الاربعاء 16 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

بین یهودیة الدولة وتنازلاتنا المجانیة

بین یهودیة الدولة وتنازلاتنا المجانیة

 

زیاد ابوشاویش

 

المسألة حول هذا العنوان أثارت الکثیر من اللغط والتشنج بعد تصریحات یاسر عبد ربه التی تطوع فیها بقبول المطلب الإسرائیلی مقابل تحدید الدولة العبریة لحدودها النهائیة وانسحابها من الأرض التی احتلتها عام 1967.

اللافت أن ذات التصریحات أو مضمونها الذی ورد على لسان الرئیس الفلسطینی لم یحدث کل هذا الرفض وعلى الأخص من جانب حرکة فتح التی یقودها أبو مازن. المسألة لیست فی نفاق سیاسی یمارس وتدلیس یجب أن یتوقف بل فی الخطورة الشدیدة لمفهوم ومعنى یهودیة الدولة والتعاطی المستخف الذی یمارسه قادة فلسطینیون تجاه هذا العنوان، أبرزهم رئیس السلطة الذی یصرح صباح مساء أنه لا یمانع فی أن تسمی إسرائیل نفسها ما تشاء، وأن علیها اللجوء للأمم المتحدة للحصول على موافقتها، وهذا فی حد ذاته کلام أخطر بما لا یقاس من حدیث عبد ربه المرتبط بشرط الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطینی الذی تم رفضه جملة وتفصیلاً من الجمیع، ما أرغم المذکور على التنکر لتصریحاته ونفیها.

إن مسلسل التنازلات بدأ مع أوسلو، والطریقة التی قبلت بها القیادة المتنفذة فی منظمة التحریر تقسیم الحل على مراحل تتبع جولة من المفاوضات قد تمتد لعشر سنوات لکل مرحلة، وبالتالی فإن ما یدور الیوم على صعید کل قصة المفاوضات والاستیطان ویهودیة الدولة وکذلک الضمانات الأمریکیة الخطیرة للعدو الإسرائیلی إنما أتت نتاج عقلیة لا ترى سوى فی اتجاه واحد، بل أکثر من ذلک یمکن القول إنها جاءت لتعطی مصداقیة عالیة للتفسیر القائل بارتباط مصالح هؤلاء بتسویة تمنحهم سلطة شکلیة على الشعب الفلسطینی ومثلها على الجزء الذی ستتکرم به إسرائیل علینا وتنسحب منه حتى لو کان ذلک على حساب حقوق الشعب الفلسطینی التاریخیة والراهنة بما فیها انسحاب الإحتلال من الأرض المحتلة کلها.

القیادة الإسرائیلیة تعرف تماماً ماذا یعنی قبول المجتمع الدولی بیهودیة دولتهم، لکن الأهم فی اعتقادهم أن یعترف الفلسطینیون بذلک لأن هذا یعطیهم الفرصة کاملة لتشکیل فلسطین التاریخیة کما یرغبون، وبالتالی سیکون سهلاً تحقیق حلم الدولة الیهودیة على کل فلسطین، ولهذا سمعنا وتابعنا کیف یتم ربط کل عملیة السلام المزعوم بهذه المسألة من جانب الکیان الصهیونی.

لا یستطیع مسؤول فلسطینی أو عربی ادعاء الجهل بما ینطوی علیه المطلب الإسرائیلی بهذا الخصوص، ولذلک وجدنا ثورة عارمة ضد أمین سر اللجنة التنفیذیة للمنظمة حین تجرأ على التصریح بقبول الفکرة حتى لو تم ربطها بألف شرط، وهذا ما یجب أن یکون علیه الموقف تجاه هذا النوع من التصریحات التی تمس حق شعبنا الفلسطینی فی وطنه وحقه فی عودته إلیه.

إن من یغلق الطریق على الأجیال الفلسطینیة القادمة لاستکمال المسیرة لا بد أن یواجه بالنقد والتندید مهما علت قامته، ویهودیة الدولة لا تغلق هذا الطریق فقط بل تقضی کذلک على ما بقی لنا بشرعیة القانون الدولی والرأی العام العالمی.

فلسطین عربیة وهی وطن الشعب الفلسطینی التاریخی ولم یعرف الفلسطینیون وطناً آخر منذ فجر التاریخ والیهود کانوا طارئین وما یزالون کذلک، ولیس من الحصافة أن یصرح عبد ربه أو یتحدث عباس عن الدولة المغتصبة لحق الشعب الذی یفترض أنهم یمثلوه بهذا الشکل، وکأنها دولة صدیقة وجارة ولا تقتل شعبنا أو تحتل أرضنا، وأن یمنحوها برکة الإعتراف بحقها فی اقتلاع أهلنا من أرضهم داخل الخط الأخضر أو حرمان اللاجئین من حق العودة، ولیس صحیحاً أن الموضوع یتعلق بالحق فی تسمیة دولة الإغتصاب کما ترغب وأن هذه من خصوصیاتها کدولة مستقلة کما توحی کلمات محمود عباس، بل الأمر بخلاف هذا ویناقضه.

العرب منحوا أمریکا شهراً إضافیاً، وفی الحقیقة هم منحوا إسرائیل هذا الوقت، ونأتی نحن لنکمل الخناق على شعبنا وقضیتنا بقبول فکرة یهودیة الدولة، هذه الفکرة العنصریة والمدمرة.

یزعم المدافعون عن طریقة سلطة رام الله فی إدارة الصراع أن قیادتهم لم تفرط أو تتنازل عن الثوابت، ونسألهم إن کان الأمر کذلک لماذا وصلنا لهذا الدرک من الاستجداء ومن المطالب الإسرائیلیة المسنودة أمریکیاً والتی نناقشها بجدیة بما فیها یهودیة الدولة؟ وهل لو کنا صامدین ومتمسکین بالثوابت ستجرؤ إسرائیل على کل هذه السلوکیات والطلبات؟ وهل ستقدم أمریکا مثل الضمانات التی سمعناها جمیعاً؟ هل کانت دولة الاحتلال ستکون فی هذا الوضع المریح رغم جرائمها التی أدانها العالم لو کنا حقاً ندیر الصراع معها على قواعد راسخة وعلى برنامج الإجماع الوطنی؟!

لماذا لا یتوقف هؤلاء الإخوة عن خداع أنفسهم ویجربوا المواجهة ولو لمرة واحدة حیث سیجدون الشعب الفلسطینی معهم، وفی الحد الأدنى سیکسبون شرف المحاولة والمواجهة التی لا نریدها عسکریة کما یعتقدون، لکن بالحد الأدنى استثمار قدرات الشعب الفلسطینی وطاقته على الصمود والمقاومة بدل أن یخذلوه کما یفعلون الیوم.

ن/25

 


| رمز الموضوع: 141472







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)