الاربعاء 16 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

بلفور الفلسطینی!

بلفور الفلسطینی!

جواد البشیتی

 

لو صَدَقَ زَعْم یاسر عبد ربه أنَّه فی "الاقتراح الفلسطینی المضاد" الذی أدلى به لصحیفة "هآرتس" الإسرائیلیة، تلبیةً لدعوة إدارة الرئیس أوباما الفلسطینیین إلى التقدُّم بهذا الاقتراح، کان یتحدَّث باسم "القیادة الفلسطینیة" لَفَقَدَت تلک القیادة فوراً أهلیتها وشرعیتها للتحدُّث باسم الشعب الفلسطینی، فالفلسطینیون لیسوا قَوْماً من الأغبیاء حتى یفهموا ما قاله عبد ربه على أنَّه أمْرٌ شکلیٌّ خالص، وکأنَّ الاعتراف الفلسطینی بإسرائیل على أنَّها "دولة یهودیة"، تخصُّ "الشعب الیهودی" حصراً، وتقوم على أرضٍ هی نفسها، أو هی، "الوطن القومی "السرمدی"" لهذا "الشعب"، یَعْدِل، لجهة "شکلیته" وضآلة أهمیته ووزنه، أنْ یعترف الفلسطینیون بإسرائیل على أنَّها "دولة صینیة"، إذا ما أرادت!

لقد "اقترح" نتنیاهو، فی العاشر من تشرین الأوَّل الجاری، أنْ یُخاطِب رئیس السلطة الفلسطینیة محمود عباس شعبه، محیطاً إیَّاه عِلْماً أنَّه یعترف باسمه، أی باسم الشعب الفلسطینی، بإسرائیل على أنَّها "دولة یهودیه"؛ فإذا فعلها، أصبح ممکناً، على ما یُفْهَم من کلام رئیس الوزراء الإسرائیلی، أنْ تقرِّر الحکومة الإسرائیلیة تقدیم "تنازل مؤلم"، هو تجمید النشاط الاستیطانی "کما جمَّدته من قبل عشرة أشهر" شهرین آخرین "لن یُجمَّد أبداً بعد انقضائهما"!

إنَّها "مقایضة" فیها مِمَّا یرضی الفلسطینیین ما یُعْجِزَهم عن مقاومة إغرائها، فسارعت إدارة الرئیس باراک أوباما، التی بدت مؤیِّدة لاعتراف الفلسطینیین بإسرائیل على أنَّها "دولة یهودیة"، وفق "اقتراح" نتنیاهو، إلى دعوة السلطة الفلسطینیة إلى التقدُّم باقتراحها المضاد، والخاص بها، حتى یصبح فی مقدور "الوسیط" أنْ یتقدَّم بـ"الاقتراح الثالث"، الذی فیه قد یدعو إلى "حلٍّ نهائی" یقوم على اعتراف الفلسطینیین بإسرائیل على أنَّها "دولة یهودیة" فی مقابل اعتراف إسرائیل بدولة فلسطینیة فی حدود 1967، بعد تعدیل للحدود، وتبادل للأراضی.

قد یصحُّ إدارج "اقتراح نتنیاهو" و"اقتراح عبد ربه" فی هذا السیاق، فهل ترفض السلطة الفلسطینیة هذا "الاقتراح الثالث "المحتمل""، إذا ما قبله نتنیاهو، أو بدا مستعداً لقبوله؟!

عبد ربه سرعان ما لبَّى دعوة إدارة الرئیس أوباما، متجشِّماً التقدُّم بـ"الاقتراح "الفلسطینی" المضاد"، فقال، وکأنَّه یلعب لعبة إحراج نتنیاهو، إنَّه "بالأصالة عن نفسه، ونیابةً عن القیادة الفلسطینیة" مستعدٌ للاعتراف بإسرائیل على أنَّها "دولة یهودیة "او صینیة.."" إذا ما قَبِل نتنیاهو دولة فلسطینیة یشمل إقلیمها کل الأراضی الفلسطینیة التی احتلتها إسرائیل فی حرب حزیران 1967، وتتَّخِذ من القدس الشرقیة عاصمة لها.

وهذا "الشرط "الفلسطینی""، والمُعبَّر عنه بعبارة "إذا ما"، قد یلبَّى باقتراح من قبیل أنْ یحصل الفلسطینیون على "المساحة نفسها"؛ لکن بعد "تعدیل الحدود"، ومن خلال "تبادل الأراضی"!

وبقی النصف الآخر من المهمَّة، والذی لم یتجشَّم عبد ربه إنجازه، ألا وهو إقناع اللاجئین الفلسطینیین "نحو خمسة ملایین لاجئ" وما یسمَّى "عرب إسرائیل "نحو 1.3 ملیون فلسطینی یحملون الجنسیة الإسرائیلیة""، بأنَّ الاعتراف الفلسطینی بإسرائیل على أنَّها "دولة یهودیة"، تخصُّ "الشعب الیهودی" فحسب، لن ینزل علیهم إلاَّ برداً وسلاماً، ولا یضرَّ بحقوقهم ومطالبهم ومصالحهم!

دَعُونا نصدِّقه، ونُقْنِع أنفسنا، بأنَّ "بلفور الفلسطینی" کان "یلعب" فحسب، وأنَّ "لعبته" لا تستهدف سوى "إحراج" نتنیاهو، أو "إعادة الکرة إلى ملعبه"، فَلْیُعْلِن عبد ربه "ویفضَّل عبر صحیفة "هآرتس"" أنَّه "وباسم القیادة الفلسطینیة" لن یتخلَّى عن "حق العودة" لللاجئین الفلسطینیین، أی حقهم فی العودة إلى أراضیهم وبیوتهم التی هجِّروا منها فی خلال حرب 1948.

إنَّ الاعتراف "الفلسطینی" بإسرائیل على أنَّها "دولة یهودیة" هو، فی ما یخصُّ قضیة اللاجئین الفلسطینیین، إعلان تخلٍّ، غیر مباشِر، عن "حق العودة"، فی معناه الحقیقی والأُم، وکأنَّ هذا الاعتراف، مقارنةً بإعلان التخلِّی الصریح والمباشِر عن "حق العودة"، هو أهون الشرِّین فلسطینیاً!

ربَّما "فنحن فی زمن فلسطینی وعربی یُعْجِزنا عن تمییز شیء من شیء" یُفجِّر عبد ربه "قنبلته الثانیة"، مُعْلِناً، هذه المرَّة، فی صحیفة "هآرتس" الفلسطینیة، ولیس الإسرائیلیة، أنَّ الاعتراف الفلسطینی بإسرائیل على أنَّها "دولة یهودیة" لن ینال أبداً من قوَّة استمساکه بـ"حق العودة"، فإنَّ للاجئین الفلسطینیین جمیعاً "وللاجئین الفلسطینیین فی وطنهم، أی "عرب إسرائیل"" الحق فی "العودة" إلى إقلیم الدولة الفلسطینیة، الذی قد یشمل "بعد وبفضل "تعدیل الحدود"، و"تبادل الأراضی"" أراضی کانت تخصُّ إقلیم دولة إسرائیل؛ فإذا شملها، وإذا ما وُطِّن قسم من هؤلاء اللاجئین فی تلک الأراضی الإسرائیلیة التی أصبحت فلسطینیة، فهل من مبرِّر، بعد ذلک، لزعمٍ من قبیل أنَّ اللاجئین الذین عادوا لم یعودوا إلى إسرائیل، أی إلى أراضٍ إسرائیلیة؟!

فی التاسع من أیلول 1993، بعث الزعیم الفلسطینی الراحل یاسر عرفات رسالة إلى رئیس وزراء إسرائیل الراحل اسحق رابین أبلغ إلیه فیها أنَّ "منظمة التحریر الفلسطینیة" تعترف بـ"حقِّ إسرائیل فی العیش فی أمن وسلام، وتقبل قراری مجلس الأمن 242 و338"، وأنَّ "المنظَّمة" ما عادت، أو لن تظل، مستمسکة بتلک البنود من "المیثاق الفلسطینی" التی یمکن فهمها أو تفسیرها على أنَّها إنکار لحقِّ إسرائیل فی الوجود.

أمَّا رابین فأبلغ إلى عرفات، فی رسالته الجوابیة، أنَّ إسرائیل "تعترف بمنظمة التحریر الفلسطینیة ممثِّلاً للشعب الفلسطینی".

عرفات، وبصفة کونه رئیساً للمنظَّمة، اعترف بـ"حق إسرائیل فی العیش فی أمن وسلام"، ولم یعترف بإسرائیل على أنَّها "دولة یهودیة"، و"وطناً قومیاً للشعب الیهودی"، أی لم یعترف بأنْ لیس للشعب الفلسطینی من حق قومی أو تاریخی فی إقلیم الرابع من حزیران 1967 لدولة إسرائیل؛ أمَّا رابین فأعلن اعتراف إسرائیل بالمنظمة ممثِّلاً للشعب الفلسطینی؛ وهذا إنَّما یعنی أنَّ إسرائیل لم تعترف حتى الآن بأنَّ لهذا الشعب "حقوقاً قومیة "وتاریخیة""، ولو فی جزء ضئیل من أرض فلسطین، هو الضفة الغربیة وقطاع غزة، وبأنَّ هذه الحقوق یجب أن تُتَرْجَم بقیام دولة قومیة مستقلة له فی أراضیه التی احتلتها فی حرب حزیران 1967.

وکأنَّ نتنیاهو، فی "اقتراحه"، یخاطب الآن عباس قائلاً له: عرفات باعترافه بحق إسرائیل فی العیش فی أمن وسلام اشترى من رابین اعتراف إسرائیل بالمنظمة على أنَّها ممثِّل الشعب الفلسطینی؛ وعلیک أنْ تشتری منِّی دولة فلسطینیة بثمنٍ "غیر قابل للمساومة" هو اعترافک بإسرائیل على أنَّها "دولة یهودیة"، لا یحق للفلسطینیین، بعد ذلک، أن یزعموا أنَّ لهم، أو کان لهم، ولو نزراً من الحقوق القومیة فی إقلیمها "الذی ستُضمُّ إلیه، لا محالة، أراضٍ من الضفة الغربیة یترکَّز فیها الاستیطان الیهودی".

وإنَّ عبد ربه لا یحق له أبداً مخاطبة نتنیاهو کما خاطب الرب إبرام العبرانی قائلاً له: لنسلک أُعطی هذه الأرض..!

لو کان الأمر لا یتعدَّى تلبیة دعوة إدارة الرئیس أوباما الفلسطینیین إلى التقدُّم بـ"اقتراح مضاد" لقال عبد ربه الآتی: إنَّنا، وعملاً بقرارات الأمم المتحدة الخاصة بالقضیة الفلسطینیة، وبالنزاع التاریخی بین الطرفین، وبما لا یُرتِّب علینا مسؤولیة خرق وانتهاک هذه القرارات، والشرعیة الدولیة التی تحظى بها، نعترف بالدولة الیهودیة؛ فهل اعترف المجتمع الدولی بالدولة الیهودیة فی غیر قرار الأمم المتحدة الرقم 181؟!

وإذا کان نتنیاهو یرید لإسرائیل أن تکون دولة یهودیة خالصة "من الوجود العربی الفلسطینی" وأن یَضُمَّ إلى إقلیمها اراضٍ فلسطینیة من الضفة الغربیة یترکَّز فیها الاستیطان "الیهودی"، فإنَّ علیه أنْ یقبل، فی المقابل، ضَمَّ "عرب إسرائیل"، مع الأراضی التی فیها یترکَّز وجودهم الدیمغرافی، إلى إقلیم الدولة الفلسطینیة.

إذا التزم نتنیاهو حلاًّ نهائیاً کهذا فسوف تنتفی لدیه الحاجة عندئذٍ إلى مطالبة الفلسطینیین بالاعتراف بإسرائیل على أنَّها "دولة یهودیة"!

الشهر الذی أمهلته "لجنة مبادرة السلام العربیة" لإدارة الرئیس أوباما حتى "تشقَّ البحر بعصاها" یوشک أن ینفد وینتهی؛ وإنِّی لأقترح على تلک اللجنة، التی وعدت وتوعَّدت بما یشبه "الانتفاضة" الدبلوماسیة والسیاسیة العربیة، أنْ تکون طلقتها الأولى، أو حجرها الأول، على هیئة قرار تُعْلِن فیه الدول العربیة جمیعاً، وتؤکِّد، أنَّها لم تعترف قط، ولن تعترف أبداً، بإسرائیل على أنَّها "دولة یهودیة"، تخصُّ "الشعب الیهودی" فحسب، وأنَّ هذا الذی أعلنته وأکَّدته هو ما عَنَته وقصدته الدول العربیة جمیعاً إذ أبدت استعداداً، فی "مبادرة السلام العربیة"، للاعتراف بإسرائیل وتطبیع العلاقة معها؛ فهل یأتی "المُمْهِلون" بما یقیم الدلیل على أنَّهم لیسوا بـ"مُهْملین"؟!.

ن/25

 

 

 

 

 

 

 

 

 


| رمز الموضوع: 141463







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)