الاعتراف بإسرائیل على أنها دولة فاشیة!
الاعتراف بإسرائیل على أنها دولة فاشیة!
جواد البشیتی
زعیم حزب "إسرائیل بیتنا" لیبرمان والذی یقف وراء التوجه العنصری والفاشی لحکومة نتنیاهو یوصف مع حزبه بأنه علمانی، أی یقف ضد قیام الدول على أساس دینی وضد الحکومات الثیوقراطیة التی تحکم متلفعة بالدین.
لیبرمان هذا یفهم إسرائیل وشعبها بما یجعله متصالحا مع علمانیته على ما یظن ویتوهم فـ"الشعب الیهودی" إنما هو بحسب فهمه المغرق فی الذاتیة، جماعة قومیة، لها من الخواص والصفات والمعانی ما لسائر الجماعات القومیة وإن وعت وجودها "الواقعی والتاریخی" وأدرکته عبر الدین أی عبر أوهام العهد القدیم، ولقد اتحدت بالدم قبل أن تتحد أو تعزز اتحادها بالدین وبما یؤسس لوجود الجماعات القومیة.
وهذا الفهم وعلى ما یتوهم لیبرمان یمکن أن یؤسس لفرق بینه وبین کل یهودی یتخذ من خرافة الوعد الربانی لإبرام العبرانی حجة لا تعلوها حجة فی سعیه إلى إظهار وتأکید شرعیة التملک "القومی" الیهودی لأرض فلسطین.
ولکن لیبرمان العلمانی یضرب صفحا عن التاریخ علما وحقائق بمحاولته تصویر أرض إسرائیل وشعبها على أنهما الاستثناء فإذا کانت القاعدة بحسب التاریخ علما وحقائق هی أن لا وجود للوطن السرمدی ولا للعرق النقی الخالص، فإن "الوطن القومی الیهودی" و"الشعب الیهودی" هما الاستثناء!
لیبرمان لا یقیم وزنا لأسئلة من قبیل "من سکن تلک الأرض من قبل؟" و"کم من الزمن استغرقه الوجود القومی للیهود فیها؟" و"کم من الزمن عاش الفلسطینیون فیها؟" فهو یتخذ من الوجود القومی العابر وقصیر الأجل للیهود فی فلسطین حجة للقول بشرعیة وجود وبوجوب وجود دولة قومیة لـ"الشعب الیهودی" فی فلسطین. یتخذ منه مسلَّمة فحجة مع أن التاریخ ذاته والذی یزداد منسوب العلمیة فیه ارتفاعا یکاد أن یحول تلک المسلَّمة إلى أکذوبة ویبطل ویفند تلک الحجة، ففلسطین فوقا وتحتا طولا وعرضا تأتی کل یوم بمزید من الأدلة على أنها لم تعرف یوما وجودا للیهود فیها على هیئة دولة قومیة متحدة أو منقسمة وعلى أنها لیست بجغرافیا التوراة على ما تضمنته نصوصها من أسماء لأماکن ومواقع فی فلسطین.
وهذا التاریخ الذی تضیق به وبحقائقه علمانیة لیبرمان التی تشبه النظم الدیمقراطیة العربیة إن نطق بالحقیقة فسیقول إن ذلک العرق الیهودی قد باد منذ آلاف السنین وإن نطق بالحکم فسیقول لا وجود لحقوق قومیة لشعب کف عن الوجود.
على أن کل ما ینطق به التاریخ الواقعی أی التاریخ الذی لم تفسد حقائقه الروایات التوراتیة، من حقائق وأحکام یستغلق على لیبرمان لضیق أفقه الیهودی، فیمضی بالتالی قدما فی سعیه إلى سن قانون المواطنة والولاء "والإخلاص" لدولة إسرائیل والذی به یرید ترجمة عدائه السیاسی والعقائدی للبقیة الباقیة من الوجود القومی للشعب الفلسطینی فی فلسطین التی باتت إقلیم دولة إسرائیل.
أما النهایة التی یرید لیبرمان رؤیتها، إذا ما تکلل سعیه القانونی هذا بالنجاح فهی التطهیر العرقی أی طرد کل أو معظم الفلسطینیین الذین یحملون عن اضطرار الجنسیة الإسرائیلیة من إقلیم دولة إسرائیل حتى تغدو یهودیة خالصة دیمغرافیا وبرلمانیا وسیاسیا.
إن لیبرمان یعلم علم الیقین أن هذا القانون بمحتواه وشکله لن یلقى من الفلسطینیین "فی إسرائیل" إلا الرفض والمقاومة ولن یفضی بالتالی إلا إلى جعل کامنه وهو التطهیر العرقی ظاهرا.
لیبرمان وبادئ ذی بدء، یصور الفلسطینیین "فی إسرائیل" على أنهم مواطنون یتمتعون بحقوق المواطنة کاملة، ثم یحدثهم عن الولاء "والإخلاص" لدولة إسرائیل، بصفة کونها دولة یهودیة أو دولة لـ"الشعب الیهودی" بصفة کونه شرطا لاحتفاظهم بتلک الحقوق، فهم على ما تنطق به أوهامه التلمودیة التی یلبسها لبوس العلمانیة لا یملکون أی حق قومی وتاریخی حیث یقیمون ویعیشون ولکنهم یملکون حقوق المواطنة کاملة فی الدولة الیهودیة ویمکنهم أن یحتفظوا بها إذا ما أظهروا لتلک الدولة الولاء والإخلاص أی إذا ما حاربوا حروبها وأنشدوا أناشیدها وعادوا أعداءها ولو کانوا من أبناء جلدتهم وصادقوا أصدقاءها ولو ناصبوهم العداء.
أما إذا أبوا واستکبروا فإن مصیرهم عندئذ الطرد والتهجیر إلى دولة فلسطینیة "فی قطاع غزة وفی أجزاء من الضفة الغربیة" یتمتعون فیها بحقوق المواطنة.
هناک، أی فی الجلیل والمثلث.. لیس للفلسطینیین "المتمتعین بحقوق المواطنة الإسرائیلیة کاملة" من حق قومی وتاریخی فحقوق المواطنة "الإسرائیلیة" التی یتمتعون بها کاملة إنما هی نعمة أسبغتها علیهم الدولة الیهودیة وعرضة للزوال إذا ظلوا ممسکین عن تلبیة شرطها وهو إظهار وتأکید الولاء والإخلاص لتلک الدولة.
وهنا أی فی قطاع غزة، وفی أجزاء من الضفة الغربیة یمکن أن یعطى الفلسطینیون إقلیما "مجزأ" یقیمون فیه دولتهم وهم الذین لیس لهم من حق قومی وتاریخی فیه!
هناک لا بد للفلسطینیین من أن یثبتوا بالقول والفعل ولاءهم وإخلاصهم للدولة الیهودیة إذا ما أرادوا الاحتفاظ بحقوق المواطنة "الإسرائیلیة". وهنا لا بد لهم من أن یثبتوا بالقول والفعل استخذاءهم لمشیئة وشروط الدولة الیهودیة إذا ما أرادوا أن یصبحوا مواطنین لدولة فلسطینیة.
وهنالک أی فی عالم الفلسطینیین العربی یمکن أن نرى کثیرا من أشباه لیبرمان من العرب الذین لا یلبسون لیبرمانیتهم لبوس العلمانیة وإنما لبوس الحرص والغیرة على حق اللاجئین الفلسطینیین فی العودة إلى دیارهم فبدعوى الحرص والغیرة على هذا الحق یمنعون عنهم من الحقوق ما یشبه الهواء والماء ولو کانوا صادقین فی حرصهم وغیرتهم لمنحوهم من حقوق المواطنة ومن حقوق الإنسان کل ما لا یتعارض مع حقهم فی العودة، لکنهم لم یکونوا کذلک، فهم إنما کانوا صادقین فحسب إذ قالوا للاجئ الفلسطینی وإن لیس بألسنتهم: لا حق لک فی التمتع بشیء من حقوق المواطنة وحقوق الإنسان; لأن لک کل الحق فی العودة!.
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS