المصالحة الفلسطینیة ما زالت مستحیلة
المصالحة الفلسطینیة ما زالت مستحیلة
نقولا ناصر
"ملف الأمن" هو البند الرئیسی وربما الوحید على جدول أعمال لقاء فتح – حماس بدمشق فی العشرین من الشهر الجاری، ومن المستحیل توصل الحرکتین إلى اتفاق حول هذا الملف على قاعدة اتفاق فتح ورئاستها وسلطتها وحکومتها على "التنسیق الأمنی" مع دولة الاحتلال الإسرائیلی، لأنه ببساطة إذا أبرمت الحرکتان اتفاقا على المصالحة فی العاصمة السوریة یعقبه توقیع "الورقة المصریة" فإن واحدا من احتمالین یجب أن یتبع ذلک: إما انتهاء "التنسیق الأمنی" مع دولة الاحتلال وإما قبول حماس بهذا التنسیق، وکلا الاحتمالین إن حدث سیکون منعطفا استراتیجیا فی تاریخ الحرکتین وتاریخ الحرکة الوطنیة الفلسطینیة، لکن کل الدلائل والمؤشرات ما زالت تؤکد بأن ایا من الحرکتین لیست على استعداد بعد لأی تغییر استراتیجی کهذا، وبالتالی سوف تظل اللقاءات بین الحرکتین - بغض النظر عمن یرعاها وعن مکان انعقادها- تحرکات سیاسیة تندرج فی باب التکتیک لا الاستراتیجیة، لتظل المصالحة الوطنیة مستحیلة إلى أجل غیر مسمى.
أما تصریح رئیس کتلة فتح فی المجلس التشریعی ، عزام الأحمد، بأن "أبواب المصالحة الفلسطینیة فتحت على مصراعیها" فإنه مرتبط بوصول المفاوضات المباشرة المستأنفة بین رئاسة منظمة التحریر الفلسطینیة وبین دولة الاحتلال إلى ما وصفه الرئیس محمود عباس فی العاصمة الأردنیة عمان الخمیس الماضی ب"مفترق طرق صعب" بین "السلام واللاسلام" وبین "أن تستمر المسیرة السلمیة أو یتوقف کل شیء"، أکثر من ارتباطه بتغییر استراتیجی فی توجه حرکة فتح ورئیسها باتجاه المصالحة، مما یؤکد بأن لجوء عباس إلى "فتح الأبواب على مصاریعها"، بعد طول إغلاق، للتلویح بورقة المصالحة مع حرکة المقاومة الاسلامیة "حماس" إنما یندرج فی باب التکتیک لا الاستراتیجیة. وإلا إذا اتفقت الحرکتان، و"توحد الصفان، فإما أن تسقط البندقیة، وإما أن تسقط التسویة "السیاسیة"، ولا وحدة ما بین بین"، کما کتب المناضل الفلسطینی ناجی علوش قبل أیام.
قد تبدو حرکة فتح جادة فی الاتفاق على الملف الأمنی مع حرکة حماس، وربما یوحی اصطحاب عزام الأحمد لوفد أمنی مختص ومهنی برئاسة مدیر المخابرات العامة اللواء ماجد فرج معه إلى لقاء دمشق المرتقب بجدیة کهذه، غیر أن فتح مخیرة فی هذا اللقاء بین التنسیق الأمنی مع دولة الاحتلال وبین التنسیق الأمنی مع فصائل المقاومة، على غرار ما یحدث فی قطاع غزة الیوم، وحسم هذا الخیار یحتاج إلى قرار سیاسی لا إلى قرار أمنی، وربما یکون اختیار مسؤول ملف القدس فی حرکة فتح حاتم عبد القادر خیارا مناسبا أکثر کمرافق للأحمد إلى دمشق لإثبات جدیة فتح، فهو سیاسیا فی الأقل قد صرح مؤخرا قائلا "إذا خیرنا بین المصالحة وبین التنسیق الأمنی "مع دولة الاحتلال" فلیذهب التنسیق الأمنی إلى الجحیم"، ولعل رمزیة القدس المسؤول عن ملفها أیضا توقظ الضمیر الوطنی لمن ما زال یتعامل مع الوحدة الوطنیة الفلسطینیة کتکتیک لا کاستراتیجیة، لکن عبد القادر لیس صاحب قرار سیاسی، بالرغم من کونه أقرب إلى نبض قواعد حرکته المتناغم مع المقاومة ومع الوحدة الوطنیة على حد سواء من صاحب القرار السیاسی فیها.
ولیس لهذه الأسباب فقط ما زالت المصالحة الوطنیة مستحیلة وما زالت جدیة قیادة فتح فی السعی إلیها موضع شبهة. فعلى سبیل المثال "وهنا أقتبس من الزمیل صالح النعامی"، "هل یعتقد عاقل" أن دولة الاحتلال "بامکانها أن توافق على إعادة بلورة المؤسسة الأمنیة التابعة للسلطة .. کما تطالب حماس ومعظم الفصائل الفلسطینیة "وهی" ترى فی هذه المؤسسة مجرد وسیلة لتحسین مستوى الأمن للمستوطنین فی الضفة الغربیة، ولا حاجة للتذکیر بما یجری حالیا فی الضفة الغربیة.
وفی حال أجمع الفلسطینیون على تشکیل أجهزة أمنیة على أسس وطنیة ومهنیة فإن إسرائیل ببساطة لن تسمح لهذه الأجهزة بالعمل وستطارد قادتها وعناصرها کما حدث خلال انتفاضة الأقصى" الموؤدة، "وما ینطبق على قضیة الأمن والمؤسسة الأمنیة ینطبق أیضا على تشکیل الحکومة الفلسطینیة بعد اتمام المصالحة" وینطبق کذلک على "موضوع منظمة التحریر وإعادة بنائها على أسس جدیدة". وإذا کان عباس، کما قال فی عمان الخمیس الماضی، یربط حتى قرار "حل السلطة" بموافقة دولة الاحتلال على حلها لأن إنشاء سلطة الحکم الذاتی کان تعاقدیا بین الطرفین، فإنه بالتأکید سیربط أی اتفاق على "الملف الأمنی" بموافقتها کذلک کتحصیل حاصل.
ثم هناک العامل الأمیرکی، الذی لم یخب أمل قیادة التفاوض فی منظمة التحریر حتى الآن فی استمرار ارتهان القرار الوطنی الفلسطینی لحسن نوایا إداراته المتعاقبة بالرغم من خذلانها المتواصل لهذه القیادة. فالرعایة الأمیرکیة المستمرة لاستمرار التزام منظمة التحریر ورئاستها باتفاقیات أوسلو من جانب واحد سوف یجعل تنفیذ أی اتفاق للمصالحة الفلسطینیة من رابع المستحیلات.
وقد استثمرت الإدارات الأمیرکیة المتعاقبة الکثیر من الجهد البشری والتدریبی والمال فی بناء مؤسسة أمنیة لهذه القیادة على اساس عقیدة أمنیة انقلبت على کل قیم التحریر والمقاومة التی نشأت أجهزة المؤسسة السابقة علیها فتلک على علاتها وتعددها وعدم شفافیة تمویلها وانفاقها کانت معینا لا ینضب للمقاومین وظهیرا للمقاومة لا کما آلت إلیه الآن حربا على المقاومة والمقاومین ومنسقا للاحتلال ضدهم. ف"هل یعتقد عاقل" بأن إرث "بعثة الأمن الأمیرکیة" لدى السلطة التی توارث قیادتها الجنرالات ویلیام وارد "حتى 2005" وکیث دایتون الذی تقاعد مؤخرا قبل ان یخلفه مایکل مولر الآن هو إرث یمکن أن تتخلى واشنطن عنه بهذه السهولة، بعد أن تحول جنرالاته إلى قادة فعلیین للمؤسسة الأمنیة للسلطة، وحراس حقیقیین یراقبون التزام أجهزتها بالتنسیق الأمنی مع الاحتلال ودولته!
أما السبب الأخیر ولیس الآخر فیتمثل فی استحالة تحقیق أی مصالحة وطنیة على قاعدة اعتبار المقاومة ارهابا ومطاردتها عسکریا وأمنیا وقضائیا ومحاربة ناشطیها ومناصریها حتى فی وظائفهم وأرزاقهم وجمعیاتهم الخیریة التی ترعى أسر شهدائهم وأسراهم، واعتبار حماس "خارجة على القانون"، وکذلک الجهاد الاسلامی إن صحت التقاریر الاعلامیة الأخیرة عن حظر السلطة لها، وتصفیة کتائب الأقصى التابعة لفتح نفسها بالترهیب والترغیب و"التنسیق" مع الاحتلال بشأن من "یطلبه" من مقاومیها، إلخ.
إن تحذیر کتائب القسام مؤخراً من أن "کظم الغیظ والعض على الجراح" و"الصمت" على استمرار "سلطة فتح" بالضفة الغربیة فی اعتقال ومحاکمة المقاومین للاحتلال "لن یطول" بعد أن "طفح الکیل" وتم "تجاوز الخطوط الحمر" ثم تهدیدها "بالمعاملة بالمثل"، وتحذیر حکومة اسماعیل هنیة فی غزة بعد اجتماعها الأسبوعی من "النتائج المترتبة" على استمرار حکومة رام الله فی هذه السیاسة، ورد الناطق الرسمی باسم الأجهزة الأمنیة الفلسطینیة والمفوض السیاسی العام لهیئة التوجیه السیاسی والوطنی بالضفة، اللواء عدنان الضمیری، ردا لا یتسم بالجدیة وصفه القیادی بحماس د. محمود الزهار بـ"التشنج"، یرقى إلى حرب کلامیة تنذر حقا باقتتال أهلی مما یخلق بیئة وطنیة مسممة تجعل أی حدیث عن المصالحة الوطنیة فی غیر وقته.
لکل ذلک، فإنه حتى لو توصل لقاء دمشق إلى اتفاق، وحتى لو وقع هذا الاتفاق وقاد إلى توقیع حماس على "الورقة المصریة، فإن إرث "عملیة السلام" واتفاقیات أوسلو الموقعة المنبثقة عنها واستمرار رئاسة منظمة التحریر فی الالتزام بها کمرجعیة وحیدة للقرار الوطنی، وإرث الرعایة الأمیرکیة المستمرة لاستمرار التزام المنظمة ورئاستها بکل ذلک، سوف یجعل تنفیذ هکذا اتفاق للمصالحة الوطنیة من رابع المستحیلات، کما اثبتت تجارب توقیع اتفاق القاهرة و"وثیقة الأسرى" واتفاق مکة وإعلان صنعاء، لکی تظل المصالحة الوطنیة مؤجلة إلى أن یفرجها الله، وحتى یقتنع الجمیع بأن الشراکة الوطنیة فی مؤسسات موحدة شرط مسبق للانجاز الوطنی على حد سواء فی المقاومة وفی التفاوض.
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS