المخططات الصهیونیة لتهوید مدینة القدس
تقریر استراتیجی صادر عن مؤسسة القدس الدولیّة
جمع المراقبون والمتابعون لشؤون مدینة القدس أنّ دولة الاحتلال تنظر إلى العام 2010 على أنّه عام حسم مصیر القدس کعاصمةٍ یهودیّة السکان والدین والثقافة، فی ترجمةٍ مباشرةٍ لمقولة الدولة الیهودیّة الصافیة التی یتبناها المحتلّ.
والعوامل التی دفعت بقضیّة القدس إلى صدارة أولویّات الاحتلال کثیرة، منها ما هو سیاسیّ یتعلّق بانعدام الرؤیة المستقبلیّة والتنافس بین الأحزاب المختلفة، ومنها ما یتعلّق بطبیعة الدولة ونظرة المجتمع لها وثقته بقدرتها على الاستمرار بعد فشلها فی حربیّ لبنان وغزّة، وفشلها فی حسم مصیر المدینة بعد مرور 43 عامًا على احتلالها. ومنها أسبابٌ دینیّة متعلّقة بتغیّر نظرة المتدینین الیهود إلى المسجد الأقصى الذی یزعمون أنّه "جبل المعبد"، وتغیّر نظرة المجتمع الیهودیّ بکامله إلى أهمیّة بناء "المعبد الثالث" ودوره فی حیاة الشعب الیهودیّ واستمراره.
وقد انعکست هذه التطوّرات على الأرض على شکل هجمةٍ تهویدیّة غیر مسبوقةٍ على مدینة القدس وصلت ذروتها خلال عام 2009 الذی کان أکثر عامٍ شهد تطوراتٍ فی قضیة القدس کماً ونوعاً، طالت کلّ شیءٍ فی المدینة بدءًا بمقدّساتها وسکانها وأرضها وحتى هویّتها الثقافیّة وطرازها المعماریّ. وبناءً على قراءةِ المتغیّرات السیاسیّة والدینیّة فی دولة الاحتلال، ومتابعة إجراءات التهوید وتطوّرها على الأرض، فإنّنا فی مؤسّسة القدس الدولیّة نرى أن الأحداث فی القدس خلال العام 2010 ستشهد تطوّرًا جذریًّا، ونحاول فیما یلی استقراء مسار هذا التطوّر:
أوّلاُ:على مستوى الهویة الدینیة العام 2010 مرشح لأن یشهد تطوّراتٍ رئیسة تتمثّل فی:
1. محاولاتٍ حقیقیة لتقسیم المسجد الأقصى بشکلٍ دائم، بحیث تُقتطع ساحاته الجنوبیة الغربیة لتخصص للمصلین الیهود، منهیةً بذلک الحصریة الإسلامیة للمسجد ممثلةً بالأوقاف الأردنیة، وستحاول مختلف الأوساط المعنیة على مستوى الدولة والجمعیات المتطرفة أن تستثمر الأعیاد والمناسبات الیهودیة لمحاولة فرض مثل هذا الأمر، کما من المتوقع أن تُعاود دولة الاحتلال العمل فی الجسر الحدیدیّ على باب المغاربة لاستکمال البنیة التحتیّة اللازمة لتقسیم المسجد.
2. استکمال مشروع "المدینة الیهودیّة المقدسة" أسفل المسجد الأقصى ومحیطه، من خلال افتتاح عددٍ من مواقع الحفریات التی وصل فیها العمل إلى مراحله النهائیة، خصوصًا فی الجهة الجنوبیّة للمسجد، ولیس من المستبعد أن تصل الحفریّات فی هذه الجهة إلى المصلى المروانیّ، کما من المتوقّع أن تتوسّع الحفریّات فی الجهة الغربیّة للمسجد باتجاه الأسوار الغربیّة للبلدة القدیمة.
3. البدء ببناء مزید من المعالم والرموز الیهودیّة الدینیّة فی البلدة القدیمة للقدس، فبعد افتتاح "کنیس الخراب" أمس الذی یُمثّل الرمز الیهودیّ الأهمّ والأکبر فی بلدة القدس القدیمة، من المتوقّع أن یبدأ المحتلّ بمشاریع بناءٍ إضافیّة تُعزّز وجوده الدینیّ فی المدینة قد یکون أبرزها کنیس "قدس النور" الذی کان مخطط "أورشلیم أولاً" قد تحدّث عنه فی عام 2008، ویفترض أن یقام فوق المحکمة الإسلامیة الملاصقة للسور الغربی للأقصى.
4. استمرار محاولات الاستیلاء على الأوقاف المسیحیّة وخصوصًا أملاک الکنیسة الأرثوذکسیّة فی البلدة القدیمة، ومن المتوقّع أن تکون أبرز التطوّرات فی هذا الإطار بتّ محاکم الاحتلال فی قضیة ساحة عمر بشکلٍ نهائیّ وتثبیت ملکیّتها للشرکات الاستیطانیة، مع الإشارة إلى أنّ بلدیّة الاحتلال وبالتوافق مع الشرکات الاستیطانیّة طوّرت مخططًا شبه نهائیّ لبدء أعمال تهوید الساحة، ولن یکون من المفاجئ أیضًا أن یُکشف عن صفقاتٍ تسریب أملاکٍ جدیدة صادق علیها البطریرک ثیوفیلوس والمجمع المقدّس خلال الفترة السابقة.
ثانیًا: معرکة السکان ستشهد بدورها تصعیداً مماثلاً، من عدّة نواحٍ أبرزها:
1. تصاعد وتیرة سحب الهویات بشکلٍ کبیر، وتفعیل هذا السلاح کوسیلة ناجعةٍ للتخلص من أکبر عددٍ ممکن من السکان، خصوصاً إذا ما أُعلن تعدیل الحدود البلدیة مخرجاً بعض التجمعات الفلسطینیة الأساسیة خارج حدود القدس بشکلٍ نهائی.
2. تکثیف محاولات الترویج للقدس کمرکز سکنی فی محاولة لتعدیل میزان الهجرة الیهودیّة العکسیّة من المدینة، و سیکون هذا الأمر محور اهتمام بلدیة الاحتلال خلال هذا العام، ومن المتوقّع أن تُقرّ البلدیّة وحکومة الاحتلال بناء ما لا یقلّ عن 12,000 وحدة سکنیّة جدیدة فی شرقیّ المدینة، فی حین تُقدّر التوقّعات أن لا یزید معدّل رخص البناء التی ستُمنح للفلسطینییّن خلال العام بـ200 رخصة فقط.
ثَالثاً: أمّأ أبرز ما یتوقع فی معرکة الأرض فهو:
1. احتمال تعدیل الحدود البلدیة للقدس لتتطابق مع حدود الجدار، لیدخل بذلک نحو 163 کلم2 إلى مساحة القدس الأصلیّة یسکنها أکثر من 69,900 مستوطن یهودیّ، ولن یکون تعدیل الحدود بالضرورة إجراءً علنیًّا وإنّما قد یتمّ من خلال توسیع الکتل الاستیطانیّة الموجودة لتصبح متصلةً سکانیًا بمدینة القدس، مع إنشاء شبکة مواصلاتٍ تُسهلّ الانتقال بین مرکز المدینة وهذه الکتل الاستیطانیّة.
2. محاولة حسم أوضاع الأحیاء الفلسطینیّة الحاضنة للبلدة القدیمة أو ما یُسمّیه الاحتلال "الحوض المقدّس"، وخصوصًا ملفی حیّ البستان وحیّ الشیخ جرّاح، فملفّ حیّ البستان جنوب المسجد الأقصى سیُحاول الاحتلال حسمه من خلال تسویةٍ تسمح بتهجیرٍ جزئیٍّ للسکان فیه، مع استکمال مشروع "حدائق الملک" على أجزاءٍ منه و"ترمیم" بیوته وشوراعه لتصبح بعد تعدیل طرازها المعماریّ جزءًا "من مدینة داوود" تحمل ذات طابعها الیهودیّ وطرازها "الهیرودیانیّ" المزعوم.
أمّا بالنسبة لملف حیّ الشیخ جرّاح شمال البلدة القدیمة للقدس فسیسعى الاحتلال لحسمه عبر تکثیف الضغط على السکّان المقدسیّین فی إسکان الشیخ جرّاح المستهدف من خلال زیادة اعتداءات المستوطنین علیهم، وتکثیف الملاحقة الأمنیّة لهم، والتضییق على مصادر دعمهم من أوروبا والعالم العربیّ والإسلامیّ، مع الاستمرار فی المماطلة فی أوضاعهم القانونیّة فی المحاکم حتى تثبیت أمرٍ واقع من خلال احتلال المستوطنین الیهود لمنازلهم مع تجهیز البنى التحتیّة لتحویل المکان لمزارٍ یهودیّ دینیّ، کما من المتوقّع أن یسمح الاحتلال ببدء العمل فی مشروع الحیّ الاستیطانیّ المنوی إقامته على أرض کرم المفتیّ شمال الشیخ جرّاح.
3. تکثیف نشاط الجمعیّات الاستیطانیّة المرتبطة بدولة الاحتلال فی البلدة القدیمة للقدس للاستیلاء على أکبر عدد ممکن من عقارات البلدة، مع توفیر غطاء قانونیّ وأمنیّ کامل من دولة الاحتلال.
رابعًا: بالنسبة للمعرکة الثقافیة، فمن المتوقّع أن تشهد نشاطًا یترکز فی:
1. محاولة تنفیذ تهوید أسماء معالم وأحیاء البلدة القدیمة بشکلٍ کامل، کما أُقِرَّت خلال سنة 2009.
2. بدء أعمال "الترمیم وإعادة التصمیم" فی باب العامود أهم أبواب البلدة القدیمة شمالاً لتغییر طرازه المعماری وإخراجه بشکلٍ جدید وفق "الطراز الهیرودیانی". وهی أعمالٌ ستتطلب إغلاق الباب لفترة طویلةٍ من الزمن، فی منطقةٍ تُشکّلُ العصب الأبرز لاقتصاد البلدة القدیمة، إلى جانب سوق خان الزیت.
توصیات المؤسّسة للتعامل مع الأخطار المتوقّعة لعام 2010:
کلّ هذه التطوّرات المتسارعة والمشاریع التهویدیّة الضخمة لا یُمکن مواجهتها أو تعطیلها إلا من خلال إجراءاتٍ فاعلةٍ على الأرض تردع الاحتلال وتزید من ثمن خطواته التهویدیّة وذلک یکون عبر الوسائل التالیة:
1. اعتبار قضیّة القدس قضیّة اجماعٍ واتفاق، وحشد کلّ الجهود الرسمیّة والشعبیّة لنصرتها، وإخراجها من عقلیّة التنافس والاحتکار التی تسود الأوساط العاملة لأجل القدس الیوم.
2. توفیر الدعم المادیّ المباشر للمقدسیّین لتعزیز صمودهم وتمکینهم من الاستمرار فی بناء مجتمعهم بشکلٍ مستقلٍّ عن الاحتلال، حتى لا یُحکم الاحتلال قبضته بشکلٍ کاملٍ على کلّ تفاصیل حیاتهم ومجتمعهم.
3. وقف التنسیق الأمنی مع الاحتلال والکفّ عن ملاحقة المقاومة والتضییق علیها فی الضفّة الغربیّة، فهی وحدها التی کانت قادرةً فی السابق على تکریس معادلة ردعٍ مع الاحتلال فی مواجهة إجراءات التهوید فی القدس، بدءًا من ثورة البراق عام 1929 ووصولاً إلى انتفاضة الأقصى عام 2000.
4. توجّه مؤسّسة القدس الدولیّة رسالةً للقمّة العربیّة التی ستنعقد فی طرابلس تؤکّد فیها على المسؤولیّة العربیّة والإسلامیّة عن مدینة القدس ومقدساتها وتدعو إلى اتخاذ موقفٍ سیاسیّ عربیّ داعمٍ لصمود المقدسیّین، کما تدعو إلى سحب المبادرة العربیّة للسلام من التداول، والتوقّف عن منح الاحتلال مزیدًا من الوقت وحریّة التحرّک عبر المبادرات التفاوضیّة المباشرة وغیر المباشرة، وتغطیة التنازلات التی دأب المفاوض الفلسطینیّ على تقدیمها للاحتلال.
5. تؤکّد مؤسّسة القدس الدولیّة على ضرورة تحقیق المصالحة الفلسطینیّة، وهی فی الوقت ذاته تُشدّد على أنّ حالة الانقسام الفلسطینی لا یُمکن أن تُستخدم کذریعةٍ للتنصّل من المسؤولیّة العربیّة والإسلامیّة عن القدس، ولتبریر العجز العربیّ الصارخ فی مواجهة الهجمة التهویدیّة التی تتعرض لها.
6. تدعو مؤسسة القدس الدولیّة إلى هبّة جادّةٍ للأمّة من خلال تفاعل شعبیّ واسع مع الاعتداءات المتواصلة التی تتعرّض لها القدس والمقدّسات، مع إدراک خصوصیّة المدینة ومغزى إجراءات المحتلّ فیها، وعدم انتظار هدم المسجد الأقصى أو حدوث مذبحةٍ فی ساحاته للتحرّک شعبیًّا لنصرة المدینة، ونُخصّص الخطاب هنا إضافةً لشرائح الأمّة کافّةً إلى العلماء والدعاة الذین یجب أن یکون لهم دورٌ فاعل فی استنهاض الهمم والحثّ على التحرّک الشعبیّ نصرةً للقدس وأهلها ومقدّساتها على حدٍّ سواء.
7. تکثیف الاهتمام الإعلامیّ بمدینة القدس وتغطیة الأحداث فیها بدقٍّة دون تهویلٍ أو تبخیس، وزیادة المساحة المخصصة لها فی مختلف المجالات ولیس فقط فی التغطیات الإخباریّة.
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS