الاربعاء 16 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

غزة رهینة عملیة السلام

 

غزة رهینة عملیة السلام

 

نقولا ناصر

 

عندما أطلقت إدارة باراک أوباما الأمیرکیة "المفاوضات المباشرة" بین رئاسة منظمة التحریر الفلسطینیة وبین دولة الاحتلال الإسرائیلی أوائل أیلول/ سبتمبر الماضی، کتب خالد أبو طعمة "17/9" یقول إن الولایات المتحدة "تبدو وقد نسیت تماما قطاع غزة. وربما تدفن واشنطن عمدا رأسها فی الرمال"، "ربما أملا فی أن تدفع صفقة سلام "یتم التوصل إلیها" حماس وسکان قطاع غزة إلى السعی لصفقة مماثلة"، وتساءل عما إذا کان باراک أوباما وهیلاری کلینتون قد فکرا فی ما إذا کان الرئیس الفلسطینی، محمود عباس، سیکون قادرا فی أی وقت على تنفیذ أی اتفاق للسلام فی قطاع غزة، لیخلص إلى الاستنتاج بأن "المفاوضین الفلسطینیین والإسرائیلیین وراعیهم الأمیرکی ما زالوا یتجاهلون الحقائق على الأرض" وبأنه سیکون "من المفید أکثر لعملیة السلام لو أن واشنطن طالبت بأن یجد عباس حلا للانقسام بین الضفة الغربیة وبین قطاع غزة قبل جره إلى طاولة التفاوض".

وبغض النظر عن کون أبو طعمة یعمل مراسلا لإحدى صحف دولة الاحتلال "الجروزالم بوست"، فإنه قد أوضح تماما بأن إنهاء الانقسام الفلسطینی الجغرافی والسیاسی هو الأولویة التی یجب أن تحتل رأس جدول الأعمال الوطنی الفلسطینی وجدول أعمال أی عملیة جادة للسلام على حد سواء. لکن استمرار "شرکاء السلام" فی تجاهل قطاع غزة والحصار الخانق المفروض علیه وتجاهل حقیقة أن نجاح أو فشل أی عملیة للسلام یتقرر فی القطاع فی نهایة المطاف، واستمرارهم فی منح الأولویة لاستئناف المفاوضات، مباشرة کانت أم غیر مباشرة، علنیة أم سریة، إنما یؤکد فقط أنهم یسعون إلى عملیة عنوانها السلام مطلوبة فی حد ذاتها ولا تستهدف السلام حقا، ویؤکد أن هذه العملیة غیر جادة على الإطلاق ولا تعدو کونها ملهاة تستهدف بیع الوهم للشعب الفلسطینی وتضلیل أنصار السلام الحقیقیین فی أوساط الرأی العام العالمی وشراء المزید من الوقت لدولة الاحتلال کی تخلق المزید من الحقائق على الأرض فی الضفة الغربیة لنهر الأردن المحتلة منذ عام 1967 التی تنسف أی إمکانیة واقعیة متبقیة ل"حل الدولتین" کقاسم مشترک بین هؤلاء الشرکاء.

وقد لاحظ کارل فیک فی تقریر نشرته مجلة "تایم" الأمیرکیة فی السابع عشر من الشهر الجاری بان المدة التی توقفت خلالها محادثات السلام هی تقریبا ضعف المدة التی کانت جاریة خلالها، لتتحول الآن ربما إلى "عرض ألعاب"، لیقتبس من استاذ العلوم السیاسیة فی الجامعة العبریة یارون إیزراحی قوله إن ما یجری الآن هو "تظاهر بعملیة سلام".

فی الرابع عشر من تشرین الأول/أکتوبر الماضی قال رئیس المکتب السیاسی لحرکة المقاومة الإسلامیة "حماس"، خالد مشعل، لمجلة نیوزویک الأمیرکیة إنه "ینبغی على الادارة الأمیرکیة أن تسمع منا مباشرة"، موضحا أن الحرکة ستقبل بأی اتفاق توافق علیه اغلبیة الشعب الفلسطینی، ومذکرا بوجود "برنامج یشارک فیه کل الفلسطینیین: القبول بدولة فلسطینیة على حدود 1967 عاصمتها القدس، مع حق العودة،.. وسیادة على الأرض والحدود، وبلا أی مستوطنات"، وفی أکثر من مناسبة عرضت الحرکة هدنة لمدة عشر سنوات مقابل دولة کهذه.

ومن الواضح أن الراعی الأمیرکی "لعملیة السلام" لا یرید أن "یستمع مباشرة" إلى حرکة حماس إما لأنه لا یستطیع معارضة المفاوضات التی تسعى دولة الاحتلال إلیها لتقاسم الضفة الغربیة بین الفلسطینیین وبین المستوطنین الیهود فیها، مما قاد إلى الطریق المسدود فی عملیة التفاوض الجاریة منذ تسعة عشر عاما، وإما أن واشنطن تسعى فقط إلى مجرد "عملیة إدارة صراع" بانتظار حسم حربیها على العراق وأفغانستان حیث یتسنى لها آنذاک إملاء شروط للسلام لا تختلف عن شروط الاستسلام ترید هی وحلیفها الإسرائیلی فرضها على المفاوض الفلسطینی، ولا یوجد أی تفسیر آخر لرفض واشنطن "الاستماع مباشرة" إلى حماس، وهی ترفض ذلک على الأرجح لأن الحرکة تعرض إطارا ومرجعیات للتفاوض على دولة فلسطینیة حقیقیة ذات سیادة فعلیة تتناقض تماما مع إطار ومرجعیات عملیة التفاوض على تقاسم الضفة الغربیة الجاریة منذ عام 1993 والتی لم یعد یوجد فی الأفق ما یشیر إلى أنها سوف تتمخض عن أی نتیجة أخرى غیر الفشل.

لهذه الأسباب على وجه التحدید ما زال "شرکاء السلام" غیر العرب یصرون على تصنیف حماس کمنظمة "إرهابیة"، فهذا التصنیف فقط هو الوحید الذی یمنع "الاستماع مباشرة" إلى رؤیتها ومرجعیاتها للتفاوض، وهی رؤیة تحظى بتأیید أغلبیة شعبها کما أثبتت نتائج الانتخابات التشریعیة للحکم الذاتی الفلسطینی أوائل عام 2006. بل وتحظى بموافقة أغلبیة فصائل المقاومة الفلسطینیة سواء المؤتلفة فی إطار منظمة التحریر أو تلک التی تعمل خارج إطارها کما أثبتت معارضة فصائل منظمة التحریر لاستئناف المفاوضات المباشرة مؤخرا. وقد أثبتت الحرکة حرصها على الانجاز الوطنی المتمثل فی الاعتراف الدولی بمنظمة التحریر کممثل شرعی ووحید لشعبها فی سلسلة طویلة من الاتفاقیات للمصالحة الوطنیة التی نصت على تفعیلها تم التوصل إلیها فی القاهرة وبین الأسرى فی سجون الاحتلال ومکة المکرمة وصنعاء، وأثبتت خلال تألیف حکومة الوحدة الوطنیة حرصها على ثنائیة المقاومة والتفاوض وعلى صلاحیة منظمة التحریر فی التفاوض، وبالتالی أسقطت کل الذرائع التی تساق لرفض منحها ما تستحقه من شراکة فی صنع القرار الفلسطینی، وللاستمرار فی حصارها داخل القطاع وملاحقتها خارجه، ولرفض "الاستماع المباشر" إلیها.

