الاربعاء 16 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

أوباما یعترف!!

أوباما یعترف!!

 

عبد اللطیف مهنا

 

قبل عامین لا أکثر، تصادف أن شاءت المؤسسة الأمریکیة تغییراً، أو هی أرادت أن توحی به. کانت ترى فی هذا ما هو فی حکم الضرورة، وکان مما یدفعها إلیه واقعان لا یُحتملان فی نظر الشارع الأمریکی. أحدهما داخلی وله الأولویة، وثانیهما خارجی یلیه فی الأهمیة. الداخلی، کان المتعلق بالأزمة الاقتصادیة المتفاقمة والتی عمقتها نفقات غزوات بوش الاستباقیة وحروبه الکونیة الهوجاء التی اتسعت ساحتها لتشمل أربع جهات الکون، والتی یشنها على عدوه اللامرئی المسمى الإرهاب. والخارجی، حیث إن حروب بوش وسیاسات محافظیه الجدد ذات السمة الملتاثة بالجموح الإمبراطوری، والمفتونة بعضلات القوة الأعظم الهائلة، والتی یفقدها اتزانها غرور الأحادیة القطبیة ذات الأذرعة التکنولوجیة الفتاکة والمسلحة بآلة دمارها المتطورة، قد زادت صورة الولایات المتحدة الکونیة التی لم یفارقها قبحها یوما، قبحا مضافاً، فی نظر عالم أرعبه مثل هذا الجموح والعتو، واستفزه ما ارتکبته تلک الإدارة من حماقات، وما ألحقت به، أو ما تنذره بها من ویلات.

جاء ذلک التغییر المنشود بباراک أوباما إلى السلطة، وأسکن أمریکیاً أسود لأول مرة فی البیت الأبیض، وکان أن فتن هذا، وهو الخطیب المفوّه الذی یحسن توظیف بلاغته وبراعته المشهود له بها فی العلاقات العامة أیما إحسان، عالماً ضاق ذرعاً بسلفه، فبنى الحالمون فیه على القادم آمالاً تغییریة عظاماً عسى أن تنال برکاتها جنباته، وفیما یتعلق بنا فی هذه المنطقة، حلم الحالمون من عرب التسویة، وفی المقدمة منهم الواهمون من "دعاة المفاوضات حیاة"، وإجمالاً، سائر عشاق "السلام خیاراً استراتیجیاً وحیداً"... حتى تصفیة القضیة الفلسطینیة، وکافة مستمرئی الخضوع التام للمشیئة الأمریکیة ووکیلها الإسرائیلی فی المنطقة... حلموا بلبن وعسل أوباما السلامی الموعود، وأدار رؤوسهم خطابه الشهیر فی جامعة القاهرة.

قلنا یومها، إن المؤسسة شاءت التغییر فجاءت بالرجل المطلوب إلى المکتب البیضاوی ولم یأت هو لیغیّر. واقتصرت مشیئتها التغییریة على مجرد تغییر لون وجه الإدارة ولیس سیاسات أو استراتیجیات الولایات المتحدة الأمریکیة. وکان هناک أسابیع من الحکایات الأوباماویة ومشاهد من الطلات الإعلامیة الواعدة، حیث کثرت التحلیلات وبولغ فی التوقعات، وانشغل العالم بأیام أوباماویة مسلیة، أعقبتها شهور اتسمت بقعقعة لم تسفر عن طحن، وأکمل عهد التغییر الموعود عامین أعجفین من عمره انتهیا البارحة... الاقتصاد الأمریکی المأزوم لا زال فی قاع أزمته التی تشیر الدلائل على أنها قد تتعمق ولا ثمة ما یشیر إلى اقتراب انتشاله منها، على الأقل فی المدى المنظور وحتى ما بعده.

کما أن حربا بوش، أو ورطتاه الأفغانیة والعراقیة تتواصلان.. فی أفغانستان، الهزیمة قاب قوسین أو أدنى على الرغم من اجتهادات الجنرال بترایوس وزملائه الأطلسیین الدمویة. وفی العراق، لم یزد أوباما على مواصلة تنفیذ خطة بوش للخروج من العراق وضمان البقاء فیه. أما حروب بوش الکونیة على الإرهاب، فتعاظمت وزادت کلفتها واتسعت مساحتها وتعددت ساحاتها، فأضیفت إلى الساحة الأفغانیة جارتها الباکستانیة، ولهاتین الیمنیة، ولا ننسى الصومالیة، وذاک الذی یجری فی الصحراء الکبرى... وآخر تجلیات هذه الحروب الطرود المفخخة العابرة للقارات!

المؤسسة لم تصبر على رجل تغییرها أکثر من هذین العامین بخسی المردود، فأعدت له حفلات شایها، وسنت له أنیاب محافظیها الطامحین فی العودة إلى واشنطن خفافاً.. أسفرت الولایات المتحدة عن وجهها الأصیل الموصوف آنفاً. عاد الجمهوریون إلى الکونغرس فیما تسمى الانتخابات النصفیة. عادوا لیسلبوا الدیمقراطیین ستین مقعداً فی مجلس النواب، ولیقلصوا الغالبیة الدیمقراطیة فی مجلس الشیوخ بستة مقاعد. کما ربحوا خمسمائة مقعد تقریباً فی برلمانات الولایات، وسیطروا تماماً على خمسة برلمانات منها.. وأکدت حرکة "حفلة الشای" المتطرفة وجودها فی الساحة السیاسیة بدخولها الکونغرس.

