الاربعاء 16 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

استرضاء الغرب جری وراء السراب

استرضاء الغرب جری وراء السراب

 

محمد اسحق الریفی

إن التطلع إلى موقف أمریکی وأوروبی منصف للشعب الفلسطینی وقضیته العادلة، ینطوی على عدم إدراک لحقیقة المشروع الصهیونی ولجوهر السیاسة الأمریکیة الشرق أوسطیة، ویدل على استعداد سیاسی للجری وراء سراب الوعود الأمریکیة حتى الوقوع فی الفخ الأمریکی، الذی وقعت فیه حرکة فتح منذ 1988، ولم تخرج منه حتى الآن.

التجریب فیما یتعلق بالقضیة السیاسیة مغامرة غیر محمودة، وهدر للوقت وإضاعة للفرص، ولا سیما أن فی التاریخ والتجارب السیاسیة التی خاضها الشعب الفلسطینی ما یکفی للاعتبار، وکشف جوهر سیاسات الولایات المتحدة وحلفائها الغربیین، وکشف حقیقة النوایا الصهیونیة، واتخاذ مواقف سیاسیة صائبة، وبناء استراتیجیة فلسطینیة لمواجهة المشروع الصهیونی. ولا یجوز تجریب المجرَّب، الذی ألحق أضراراً فادحة بالشعب الفلسطینی وقضیته، وأدى إلى تحسین صورة الکیان الصهیونی المجرم، وسوغ لبعض الأنظمة العربیة التطبیع معه بدرجات متفاوتة. والأصل فی العمل السیاسی الخاص بقضیة فلسطین، فهم ثوابت السیاسات الأمریکیة الشرق أوسطیة، ومتغیراتها، وفهم علاقة المشروع الصهیونی بالغرب، ودراسة دقیقة وعمیقة للواقع العربی والإسلامی، ولتوازن القوى فی منطقتنا، ولتوجهات الرأی العام الغربی خاصة، والعالمی عامة.

فجوهر السیاسة الخارجیة الأمریکیة لا یتغیر، لأنه یقوم على أساس الحفاظ على مستویات ثابتة من توازن القوى وتوازن المصالح وفق منظور المدرسة الواقعیة فی العلاقات الدولیة. وتعتمد صناعة القرار الأمریکی على متغیرات داخلیة تساهم فیها کل مکونات النظام السیاسی الأمریکی، بما فیها اللوبی الصهیونی. ولذلک فإن قرارات الإدارة الأمریکیة هی محصلة توازن القوى السیاسیة الأمریکیة، ومصالح هذه القوى. وهناک متغیرات خارجیة تعتمد على المصالح الإستراتیجیة الأمریکیة وتدخل فی صناعة أی قرار أمریکی یمس هذه المصالح، والولایات المتحدة تنظر إلى الکیان الصهیونی على أنه مصلحة لها، وحلیف استراتیجی لا یمکنها التخلی عنه، ولا یوجد بدیل له فی منطقتنا.

ولذلک فإن التأثیر على القرار الأمریکی لا یکون بإظهار حسن النوایا تجاه الأمریکیین والزعم بأنهم لا یمثلون مشکلة للشعب الفلسطینی، ولا بالمساهمة دون قصد فی تحسین صورتهم الدمویة البشعة، ولا بالغزل السیاسی المبتذل مع الإدارة الأمریکیة، فالولایات المتحدة لا تتخذ مواقفها بناء على عاطفة الآخرین تجاهها، وإنما تتخذها بناء على مواقف الآخرین وبرامجهم السیاسیة وممارساتهم فی السلطة وعلى الأرض، وعلى تأثیر هذه المواقف والسیاسیات على المصالح الأمریکیة ومستقبل الکیان الصهیونی.

والولایات المتحدة تضع کل قوة سیاسیة فی منطقتنا تؤمن بحقها فی مقاومة العدو الصهیونی على قائمتها للإرهاب، وتحاربها، وتتآمر علیها، وتمنعها من الوصول للسلطة، أو تحاول إفشالها وإسقاطها إن وصلت، کما تتعامل الیوم الولایات المتحدة مع حرکة حماس والحکومة التی شکلتها.

ما یجب التأکید علیه فی هذه المرحلة الخطیرة، استمرار الاشتباک فی کافة المیادین والمجالات مع العدو الصهیونی، واستنزافه سیاسیاً واقتصادیاً وأمنیاً، وإظهار حقیقة المشروع الصهیونی الاستعماری الإمبریالی العنصری، وکشف صورة الولایات المتحدة وحلفائها الذین یدعمون الکیان الصهیونی، عبر إظهار دورهم فی الجرائم التی یرتکبها هذا الکیان ضد الفلسطینیین والعرب، ودورهم فی انتهاک حقوق الشعب الفلسطینی وحریاته الإنسانیة، وخاصة حق تقریر المصیر، إضافة إلى الاستمرار فی تأنیب الرأی العام الغربی، والتعویل على صحوته، وتحشید قواه الحرة والشریفة، التی لا تقبل اعتداء العدو الصهیونی المدعوم من الغرب على الشعب الفلسطینی بذرائع دینیة واستعماریة إمبریالیة...

لقد استجابت منظمة التحریر الفلسطینیة للشروط الأمریکیة لبدء الحوار الفلسطینی الأمریکی، ودفعت الثمن غالیاً، فماذا کانت النتیجة غیر الضیاع فی متاهات سراب السلام، وإحباط الانتفاضة الفلسطینیة الأولى، وتعزیز التسویة بین الکیان الصهیونی وبعض الأنظمة العربیة، ما أدى إلى التطبیع وإلى عقد اتفاقیات بین الکیان الصهیونی وبعض الدول العربیة!!

فکان لتلک الاتفاقیات أثر خطیر جداً على القضیة الفلسطینیة، ما زال الشعب الفلسطینی یعانی منه إلى الآن، وربما إلى سنوات عدیدة.

لقد اعترفت المنظمة بما یسمى "إسرائیل"، وعدلت میثاقها، ورغم ذلک لم تغیر الولایات المتحدة مواقفها العدوانیة تجاه الشعب الفلسطینی وقضیته، بل استمرت فی دعم مواقف الحکومات الصهیونیة، والانحیاز الکامل للمشروع الصهیونی، وامتصت المبادرات الفلسطینیة للسلام، وأفرغتها من مضمونها ومن أی بعد سیاسی إقلیمی أو دولی، وحصرت الحوار فی السفیر الأمریکی، ووصلنا إلى ما وصلنا إلیه. ألیس فی هذا عبرة لمن یرید أن یعتبر!.

ن/25

 

 


| رمز الموضوع: 141511







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)