السلطة الفلسطینیة توقف المفاوضات.. لکن إلى متى؟!
السلطة الفلسطینیة توقف المفاوضات.. لکن إلى متى؟!
زیاد أبوشاویش
لم یکن أمام الرئیس عباس وحرکة "فتح" سوى أخذ قرار بوقف التفاوض لأن حکومة الاحتلال لم تترک لهم هامشاً للبقاء، وعلى الأرجح لو قام نتنیاهو بمناورة من نوع تبطیء الاستیطان أو تجمیده فی أماکن بعینها لبقیت السلطة فی ذات المربع، وعلى کل حال یجب أن نقر بصوابیة قرار التنفیذیة للمنظمة ومرکزیة "فتح" ونشدد على بقائه ولکن على من اتخذ القرار أن یفکر جیداً فی مجمل العملیة السلمیة وکیف تجری حین یتم ربطها بتجمید مؤقت للاستیطان ولیس بإنهائه وعودة الحقوق الفلسطینیة کاملة، وکذلک بغیاب مرجعیات هذه المفاوضات.
یمکن لنتنیاهو أن یقوم بمناورة کبیرة فی الأیام والأسابیع القادمة من أجل إعادة الطرف الفلسطینی للمفاوضات، بما فی ذلک استبدال تحالفاته فی ظل حزمة حوافز أمریکیة غیر مسبوقة وصفها أحد أعضاء الکونجرس الأمریکی بالجنون، ولذلک ندعو القیادة الفلسطینیة برام الله لمغادرة المفاوضات بشکل نهائی طالما بقیت بغیر مرجعیة ولم تتضمن بالإضافة لوقف شامل للاستیطان تحدید المآلات النهائیة للتسویة، ولدى هذه القیادة النص الدقیق لبرنامج الإجماع الوطنی المقر فی المجلس الوطنی عام 1988 ولیس من الحکمة التهاون فیه.
لقد حان الوقت لنظهر قلیلاً من الاحترام للرأی العام الفلسطینی والعربی، وحین تکون دولة الاحتلال محاصرة ومأزومة دولیاً فلیس من الحکمة إلقاء طوق النجاة لها مهما کانت الضغوط.
إن اللهجة المرنة التی نسمعها وتکرار الحدیث عن المرجعیة العربیة لقرار المفاوضات یثیر لدى المواطن الفلسطینی القلق والریبة فی جدیة قرار وقف التفاوض ویجعله أقرب لقرار تعلیق أو تجمید مؤقت، فهل من الحکمة إفساح المجال لاستمرار الضغوطات وتصعیدها فی ظل هکذا موقف وتوجه؟
إن الحوافز والضمانات التی تحدثت عنها أمریکا للفلسطینیین تمثل وصفة قدیمة ومکررة لوصفات وضمانات وهمیة وهزلیة لم تنفذ منها أی التزام بما فی ذلک ما أعلنه الرئیس الأمریکی باراک أوباما فی خطابه الشهیر بالقاهرة.
یعلم الإسرائیلیون والأمریکیون أن فرصة السلام الحالیة ربما تکون آخر الفرص التی تتوفر بوجود رئیس فلسطینی متساهل ولا یؤمن بالمقاومة العنفیة أو المسلحة لذلک سیواجه الطرف الفلسطینی بالإضافة للضغوط مناورات وألاعیب لاستدراج منظمة التحریر و"فتح" لنقطة اللاعودة وتوریطهما فی إرباکات تؤدی لمزید من الانقسام والتوتر على الصعید الداخلی، ناهیک عن العنف وتفشی الفوضى بین الفلسطینیین وبالتالی تحقیق ما عجزت عنه الدولة العبریة منذ اتفاق أوسلو المشؤوم.
الوضع خطیر للغایة والتطرف الصهیونی یتزاید، والدعوات للترحیل تتصاعد وثوابت العدو لم تتغیر بل زادت عدداً ونوعیة، ورفض التخلی عن الأرض المحتلة عام 1967 یؤکده قادة الکیان لیل نهار، وکذلک الحال فی موضوع القدس والسیادة وحق العودة، وبمعنى آخر فإن العودة للمفاوضات حتى لو توقف الاستیطان هو انتحار سیاسی، ویضع القضیة الوطنیة على سکة التصفیة النهائیة.
هناک سیناریوهات متعددة واحتمالات متنوعة لما سیکون علیه الحال بعد وقف المفاوضات، ویمثل سیناریو الضمانات والحوافز الأمریکیة للعدو الإسرائیلی من أجل تجمید الاستیطان لشهرین فقط أخطرها وأکثرها ظلماً لشعبنا الفلسطینی، ومع هذا فإن جمیع السیناریوهات خطیرة وتؤدی لفتنة فلسطینیة داخلیة ناهیک عن إضعافنا وتبهیت صورتنا کأصحاب حق تاریخی وأخلاقی، وجمیعها تریح إسرائیل وتنقذها من العزلة على حسابنا.
السیناریو الوحید الذی یمثل النموذج القادر على درء کل هذه المخاطر وإعادة الأمور إلى نصابها الصحیح هو اللجوء للأمم المتحدة ومجلس الأمن ومن ثم للجمعیة العامة إن استخدمت أمریکا الفیتو، وهذا السیناریو یرتبط نجاحه وقدرته على الصمود بخطوات لابد أن یتخذها الفلسطینیون حول عودة المقاومة والوحدة الوطنیة والتکیف مع المواجهة والضغوطات التی ستفرض علیهم من الأمریکیین والإسرائیلیین وإعادة البعد العربی القومی بشکل حقیقی للقضیة الفلسطینیة والاعتماد على إمکانیاتنا. وباختصار إعادة الاعتبار للعامل الذاتی فی إدارة الصراع.
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS