إسرائیل عاجزة عن تدمیر النووی الإیرانی

 إسرائیل عاجزة عن تدمیر النووی الإیرانی

زهیر أندراوس

فی مقال نُشر یوم الـ17 من شهر تشرین الثانی (نوفمبر) الجاری فی صحیفة (واشنطن بوست) الأمریکیة قالت هیلاری کلینتون، وزیرة الخارجیة ، وروبرت غیتس، وزیر الدفاع، فی إدارة الرئیس، باراک أوباما، إنّ التوقیع على اتفاقیة ستارت الجدیدة مع روسیا لن تحد من قدرات الولایات المتحدة على تطویر ونشر أکثر الصواریخ الدفاعیة فاعلیة لحمایة القوات والأراضی الأمریکیة، وتعزیز أمن الحلفاء والشرکاء. وهذه الإدارة ملتزمة بدعم وتطویر القدرات الدفاعیة للصواریخ الأمریکیة، واقترحت إنفاق ما یقرب من 10 ملیارات دولار لهذا الغرض فی میزانیة عام 2011. وأضافا أنّ الاتفاقیة لن تحد من قدرة واشنطن على تحدیث قواتها النوویة، بل على العکس، ستواصل الحفاظ على رادع نووی قوی قائم على نظام التسلیم الثلاثی: الصواریخ البالیستیة العابرة للقارات والصواریخ البالیستیة التی تطلق من على متن الغواصات، والقنابل الثقیلة للأسلحة النوویة، ولدعم وتحدیث هذه الأسلحة اقترحت الإدارة إنفاق 100 ملیار دولار خلال العقد الماضی. کما أکدا على أنّ الاتفاقیة ستسمح لأمریکا بالقیام بالاستثمارات التی تحتاجها لصیانة وتأمین مخزون نووی فاعل، وقد اقترحت الإدارة الحالیة إنفاق 7 ملیارات دولار لهذا الغرض فی میزانیة العام الحالی، وأکثر من 80 ملیار دولار على تحدیث مجمع الأسلحة النوویة خلال العقد القادم، وبحسبها فقد اقترحت الإدارة الحالیة إنفاق أکثر من 180 ملیار دولار على البنیة التحتیة التی تدعم الأسلحة النوویة الأمریکیة ووسائل صیانته، کما کشفا النقاب عن أنّ اتفاقیة (ستارت 3) الجدیدة لن تحد من القدرة على تطویر أو نشر أکثر القدرات التقلیدیة الممکنة فعالیة، ومن بینها نظام الانقضاض القادر على ضرب هدف فی أی مکان على سطح الأرض فی أقل من ساعة.

الأرقام مذهلة، النوایا خطیرة والأهداف مُدمّرة، والمبالغ التی تخصصها الإدارة الحالیّة لتطویر أسلحة الدمار الشامل تعکس وجهة النظر الأمنیة فی واشنطن والتی تعتمد على القوة المفرطة لفرض الأجندة السیاسیة التی تتماشى مع مصالحها فی جمیع أصقاع العالم، وقبل سبر أغوار هذا التطور، لا بدّ من التوقف حول تعریف التوازن النووی. فما إن اخترعت أمریکا القنبلة الذریة، واستخدمتها عام 1945، حتى لحق الاتحاد السوفییتی بها فی عام 1949. ثم تتابع تطویر السلاح النووی وتراکمه واختراع وسائل نقله وإطلاقه مثل الصواریخ وغیرها لدى هاتین الدولتین وغیرهما من القوى العظمى، حتى اشتد التنافس بین النظامین العالمیین: الرأسمالی والشیوعی. أحدث السلاح النووی شعوراً بالرعب لدى مختلف شعوب العالم، وأجمع معظم الاستراتیجیین ورجال السیاسة فی العالم على أن استخدام السلاح النووی سیکون کارثة عالمیة شاملة، فهو فی منزلة الانتحار المتبادل، ولن یکون هناک غالب ومغلوب، وإنما دمار شامل وقتل غیر محدود للإنسان والحضارةK من هنا نشأ رعب متبادل، اصطلح على تسمیته توازن الرعب النووی