وحیث عاد الجمهوریون إلى الکونغرس هذه العودة وتصدروه، أقر أوباما بالهزیمة التی تجرعها الدیمقراطیون وذاق هو صابها، بمسؤولیته عنها. کان السبب عنده لمثل هذه "الهزیمة القاسیة" هو الإحباط الشدید الذی یشعر به الأمریکان إزاء الأوضاع الاقتصادیة، واعترف الواعد بالتغییر، الذی ربما بدأت المؤسسة من الآن فی الإعداد لاستبداله بسارة بیلین بعد عامین من الآن ینتهیان بانتهاء فترة رئاسته الأولى التی مضى نصفها... اعترف: أننا قد "نفقد أحیاناً أثر الطرق التی ربطتنا بالناس الذین أوصلونا إلى هنا "البیت الأبیض" أصلاً"..!

کان فی خطابه نغمة اعتذار وتسلیم بعجز وإعلان عن تراجع وانکفاء عن أحلام وأوهام وسیاسات ووعود سبقه ضجیجها إلى البیت الأبیض.. وتلمیح یساوی التصریح باستعداد لمراجعتها والمساومة علیها، وفیه اعترف الرجل ضمناً بضعفه أمام المؤسسة التی جاءت به کما جاءت بسواه ممن قطنوا أو سیقطنون البیت الأبیض والذین یذهبون عادة بعد أربع أو ثمانی سنوات، وتظل هذه المؤسسة مع ثوابتها وخطوطها الحمر، هذه التی فی مقدمتها دائماً الإسرائیلیة من حیث الأهمیة، والتی تظل السبّاقة حتى على الأمریکیة.

المؤسسة التی إن غیرت لون بشرتها احتفظت بما تحت جلدها، هذا الذی إن شاءت فهی تستبدله عند الضرورة کما تستبدل الأفعى جلدها... کان اعترافاً منه بعجز وتسلیم بعدم القدرة والرغبة فی مواجهتها.

اعتراف أوباما بالهزیمة جعل المنتشین بالفوز لهزیمته لا یکتمون بهجتهم وحتى شماتتهم. فی إسرائل قال قائلهم: "إن نتیجة الانتخابات ساهمت دون شک فی تقویة العنصر الموالی لإسرائیل فی الولایات المتحدة بشکل عام". وفی الولایات المتحدة نفسها، قال المتحدث السابق باسم البیت الأبیض آری فیشر: إن "سیطرة الجمهوریین على المجلس خبر رائع بالنسبة لإسرائیل ومناصریها.

قیادة المجلس وکل أعضاء الحزب الجمهوری تقریباً یقفون وراء إسرائیل بصلابة الصخر". والسؤال، وحتى لو لم یسیطر الجمهوریون على الکونغرس، فمتى کان هذا المجلس، أدیمقراطیاً کان أم جمهوریاً، لا یقف وراء إسرائیل؟! بل وما الفارق بین باراک أوباما وبوش أو سارة بیلین بالنسبة لقضایانا نحن العرب والمواقف الأمریکیة منها؟ وهل من اختلاف جوهری بین مواقف الثلاثة المعهودة وراء إسرائیل؟!

هذه الانتخابات النصفیة الأمریکیة، وبغض النظر عن نتیجة الانتخابات غیر النصفیة القادمة التی تؤشر هذه النصفیة الأخیرة سلفاً علیها، تکشف عبر الخمسة بالمائة من المقاعد التی حصل علیها تیار "حفلة الشای" المتطرف عن تحوّل نحو المزید من العنصریة فی المجتمع الأمریکی، والتی سوف تتعاظم بتعاظم اهتزاز الموقع الإمبراطوری الأمریکی فی العالم، ولسوف تکشف ارتدادات هذا الاهتزاز الانحداری فی الداخل الأمریکی لنا عن المزید من هذا التحوّل، الأمر الذی سینعکس لا محالة على السیاسات الأمریکیة الکونیة ویزیدها تخبطاً، وسیکون بالنسبة لنا کعرب أکثر عدائیة والأکثر دعماً لأعدائنا...

جاء فی استفتاء لمؤسسة جیمس زعبی المعروفة، إن مواقف الجمهوریین هی سلبیة بالنسبة للعرب بنسبة ستین فی المائة، وللمسلمین بنسبة خمسة وثمانین بالمائة... بعد عامین قد تغیر أمریکا مرة أخرى لون وجهها القبیح ولیس سیاساتها أو استراتیجیاتها، وهی إن استبدلت سمرة أوباما بشقرة بیلین أو لم تفعل فستظل سحنتها الأقرب إلى سحنة نتنیاهو!.

ن/25

 

 

| رمز الموضوع: 141495







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)