الاربعاء 16 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

من مفاوضات سلام إلى وطن بدیل: الزحف نحو الحقیقة

من مفاوضات سلام إلى وطن بدیل: الزحف نحو الحقیقة

 لبیب قمحاوی

 

الوطن البدیل هو اصطلاح إسرائیلی وهو خیار إسرائیلی لم یولد من رحم أردنی أو فلسطینی أو عربی، وإنما من رحم صهیونی یرى فیه حلاً لجزء من المشکلة الإسرائیلیة على حساب الآخرین. وعلى الرغم من کل ذلک فقد ابتلعت الغالبیة الطعم الإسرائیلی. البعض یتهم الفلسطینیین بموضوع الوطن البدیل وکأنه مطلب فلسطینی، والفلسطینیون یدافعون عن أنفسهم من دون وعی منهم بأن هذا الدفاع یعزز الشکوک وراء الاتهام الخاطئ، والعرب لا یبالون وکأنهم فی منأى عن هذا وذاک، والإسرائیلیون یبتسمون لأن هذه المواقف تؤکد قناعات سابقة لدیهم بأنّ العرب أقسى على أنفسهم من قسوة أعدائهم علیهم. لماذا لا تُوَجَه أصابع الاتهام إلى العدو الحقیقی، صاحب الفکرة وصاحب المصلحة والمنتفع الوحید من تطبیق مقولة الوطن البدیل؟

أنا لا أتفق مع القائلین بأن الوطن البدیل هو وهم، بل هو خطر حقیقی نابع من الفکر الصهیونی ومن المصلحة الإسرائیلیة. وما ابتدأ کفکرة مجنونة متطرفة فی العقل الموتور لزئیف جابوتنسکی، أصبح الآن جزءاً من النوایا الخفیة للسیاسة التفاوضیة للحکومة الإسرائیلیة. وهذا بحد ذاته یتطلب من الفلسطینیین والأردنیین والعرب الانتقال من حالة التعامل مع النظریة إلى حالة التعامل مع الواقع السیاسی المرن أی الانتقال إلى دائرة الفعل بهدف التصدی لتلک السیاسات التی تشکل ترجمتها العملیة تهدیداً مباشراً وحقیقیاً لکل من الأردن وفلسطین. وبالتالی فإنّ توجیه البعض لأصابع الاتهام إلى الفلسطینیین بأنهم المستفیدون من فکرة الوطن البدیل، هو تبرئة للصهیونیة وإسرائیل ودعمٌ لها فی مسعاها لحل مشکلتها الدیموغرافیة. إنّ تبنی قلة من الأردنیین لمقولة انّ الخطر القادم على الأردن هو من الفلسطینیین تشویه للحقیقة ویشکل خطراً ماحقاً على الأردن ومستقبله، لأنه على الرغم من أی معاهدة سلام، فإنّ الخطر القادم هو من إسرائیل، وأنّ هذا الخطر سیصیب بالنتیجة جمیع الأردنیین بغض النظر عن أصولهم. وإذا کانت هذه هی الحقیقة، فإن المرء لا یملک إلا أن یتساءل لماذا اکتفت الأردن بإدانة مشروع الوطن البدیل؟ ولماذا لم تقم الدولة الأردنیة، التی تربطها معاهدة سلام مع إسرائیل، بإثارة هذا الموضوع مع الإسرائیلیین باعتباره أمراً یشکل خطراً على الأمن القومی الأردنی، وبالتالی یتعارض مع معاهدة السلام الأردنیة ـ الإسرائیلیة؟ ولماذا لم یطلب الأردن ضمانات من إسرائیل ونفیاً رسمیاً قاطعاً ومانعاً بأنّ إسرائیل لن تأخذ هذا المسار، وأنّ الوطن البدیل لن یکون أبداً ضمن الخیارات الإسرائیلیة؟

ولماذا لم تطلب الحکومة الأردنیة أن یقوم الکنیست الإسرائیلی بالتصویت على ذلک وبشکل یحمی الأردن من التقلبات السیاسیة للحکومات الإسرائیلیة المتعاقبة؟ وفی المقابل، لماذا لم تقم السلطة الفلسطینیة، التی تربطها بالمسؤولین الإسرائیلیین علاقات ود ومحبة، یتخللها العدید من القبلات والعناق عند کل لقاء، بالطلب من سلطات الاحتلال بأن تنفی رسمیاً وعلنیاً أنّ موضوع الوطن البدیل هو أحد الخیارات المطروحة فی الفکر الصهیونی والبرنامج السیاسی الإسرائیلی، کون هذا الخیار یتنافى مع مطالب ورقة التوت للسلطة الفلسطینیة ویتعارض معها، بل وینفیها جملةً وتفصیلاً ؟ لماذا ولماذا کل هذا وذاک؟

إنّ التقصیر الفلســـطینی الرســـمی والأردنی الرســــمی فی التصدی لموضوع الوطــــن البدیل یجــب أن لا تدفع ثمنه الشعوب. والأمور واضحة لمن یرید أن یراها، وغامضة لمن لا یرید أن یراها.

بدون مواربة، لا یوجد فلسطینی حر مستعد أن یقایض أرضه ووطنه بأی أرض عربیة أخرى، خدمة لإسرائیل وإنقاذاً لها من ورطتها. ومع کل الحب لکل أرض عربیة، وخصوصاً الأرض الأردنیة، وهی الظهیر والنصیر لفلسطین ولکل فلسطینی، فإنّ مبدأ الاستبدال غیر وارد فلسطینیاً على الإطلاق، لا طوعاً ولا کراهیة. وإذا کان الأمر کذلک فإنّ کل القوى الأردنیة والفلسطینیة مطالبة بأن تتحد لمجابهة هذا المشروع، وهو فی صلب العقیدة الإیدیولوجیة للحکومة الإسرائیلیة الحالیة، وأن تمتنع عن توجیه أصابع الاتهام فی الاتجاه الخاطئ.

الوطن البدیل کفکرة وکمشروع صهیونی لا یمکن تطبیقه بقوة السلاح، وإنما من خلال الولوج فی عملیة تفاوض مع العدو الإسرائیلی، تؤدی إلى الإذابة التدریجیة للحقوق الفلسطینیة، وتطویر حالة الضعف الفلسطینی والعربی العام إلى درجة اللاوعی والاستسلام الکامل لإرادة إسرائیل وأمریکا، وبشکل یجعل من الوطن البدیل الخیار الوحید المتبقی أمام الجمیع. فقضم الحقوق الفلسطینیة والثوابت الفلسطینیة قطعة قطعة وهضمها من خلال عملیة تفاوضیة متکررة تتمیز بالکر والفر، (الکر الإسرائیلی والفر الفلسطینی والعربی) حتى نصل إلى نقطة یکون فیها ظهرنا إلى الحائط ووجهنا إلى حائط آخر، ولا منفذ للجمیع إلا الخیار الإسرائیــــلی الوحید المطروح أمامنا ألا وهو الوطن البدیل.

إنّ مفاوضات السلام المستندة إلى ضعف فلسطینی وعربی عام ومتفاقم، یدفع الأمور باتجاه مزیـــد من التــــنازلات الفلســـطینیة والعربیة، مقابل آمال ووعود إسرائیلیة وهمیة وضبابیة، هی الطریق الأمثل لتحقیق مشروع الوطن البدیل الصهیونی. وهکذا، على کل فلسطینی وأردنی وعربی أن یتعامل مع مفاوضات السلام تلک باعتبارها خطراً أکیداً على مستقبل فلسطین والأردن. وأنّ کل من یزرع الضعف والتنازل یحصد الکارثة، شاء ذلک أم أبى.

إنّ القفز بین شعارات الوطن البدیل بأشکالها المختلفة من دولة حاضنة ودولة بدیلة إلى أراض ٍ مدارة هی مساع ٍ لا تخرج عن إطار ما ورد فی مقال جون بولتون (The Three -State Option) الذی یطرح مفهوم الوطن الأردنی الحاضن للأرض الفلسطینیة، عوضاً عن دولة فلسطینیة مستقلة فی الضفة الغربیة والقطاع. فبالنسبة لجون بولتون یوجد فقط ثلاث دول فی المنطقة، هی إسرائیل والأردن ومصر، ولا وجود لدولة أو حتى کیان فلسطینی. ومثل هذا التفکیر یبقى فی صلب الخیار الصهیونی المتمثل بوطن بدیل فی الأردن کحل نهائی وترجمة أمینة للمنظور الإسرائیلی للسلام فی المنطقة.

والوطن البدیل فی هذه الحالة قد تتم ترجمته تحت مسمیات مختلفة، ولکن المحتوى یبقى واحداً، والنتیجة تبقى واحدة. ومن یقرأ هذا الکلام ویفهمه، علیه أن یتصدى للمخطط الإسرائیلی الأمریکی من دون الالتفاف على ذلک من خلال البحث عن عدو بدیل، ومخرج بدیل.

إنّ وضع الرأس فی الرمال لا یخفی الحقیقة البشعة. وفکرة العدو البدیل لا تحل مشکلة وخطر مشروع الوطن البدیل، بل على العکس ستؤدی إلى تفاقمه. الفلسطینی لیس عدو الاردنی، والأردنی لیس عدو الفلسطینی، والاثنان لیسا أعداء أحد من العرب. إسرائیل هی عدو الفلسطینیین والأردنیین والعرب جمیعاً. وأی حدیث بعکس ذلک یصب مباشرة فی مصلحة العدو الإسرائیلی. والطریق إلى السلام النهائی والحقیقی معروفة، وهی عودة الحقوق کاملة غیر منقوصة إلى أصحابها الفلسطینیین.

إنّ کافة المسارات المطروحة أمام الفلسطینیین وأمام العالم العربی، فی ما یتعلق بالعدو الإسرائیلی تهدف إلى حل المشکلة الإسرائیلیة ولیس حل القضیة الفلسطینیة. وإذا عرفنا واعترفنا بذلک، فإنّ الکثیر من الألغاز والطلاسم تصبح واضحة کالشمس. فمفاوضات السلام منذ بدایاتها فی کامب دیفید ومن ثم مدرید ومن ثم أوسلو مروراً بباقی المحطات، وإلى یومنا هذا، وکما ثبت عملیاً، هی محطات على طریق حل المشکلة الإسرائیلیة وعلى طریق إذابة القضیة الفلسطینیة، وانتهاک ثوابتها حتى لا یبقى لها أثر یذکر. طریق السلام المبنی على الضعف هی طریق باتجاه واحد یؤدی إلى إسرائیل الکبرى، ومن یرى من العرب غیر ذلک فلیخرج علینا بما لدیه.

ن/25


| رمز الموضوع: 141473







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)