إن التذرع بمیثاقها للاستمرار فی إقصائها وعزلها ومحاصرتها ومطاردتها هو ذریعة لا تقل تهافتا عند مقارنة میثاقها بمیثاق فتح الذی یتفق مع میثاقها فی الجوهر وإن اختلف عنه فی اللغة، أو مع مواثیق الأحزاب السیاسیة الحاکمة أو الممثلة فی "کنیست" دولة الاحتلال الإسرائیلی التی تجهر بمعارض "حل الدولتین" واتفاقیات أوسلو و"عملیة السلام" الجاریة، والأحزاب الأربعة الداعیة إلى مؤتمر "الأردن هو فلسطین" المقرر عقده بتل أبیب فی الخامس من الشهر المقبل الممثلة بسبعة مقاعد فی الکنیست لیست إلا مجرد المثال الأحدث.

إن المسؤولین "غیر الأمیرکیین" الذین زاروا غزة، بدءا من الأمین العام للأمم المتحدة بان کی- مون بعد العدوان الشامل على القطاع قبل عامین وانتهاء بوزیر الخارجیة الألمانی غویدو فیسترفیله مؤخرا ومرورا بنظیره الفنلندی الکساندر ستوب الشهر الماضی ومفوضة السیاسة الخارجیة والأمن فی الاتحاد الأوروبی البارونة البریطانیة کاثرین اشتون فی تموز/ یولیو، کانوا أمیرکیین فی "دفن رؤوسهم فی الرمال" عندما رفضوا اغتنام الفرصة لـ"الاستماع مباشرة" إلى قادة حماس فی غزة، مکتفین بالبحث عن "دراسة طرق محددة لتحسین الوضع الإنسانی" فی القطاع کما قال أندریاس بیشکى الناطق یاسم فیسترفیله عن "الهدف" من زیارة وزیره، وهو وضع لا یمکن أن یتحسن جوهریا طالما ظل کل هؤلاء وغیرهم ممن یدعون السعی إلى السلام یتجاهلون الحقائق السیاسیة الفلسطینیة القائمة على الأرض.

ولم یعد أی مراقب محاید یجادل فی أن "شرکاء السلام" جمیعهم إنما یحاصرون قطاع غزة کرهینة لعملیة السلام، وبما أن هذه العملیة لا تنبئ بأی نهایة لها فی الأجل المنظور، فإن هذا الحصار سوف یستمر طالما ظلت هذه العملیة على قید الحیاة، وأی اختراق فیها قد یشیر إلى نجاحها سوف ینذر فقط بأن القطاع معرض لعملیة عسکریة دمویة لاجتثاث المقاومة منه کشرط مسبق لإنجاحها، أو کشرط مسبق لتحقیق اختراق فیها، مما یفسر التحذیر من "مخطط إقلیمی ودولی" لضرب حماس "خلال المرحلة المقبلة"، کما حذر النائب الأول لرئیس المجلس التشریعی د. أحمد بحر فی التاسع من الشهر الجاری ویفسر کذلک "المخاوف" التی أعرب عنها مؤخرا وکیل وزارة الخارجیة بغزة د. أحمد یوسف من عدوان جدید تشنه دولة الاحتلال الإسرائیلی "تخرجها من حالة الاختناق التی تعیشها والإدانة الدولیة من قبل المجتمع الدولی عن طریق "شیطنة" حرکة حماس وربطها بـ"القاعدة" بالرغم من أن الحرکة تمثل اتجاها "وسطیا" بعیدا "کل البعد عن قناعات القاعدة" ویتمتع بقدر عال من "الاعتدال" ورغبة "فی التواصل مع المجتمعات الغربیة".

أما إذا انهارت "عملیة السلام" نهائیا فإن انهیارها سوف یسقط مرجعیاتها وإطارها ومفاوضیها وربما عندئذ تصبح رؤیة حماس ومرجعیاتها وإطارها ومفاوضوها جدیرة بـ"الاستماع المباشر" وبدیلا لإستراتیجیة جدیدة لمنظمة التحریر الفلسطینیة أساسها وحدة وطنیة مبنیة على شراکة وطنیة حقیقیة تکون مقاومة الاحتلال بکل أشکالها هادیها وحادیها.

ن/25

 

 

 

 


| رمز الموضوع: 141504







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)