون یحتفلون ونحن نلعق جراحنا!
المستوطنون یحتفلون ونحن نلعق جراحنا!
زیاد أبو شاویش
لم یبق فی الجسد الفلسطینی مکان لمزید من الجراح، فقد أثخن بالطعنات من کل حدب وصوب، وحتى الذین یفترض أنهم یحملون أمانة الدفاع عنه وحمایته شارکوا فی هذا التنکیل عبر بیع الوهم لأنفسهم ولشعبهم حول إمکانیة الحصول على السلام واستعادة بعض الحقوق من إسرائیل.
رقص المستوطنون والأغلبیة المؤیدة لهم فی الکیان الصهیونی احتفالاً بنهایة قرار تجمید الاستیطان على رمزیته وتعطیل تطبیقه خلال الفترة الماضیة.
بعض المسؤولین فی الحکومة الإسرائیلیة لم یتمالکوا أنفسهم فضربوا عرض الحائط توجیهات کبیرهم نتنیاهو بالامتناع عن إعلان الموقف الرسمی للکیان الصهیونی فشارکوا المستوطنین فرحتهم واحتفالاتهم ورقصهم، ولم یترک سلفان شالوم أی فرصة لنتنیاهو أو محمود عباس لتسویق الوهم حول تجمید أو تبطیء الاستیطان وأعلن على رؤوس الأشهاد أن قرار التجمید قد سقط ولم یعد له وجود، بل إن هناک من قال من المحتفلین إن تجمید البناء لیس له ما یبرره سابقاً ولاحقاً لأنهم یبنون فوق أرضهم التی ورثوها عن الآباء والأجداد.
الأنکى أن العودة الواسعة والاحتفالیة للبناء تزامنت مع الإعلان عن قرارین خطیرین: أحدهما قضائی وینص على هدم عشرات المنازل فی القدس الشرقیة، والثانی سیاسی وعسکری ینص على شق طریق لأحد البؤر الاستیطانیة فی الخلیل باتجاه الحرم الإبراهیمی الشریف الذی اعتبرته حکومة العدو إرثاً یهودیاً، هذا الطریق الذی سیکون کارثة على أهل الخلیل بحکم أنه سیأتی على أنقاض ما یقرب من خمسمایة بیت لفلسطینیین یسکنون فی مجرى هذا الطریق.
وحتى تکتمل الرؤیة لصورة الجسد الممزق أضاف محمود عباس رئیس السلطة الفلسطینیة بعداً آخر للمهانة والألم والغضب الذی یجتاح کل نفس فلسطینیة وعربیة حول ما یرى ویسمع بامتناعه عن الرد على ذلک، والأکثر مرارة العودة لاسطوانته المشروخة حول القرار العربی ولجنة المتابعة العربیة والجامعة العربیة وکأننا شعب مسلوب الإرادة والکرامة.
إن الشعب الفلسطینی قد سئم هذه الطرق الملتویة والأسالیب المسیئة لتاریخه ودماء شهدائه، ویطالب بمواقف وقرارات وفعل أیضاً یتناسب مع ما قدمه من تضحیات فی مواجهة الغطرسة الإسرائیلیة والظلم والاستکبار الأمریکی، ولم یعد بمقدوره تحمل المزید من الاستخفاف به وبکرامته، ناهیک عن الدماء النازفة من جسده المثخن بالجراح.
غالبیة المحللین کانت تتوقع استئناف الاستیطان، وعباس وفریقه کان یتوعد بالخروج من المفاوضات إن جرى ذلک، والخلاف کان حول استئناف البناء بشکل معلن ورسمی أم بصیغة أخرى تحفظ للمفاوض الفلسطینی والراعی الأمریکی بعض ماء الوجه، والذی جرى ورأیناه کان أکثر وضوحاً من أی قرار رسمی، وأعلن البیت الأبیض والرباعیة أسفهم لذلک مع التأکید على ضرورة استمرار المفاوضات، وتنبیه السلطة الفلسطینیة إلى أهمیة البقاء فی ذات المربع.
سیتحفنا البعض بالحدیث العبقری عن تکتیک القیادة الفلسطینیة الذکی والمتزن، وحکمتها فی معالجة التطرف الإسرائیلی، بل سیأتینا من یقول إن على السلطة أن لا ترضخ للابتزاز وتواصل التفاوض لأن الإسرائیلیین یتعمدون إجبارنا على الانسحاب من هذه المفاوضات لخدمة أجندتهم السیاسیة وإظهارنا بمظهر المتطرفین سیاسیاً... هکذا!
الفلسطینیون یواجهون محنة کبیرة وأوضاعهم الداخلیة مهلهلة وقادتهم لا یملکون خیارات تساعد على وقف الخسائر، أو هم لا یریدون التوجه لبدائل أخرى بحکم مصالحهم ومصالح فصائلهم ولذلک سمعنا من یتحدث عن حل السلطة، وعن انتفاضة ثالثة، بل إن هناک فی أوساط حرکة فتح والمؤیدین لنهج الرئیس الفلسطینی المهادن من ألمح لخیارات أخرى نملکها ویمکننا استخدامها.
لیس من الحکمة إضاعة الوقت أو التعویل على مساندة المجتمع الدولی، والأولویة یجب أن تکون لوقف النزیف والخسائر المستمرة، ومن ثم بلسمة جراحنا لتعزیز صمودنا فی وجه المحن والأخطار القادمة، وعلى القیادة الفلسطینیة التوقف عن بیع الوهم لشعبنا.
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS