الاربعاء 16 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

إسرائیل تعبث بالأمن القومی الترکی

إسرائیل تعبث بالأمن القومی الترکی

مصطفى اللداوی

 

تأبى إسرائیل إلا أن تواصل أدوراها التآمریة فی حیاکة المؤامرات الخبیثة التی بدأتها الحرکة الصهیونیة بدایات القرن العشرین ضد الدولة العثمانیة، والتی أدت إلى إفلاس ترکیا، وسقوط دولة الخلافة، وإنهاء دورها کدولةٍ عظمى فی ذلک الوقت، وإزاحتها عن مسرح الحیاة السیاسیة الفاعلة، وذلک عقاباً للدولة العثمانیة على مواقفها من أحلام وأهداف الحرکة الصهیونیة، التی کانت تتطلع إلى الحصول على وعدٍ من الخلیفة بمنح الیهود وطناً قومیاً لهم فی فلسطین، ولما رفضت الآستانة تنفیذ أحلام آباء الحرکة الصهیونیة، وتمسکت بفلسطین أرضاً إسلامیة، التفوا متآمرین علیها، وعملوا بکل جهودهم لإضعافها من الداخل، وهزیمتها من الخارج، ووبذلوا جهوداً لإفلاس خزینتها، وإشاعة الفتن والخلافات بین صفوف مؤسساتها السیاسیة والعسکریة، وشغلوها فی الداخل عن سیاسات الدول الکبرى، التی کانت تخطط لتمزیق امبراطوریتها، والاستیلاء على دولها، والسیطرة على خیراتها، وقد کان للحرکة الصهیونیة ما أرادت، فسقطت دولة الخلافة، وانهارت الامبراطوریة الترکیة، وتمزق ملکها، ونهشت الدول الاستعماریة ولایاتها، ونهبت خیراتها، وصدر وعد بلفور الذی مهد لخلق دولةٍ للیهود فی فلسطین، ووقع سایکس وبیکو اتفاقیة التقسیم والتجزئة العربیة، التی صنعت الحدود، وفرقت بین الأخوة والأشقاء، وعقدت حیاة العرب إلى یومنا هذا.

والیوم تواصل الحرکة الصهیونیة، وقادة الدولة العبریة، التآمر على ترکیا، لإسقاط حکومتها، وإفساد الحیاة السیاسیة فیها، وإشاعة الفوضى والاضطراب فی البلاد، وتنشیط الحرکات الانفصالیة، ومدها بکل أسباب القوة والمنعة، لتمعن أکثر فی التخریب والإفساد، ولتمکنها من القیام بعملیاتٍ عسکریة، تفقد الأتراک أمنهم، وتشیع بینهم الخوف والهلع، وتبذل وسعها فی اشغال الجیش الترکی على الجبهات الحدودیة مع الأکراد، الأمر الذی کلف الجیش الترکی ضحایا فی صفوف جنوده، واعتداءاتٍ متکررة على عناصر الشرطة والأجهزة الأمنیة.

لن تتوقف الجهود الإسرائیلیة عن مواصلة التآمر على ترکیا، حکومة وجیشاً وشعباً، فقد انحازت ترکیا الدولة والشعب إلى جانب الشعب الفلسطینی، وانتصرت لقضیته، وأعلنت مظلومیة الشعب الفلسطینی، وکشفت عن عدوانیة الدولة العبریة، وفضحت اعتداءاتها المستمرة على الفلسطینیین ومقدساتهم، ورفضت منطق الصمت الدولی، الذی أعطى الإسرائیلیین الغطاء والفرصة لمواصلة اعتداءاتهم وظلمهم للشعب الفلسطینی، وأعلنت أنها ماضیة فی نصرة أهل غزة، وأنها لن تتوقف عن جهودها حتى یرفع عن قطاع غزة الحصار الإسرائیلی الظالم المفروض علیه، وبدأت فی أکبر حملةٍ دولیة لتعریة ممارسات الجیش الإسرائیلی، وفضح صورته الإعلامیة الزائفة، وباشرت فی محاکمة قادة الکیان الإسرائیلی بعد أن حملتهم مسؤولیة الاعتداء على أسطول الحریة الترکیة، الذی کان یحمل العلم الترکی، ویبحر فی المیاه الدولیة، وحملتهم المسؤولیة الکاملة تجاه قتل أبناءهم الذین کانوا على متن سفن قافلة الحریة.

وکشفت الحکومة الترکیة عن أدوارٍ مشبوهة تقوم بها الأجهزة الأمنیة الإسرائیلیة، التی تحاول أن تجعل من ترکیا ساحةً لتنفیذ مخططاتها ضد خصومها، ففضحت خیوط مؤامراتٍ انقلابیة، ومساعداتٍ إسرائیلیة، لمجموعاتٍ ترکیة، عسکریة نظامیة، وأخرى انفصالیة معارضة، لتمکینها من قلب نظام الحکم، والسیطرة على مقالید الحکم فی أنقره، وتنحیة حزب العدالة والتنمیة عن سدة الحیاة السیاسیة فی البلاد، وکشفت الحکومة الترکیة عن محاولاتٍ إسرائیلیة لاضعاف الاقتصاد الترکی وانهاکه، وهو الاقتصاد الذی أصبح ینتعش فی ظل حکومة العدالة والتنمیة بصورةٍ مضطردة، فدعا وزیر السیاحة الصهیونی ستاس میزخنیکوف الصهاینة إلى مقاطعة ترکیا کوجهة سیاحیة.

ودعا مسؤولون إسرائیلیون آخرون إلى منع ترکیا من الانضمام إلى الإتحاد الأوروبی، ومنعها من الاستفادة من امتیازات الأسواق الأوروبیة، فقامت الحکومة الترکیة التی کانت ترتبط قدیماً بعلاقاتٍ استراتیجیة مع الکیان الصهیونی، بإدراج اسم "إسرائیل" على القائمة الحمراء، کواحدةٍ من أخطر الدول التی تغذی الإرهاب فی ترکیا والمنطقة، وتهدد الأمن القومی للبلاد، وتعرض أمن ترکیا للخطر، وتهدد المواطنین الأتراک فی حیاتهم وأمنهم وممتلکاتهم، وأکد مجلس الأمن القومی الترکی خطورة "إسرائیل" على الأمن القومی الاستراتیجی الترکی، وأید إدراجها لأول مرة منذ العام 1949 ضمن "الکتاب الأحمر" أو الدستور السری، الذی یحدد الاستراتیجیات العریضة الترکیة الخارجیة والداخلیة للسنوات القادمة.

الحکومة الترکیة تدرک أنها باتت تدفع ثمن مواقفها من السیاسات الإسرائیلیة تجاه الشعب الفلسطینی، وأنها أصبحت فی دائرة الأهداف الإسرائیلیة والصهیونیة، الذین لن یألوا جهداً فی ثنی ترکیا عن سیاساتها الجدیدة، وسیعملون کل جهدهم لجر ترکیا إلى مربعاتها الأولى، وإعادتها إلى سیاستها السابقة المؤیدة لإسرائیل، والمدافعة عنها، والمتعاونة معها أمنیاً وعسکریاً واقتصادیاً وسیاسیاً، والحیلولة دون اقترابها أکثر من الدول العربیة والإسلامیة، وإلا فإن أیاماً صعبة ستواجه الأتراک، على المستویات الداخلیة الأمنیة والاقتصادیة، وعلى المستوى الدولی والأوروبی، وستعود البؤر الأمنیة التاریخیة إلى الثورة والانفجار من جدید، وستعود المسألة الأرمینیة، والخلافات الیونانیة، والأزمات الجورجیة، والخلافات القبرصیة، وستزداد المسافة بین ترکیا وأوروبا.

وستبتعد ترکیا أکثر عن الشراکة الأروبیة، وستبدأ محاولاتها عزلها وتصنیفها، وقد بدأت الحرکة الصهیونیة فی مختلف المحافل الدولیة فی تشویه صورة ترکیا، وأخذوا یتعرضون لسیاساتها بالنقد والتجریح، وتصنیف حکومتها بالإسلامیة المتطرفة، وأنها تبنی علاقاتٍ جدیدة فی المنطقة على حساب المصالح الغربیة والأمریکیة، ومؤامراتٌ أخرى کثیرة ستصنعها الحرکة الصهیونیة لترکیا، عقاباً لها، ومحاولةً لجرها واستعادتها من جدید، إدراکاً منها لأهمیة دورها، وقوة نفوذها، وأثرها على مستقبل الصراع فی المنطقة، إذ ستکون إسرائیل هی الخاسر الأکبر بعودة ترکیا إلى مواقعها التاریخیة والحضاریة.

ن/25

 

 


| رمز الموضوع: 141488







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)