ومن العام إلى الخاص، ومن النظری إلى العملی: لا حاجة للتذکیر بأنّ الولایات المتحدة تدعم إسرائیل بشکلٍ مطلقٍ وتزودها بأحدث الأسلحة وأکثرها تطورًا لضمان تفوقها عسکریًا فی منطقة الشرق الأوسط، والقنابل الذکیة التی ستحصل علیها تل أبیب قریبًا من حلیفتها أمریکا وطائرات F 35 (الشبح)، التی یستعملها الجیش الأمریکی فقط، هی أکبر مثال على أنّ ما یُسمى بالخلافات الأمریکیة الإسرائیلیة حول ما اصطلح على تسمیتها بالعملیة السلمیة بین تل أبیب والسلطة الفلسطینیة فی رام الله المحتلة، ما هی إلا مسرحیة هزلیة معدّة للاستهلاک المحلی فی أحسن الأحوال، ویمکن اعتبارها خلافات تکتیکیة بین حلیفین إستراتیجیین، یمکن حلها بعد ابتزاز الطرف الضعیف، أیْ الفلسطینیین، والسؤال الأخطر الذی یجب طرحه فی هذه العجالة: أمریکا ستقوم بمنح إسرائیل 20 طائرة من طراز F 35 کهدیة مقابل موافقة الأخیرة على تجمید النشاط الاستیطانی الجزئی فی الضفة الغربیّة المحتلة لمدة تسعین یومًا، وبالتالی فی حال موافقة تل أبیب على إقامة دویلة الباستونات الفلسطینیة، المنزوعة من الأسلحة فی الضفة الغربیّة المحتلة، فماذا ستکون الهدیة التی ستُقدّمها أمریکا لإسرائیل لقاء هذا 'التنازل التاریخی'؟

کما ذکرنا أنفًا فإنّ أمریکا تخصص 180 ملیار دولار لتطویر أسلحتها النوویة، ولا نعرف ما هو نصیب إسرائیل من هذا المبلغ، فی ما رصدت ربیبتها، الدولة العبریة، فی میزانیتها للسنة القادمة، والمسماة إسرائیلیًا بسنة الحسم، مبلغ 18 ملیار دولار للمؤسسة العسکریة (الجیش ووزارة الأمن)، وهذا المبلغ بالمناسبة یعادل ثلاثة أضعاف میزانیة الأردن وضعفی میزانیة لبنان، وبحسب المصادر الأجنبیة فإنّ دولة الاحتلال هی الدولة الوحیدة فی الشرق الأوسط التی تملک الأسلحة غیر التقلیدیة، ووفق المصادر عینها فإنّ ترسانة إسرائیل النوویة تصل إلى 300 رأس نووی، وهنا یطفو على السطح التصریح الذی کان أطلقه وزیر الأمن الإسرائیلی، إیهود باراک، والذی وُجّه لصنًاع القرار فی طهران: إذا تجرأت إیران على توجیه ضربةٍ عسکریةٍ للدولة العبریة، قال باراک، فإننّا سنرد بقوة وسنُعید هذه الدولة آلاف السنین إلى الوراء، ولن یبقى فیها، أیْ فی إیران، من یحصی عدد القتلى والجرحى. ونحن نمیل إلى الترجیح بأنّ الدولة العبریة تملک جمیع عناصر القوة: الدعم الأمریکی غیر المحدود، التکنولوجیا المتطورة فی إسرائیل، والترسانة النوویة التی تملکها، هذه العناصر مجتمعة وکلٌ على حدة کفیلة بضمان توازن الرعب، ولکن الخطر یکمن فی أنْ تُقدم تل أبیب على مغامرةٍ عسکریة لتدمیر البرنامج النووی الإیرانی، مع أنّ البروفیسور إفراییم أسکولای، الذی شغل على مدار أربعین عامًا منصب رئیس لجنة الطاقة النوویة الإسرائیلیة، أکد فی دراسةٍ جدیدةٍ نشرها مؤخرًا مرکز دراسات الأمن القومی، التابع لجامعة تل أبیب، على أنّ إسرائیل غیر قادرة لوحدها على تدمیر البرنامج النووی الإیرانی، مضافًا إلى ذلک یجب أنْ نأخذ على محمل الجد عاملین مهمین للغایة: الأول، أنّه فی الحرب النوویة لن یکون لا غالب ولا مغلوب، والعامل الثانی، هو أنّ العمق الإسرائیلی بات مهددًا، باعتراف تل أبیب، من الصواریخ الإیرانیة والسوریة وصواریخ حزب الله، التی تصل إلى مفاعل دیمونا، وصواریخ حماس، القادرة على شل منطقة غوش دان، مرکز عصب الدولة العبریة. وللتدلیل فقط على ضعف الجبهة الداخلیة فی إسرائیل نُذّکر بأنّه قبل عدّة أسابیع تطرقت القناة الأولى الإسرائیلیة، للتهدیدات المحدقة بمنطقة حیفا، بسبب تواجد عددٍ کبیرٍ من المصانع الکیماویة، حیث قال رئیس بلدیة حیفا، إنّ تعرض منطقة حیفا لصواریخ العدو ستجلب کارثة وفق کل المقاییس والمعاییر، وبالتالی نأمل أنْ تکون رسالته، غیر القابلة للتأویل، بمثابة رادعٍ لحکام تل أبیب، لأنّ على هذه الأرض ما یستحق الحیاة.

ن/25