عندما تقاطع جنوب أفریقیا إسرائیل العنصریة
عندما تقاطع جنوب أفریقیا إسرائیل العنصریة
فایز رشید
من أشد من عانوا من العنصریة فی التاریخ المعاصر وممن ذاقوا ویلاتها، الجنوب إفریقیون، وممن ما زالوا یعانونها: شعبنا الفلسطینی، ولذلک یکون التضامن مع شعبنا ذا طعم آخر عندما یأتی من أولئک الذین عاشوا ظروفاً مشابهة فی بلدهم، وانتصروا فی معرکتهم الوطنیة، وقذفوا بالنظام العنصری الى مزابل التاریخ. ذلک الانتصار هو قدوة لشعبنا الفلسطینی الذی یکافح منذ قرن زمنی تقریباً ضد العنصریین الإسرائیلیین، ووفقاً لحتمیة التاریخ سیقذف أیضاً أعداءه الصهاینة إلى نفس مزابل التاریخ.
من بین أشد المناضلین لنظام الفصل العنصری فی جنوب أفریقیا ومن أشد المدافعین عن القضیة الفلسطینیة وحقوق شعبنا الوطنیة: المناضل الجنوب أفریقی رونی کاسریلز، وهو بالمناسبة من أصل أوروبی ویهودی الدیانة، اعتقل إبّان حکم الأبارتاید هو وزوجته، واضطر للتخفی بعد إطلاق سراحهما، وإلى مغادرة جنوب أفریقیا تهریباً، بقرار من الحزب الشیوعی المنتمیان إلیه.
کاسریلز شغل منصب وزیر فی حکومة جنوب أفریقیا السابقة إبّان حکم الرئیس تابو مبیکی، وهو کاتب معروف لیس على صعید بلده، وإنما على صعید أشمل وأعّم أیضا. زار قطاع غزة عندما کان وزیرا، تضامنا مع أهله، ورفض دعوة رسمیة لزیارة إسرائیل علنا فی تصریح صحفی له من غزة، أصدر العدید من الکتب التی تؤرخ لویلات نظام الفصل العنصری وآخرها عن نضالات زوجته والعذابات التی عانتها فی المعتقل، والتی توفیت منذ عام بمرض السرطان. وهو مدعو رسمیا لزیارة سوریا قریبا لإلقاء بعض المحاضرات فی عدد من جامعاتها.
کاسریلز هو ممن یکتبون المقالات السیاسیة فی جریدة الغاردیان البریطانیة، وآخرها فی التاسع والعشرین من سبتمبر الماضی، وکان بعنوان: جنوب أفریقیا تقاطع إسرائیل بسبب عنصریتها. قُدّر لی فی زیارتی مؤخراً إلى جنوب أفریقیا ومن خلال مساندین آخرین لقضیتنا عقد بعض اللقاءات معه، ومما قاله ومما لمسته شخصیا ومما کتبه فی مقالته المذکورة، أورد بعض المقاطع والأرقام من حجم التأیید للقضیة الفلسطینیة، الذی یتولى مسؤولیته هو والعدیدین من زملائه من خلال هیئات ومؤسسات عدیدة، جعلت همها وشغلها الشاغل تأیید القضیة الوطنیة للشعب الفلسطینی. المقال ترجمه إلى العربیة عبد الرحمن الحسینی ونشرته صحیفة الغد الأردنیة "أوائل أکتوبر الحالی".
لقد تعهد مؤخراً أکثر من 155 أکادیمیا فی عموم جنوب أفریقیا من أکثر من 13 جامعة فی بیان أصدروه ووقعوا علیه، بتقدیم دعمهم لمبادرة جامعة جوهانسبرغ الداعیة إلى وضع حد للتعاون مع إسرائیل. ومنذ ذلک الحین امتدت الحملة لتشمل 200 جهة داعمة لهذا الاقتراح، وفی غضون ذلک استقطبت المناشدة الأکادیمیة التی عمّت البلاد والداعیة إلى إلغاء اتفاقیة تعاون بین جامعة جوهانسبرغ وجامعة بن غوریون الإسرائیلیة لإجراء أبحاث فی صحراء النقب، اهتماماً واسع النطاق وبمصادقة أصوات لشخصیات جنوب أفریقیة معروفة، مما اضطر الناشطین إلى إصدار بیان جدید قالوا فیه: "إننا نقر کأکادیمین بأن تجری کافة نشاطاتنا الفکریة فی سیاقات اجتماعیة أضخم، وعلى نحو خاص فی مؤسسات ملتزمة بالتحول الاجتماعی وندعو کافة المؤسسات الجنوب أفریقیة إلى إعادة النظر فی العلاقات التی کانت قد تشکلت فی ظل حقبة الأبارتاید مع المؤسسات الأخرى التی غضت الطرف عن القمع العنصری فی اسرائیل، باعتبار هذا النشاط- ثقافیاً صرفاً- أو عملاً علمیاً.
وأوضح الناشطون: أن الجامعات الإسرائیلیة لیست مستهدفة بالمقاطعة بسبب هویتها الإثنیة أو الدینیة، وإنما لتواطئها مع النظام الإسرائیلی القائم على الفصل العنصری، ولقد أیدت جامعة بن غوریون کافة النشاطات الأسرائیلیة ضد الفلسطینیین، ونحن نمتلک الادلة على ذلک.
لقد وقفت أوساط شعبیة جنوب أفریقیة عدیدة مع شعبنا الفلسطینی فی صموده أمام العدوان الصهیونی الأخیر على غزة 2008- 2009 وأصدروا بیانات عدیدة وساروا بمظاهرة أمام السفارة الإسرائیلیة فی جنوب أفریقیا.
وقد أشاد الأکادیمیون بالتقریر الذی أصدره القاضی الجنوب أفریقی غولدستون، ورفعه إلى الأمم المتحدة، والذی تطرّق فیه إلى جرائم الحرب التی ارتکبتها إسرائیل فی ذلک العدوان، وما زالت ترتکبها بالحصار الظالم الذی تفرضه على القطاع للعام الرابع على التوالی.
وقال الأکادیمیون فی بیانهم "إن الموقف المبدئی للأکادیمیین فی جنوب أفریقیا والقاضی بالنأی بأنفسهم عن المؤسسات التی تدعم الاحتلال، هو انعکاس لحالات التقدم التی أنجزت على صعید تعریة النظام الإسرائیلی، من حیث إدانته بالتورط فی المشروع الکولونیالی غیر القانونی واللاأخلاقی".
من الجدیر ذکره، أن مجلس أبحاث العلوم الإنسانیة فی جنوب أفریقیا، قد أصدر استجابة لتحقیق کلفته به حکومة جنوب أفریقیا فی العام 2009، تقریراً یؤکد فیه "أن العنصریة البنیویة الیومیة، کما القمع الذی تفرضه إسرائیل أنما یؤسس لنظام فصل عنصری وکولونیالیة مشابهة لتلک التی أطرّت حیاة الناس فی جنوب أفریقیا سابقاً".
رد الفعل الحکومی الجنوب الأفریقی على مجزرة السفینة مرمرة، وبضغط من القوى والهیئات المساندة للشعب الفلسطینی، تمثّل فی استدعاء السفیر الإسرائیلی، وإصدار واحد من أقوى أشکال الإدانة الدبلوماسیة وتقدیمه للسفیر الإسرائیلی فی بریتوریا، وکان ذلک بمثابة تصریح قوی باعتراف حکومة جنوب أفریقیا بأن ممارسات إسرائیل تستحق مطلق الازدراء.
لقد دشنت الحملة الداعیة إلى مقاطعة إسرائیل وسحب الاستثمارات منها، وفرض العقوبات علیها، فی جنوب أفریقیا. وقد ألزمت النقابات العمالیة نفسها بدعم هذه الحملة، وعلى نحو خاص الإجراء الذی اتخذه اتحاد النقل والعمال المتحدون معه وعمال أحواض السفن فی وقت سابق من العام الماضی، برفض تنزیل السلع الإسرائیلیة فی میناء دیربان، وهو التزام تم تجدیده فی تموز "یولیو" من هذا العام.
أیضاً تقوم هذه القوى والهیئات بحملات کثیرة بحث المستهلک الجنوب أفریقی على مقاطعة البضائع الإسرائیلیة، ودشنت مؤخراً حملة جدیدة لمقاطعة أدوات التجمیل التی تنتجها شرکة"هافا" الإسرائیلیة من البحر المیت ، اضافة إلى الانضمام للحملة الدولیة،الداعیة إلى مقاطعة المنتجات الإسرائیلیة.
الحصیلة: إن قوى کثیرة على صعید العالم تؤید قضیة شعبنا العادلة، یبقى علینا مساندتها وتعمیق العلاقات معها لتصبح قوة تضاف إلى نضالنا العادل، وأن نخرج من دائرة "أسوأ المحامین عن أعدل القضایا".
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS