لیس ثمّة سلاح حربی یمکن حظره
لیس ثمّة سلاح حربی یمکن حظره
نصر شمالی
تواصل حکومة الولایات المتحدة حملتها الواسعة النطاق لضبط التسلّح، وللحدّ من انتشار بعض أنواعه، خاصة النووی. غیر أنّ هذا الهدف المعلن للحملة لا یتفق أبداً مع الممارسات على أرض الواقع الدولی، حیث یبدو الأمریکیون کأنّما هم یرغبون حقاً فی انتشار التسلّح بما فیه النووی، وذلک تبریراً للمضی فی تطویر إنتاجهم الحربی الذی یشکّل فرعاً رئیساً من فروع اقتصادهم.
إنّ الإنتاج الحربی الأمریکی العملاق یحتاج إلى الحروب، وإنّ الحدّ من انتشار التسلّح یعنی الحدّ من انتشار الحروب، بل انتفاءها، الأمر الذی یستدعی انتفاء أسباب نشوبها، بینما حکام الولایات المتحدة الحقیقیون، غیر المعلنین رسمیاً، یرسمون السیاسات الحربیة، ویفتعلون الحروب، استجابة لمتطلبات فرعهم الإنتـــاجی الحربی، الذی یحقق لهم أرباحاً خرافیة من جــــهة، ویمکّنهم من إحکام سیطرتهم على العالم فی جمیع میادین حیاته من جهة أخرى، ویجب أن لا تفوتنا رؤیة نشاطهم فی الانتخابات الأمریکیة النیابیة الحالیة، المقنّعة بأقنعة الدیمقراطیة والشای والقهوة.
فی المؤتمر الذی عقدته الوکالة الدولیة للطاقة فی فیینا قبل أیام (1/11/2010) قال المندوب الإیرانی علی أصغر سلطانیة، انّ بلاده لن تستطیع التنافس مع القوى النوویة الکبرى فی العالم فی میدان امتلاک الرؤوس النوویة الحربیة. وقال سلطانیة انّ امتلاک إیران لأسلحة نوویة سیشکّل خللاً فی علاقتها مع هذه الدول، ولذلک هی لن ترتکب أبداً مثل هذا الخطأ الاستراتیجی. لکنّه أضاف: 'نحن فی مستوى قوة هذه الدول النوویة من دون أن نمتلک أسلحة نوویة'.
إنّ تصریح المندوب الإیرانی عظیم الأهمیة وعمیق المعنى والدلالة. وقد سارع وزیر الخارجیة الأسترالی السابق غاریث إیفانز، المعروف بمعارضته للحروب، إلى القول انّه یجب أخذ الموقف الإیرانی على محمل الجدّ عندما یؤکد الإیرانیون أنهم لن یتسلّحوا نوویاً، مضیفاً أنّ هناک عدداً من الأسباب التی تدفع إلى الاعتقاد بأنّ إیران لن تقوم بتصنیع الأسلحة النوویة، التی ستملک قریباً القدرة على إنتاجها.
غیر أنّ التصریح الإیرانی، وقد سبقته تصریحات مماثلة فی طهران أکثر أهمیة وعلى مستویات أعلى، لن یلقى أذناً صاغیة فی واشنطن، التی سوف یصرّ حکامها على تردید اتهاماتهم ذاتها وعلى المضی فی محاصرتها وفی التعبئة الحربیة ضدّها، لماذا؟ لأنّ إیران متمرّدة على الهیمنة الأمریکیة ومحصنّة فی مواجهتها عن جدارة، فهی فی مستوى قوة الدول النوویة من دون أسلحة نوویة فعلاً، کما صرّح مندوبها لوکالة الطاقة، بحیث یغدو دخولها میدان السباق النووی الحربی خطأ استراتیجیاً. إنه خطأ أخلاقی واقتصادی وحربی وسیاسی، لیس فی مصلحتها حقاً.
من أجل تطویر صناعة الأسلحة، ومن أجل توسیع دائرة التسلح، احتاج الاحتکاریون الأمریکیون دائماً إلى الذریعة، أی إلى تهدید ملموس. وعلى مدى عقود من السنین بدا أنّ دور 'التهدید الملموس' مفصّل للاتحاد السوفییتی تفصیلاً. ثمّ زال الاتحاد السوفییتی، من دون أن تفعل قنابله النوویة أیّ شیء لمنع زواله. وبعد ذلک استمرّت الحاجة الأمریکیة إلى خصم نووی یستجیب بردّ فعل مناسب فی الزمن المناسب، فإن لم یوجد مثل هذا الخصم فلا بدّ من إیجاده ولو باختراعه. هذا ما جرى للعراق قبل احتلاله، وما یجری مع إیران الآن. إنّ حدثاً ما، لا على التعیین، ینتظر الأمریکیون وقوعه کی تتوالى تلقائیاً سلسلة من ردود الأفعال. إنّ وضعهم فی تأهّبهم یشبه وضع کلاب الحراسة الرابضة فی انتظار أیة ذریعة کی تنبح وتعضّ وتقتل، کما فعلت بالعراق. وعلى هذا الأساس ینبغی تقدیر أهمیة تصریح مندوب إیران إلى وکالة الطاقة.
فی العام 1980، حین أعلن الأمریکیون الافتراض الرسمی بتعاظم التهدید السوفییتی، وهو کان مجرّد افتراض، رفع الرئیس ریغان النفقات العسکریة إلى 385 ملیار دولار (بأسعار ذلک الزمن) فغمرت السعادة الآلاف من أصحاب العروض التجاریة، خاصة خمسة آلاف من متعهّدی وزارة الدفاع. وبالفعل أعطى البنتاغون على الفور، وکبدایة، عقوداً قیمتها 48 ملیاراً، نالت منها ستّ شرکات أکثر من 16 ملیاراً، وهی: جنرال دینامیک، ومکدونال دوغلاس، والتکنولوجیات المتحدة، وبوینغ، وجنرال الکتریک، ولوکهید، وقد أعطیت 90 بالمئة من تلک العقود، على مدى السنوات التالیة، من دون مناقصات أو منافسات، وفی ظروف تکتنفها السریة وکیف لا والشرکات هی التی ترسم سیاسة الحکومة، ولیس العکس کما یتوهّم البعض
وجدیر بالذکر أنّ صناعة الأسلحة متلافة بطبیعتها، فهی تستهلک الکثیر، فتستولی مثلاً، على 14 بالمئة من مجموع إنتاج البوکسیت المستخدم لصناعة الألمنیوم، وعلى أکثر من 13 بالمئة من النحاس، وعلى 11 بالمئة من الحدید، والزنک..الخ، وینبغی علینا الانتباه فوراً إلى ما یترتّب على ذلک من مؤامرات وصراعات وحروب فی البلدان الکثیرة البائسة التی تتوفّر فیها مثل هذه المواد الاستراتیجیة بکمیات تجاریة، کذلک جدیر بالذکر أنّه، حتى الأمس القریب، کانت تکالیف الإنتاج الحربی والاشتباکات الحربیة (دولیاً) تزید عن 432 دولاراً فی الدقیقة الواحدة نعم، فی الدقیقة الواحدة فکم ارتفع هذا الرقم الیوم یا ترى؟
فی هذا النظام العالمی/الدولی الفاسد، الذی تعطّل العمل حتى بقوانینه هو بالذات، لیس هناک من سلاح یمکن حظره، لأنّ الإدارة الرأسمالیة الشایلوکیة جعلت من حظر أیّ سلاح فی أیّ مکان أمراً مستحیلاً، ولأنّها ترید ذلک بالضبط، بینما هی تتظاهر بالعکس إنها ترید أن تنتج إیران وغیرها أسلحة حربیة نوویة، على أن لا تخرج العملیة عن نطاق سیطرتها المسبقة، کی تمتلک الذریعة لتدمیر إنتاجها السلمی المستقلّ وتدمیر مقاومتها الطبیعیة المشروعة المجدیة.
إنّ الحدّ من انتشار الأسلحة ووضع حدّ لانتشار الحروب (الغامضة الدوافع والأهداف لمن لا یرى الاحتکارات الرأسمالیة خلفها) لیسا بالتأکید مهمة الاحتکارات العنصریة الصهیونیة، بل مهمة الأمم وممثلیها المخلصین الصادقین، الذین لن یتردّدوا فی خوض حروب المقاومة العادلة من أجل استئصال الأسباب الحقیقیة للحروب الظالمة، أی من أجل تغییر العالم، بتغییر بناه الاحتکاریة الفوقیة وعلاقاته الفاسدة.
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS