الجمعه 11 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

حماس.. أصول جدیدة فی مواجهة إسرائیل

 لا خلاف على أن انهیار الحدود بین قطاع غزة ومصر، حتى لو کان لفترة محدودة، قد مثل انجازًا استراتیجیًا لحرکة حماس، وتهاویًا لاستراتیجیة الحصار التی تنتهجها إسرائیل فی مسعى لإسقاط حکومة الحرکة برئاسة إسماعیل هنیة. حماس من خلال هذه الخطوة وجّهت رسالة واضحة إلى کل الأطراف التی تشارک فی فرض الحصار على الشعب الفلسطینی فی القطاع مفادها أن الفلسطینیین لا یمکنهم أن یستسلموا للموت البطیء الذی یجلبه الحصار. ونجحت الحرکة فی بلورة أصول جدیدة للعبة تحدیدًا فی مواجهة إسرائیل بشکل رئیسی، فبالنسبة لإسرائیل هناک شکوک أن تبقى فی جعبتها ما یمکن أن یشکل رافعة ضغط قادرة على التأثیر على النظام السیاسی الفلسطینی الجدید الذی ولد بفوز حماس وتشکیلها الحکومة. وواضح تمامًا أن حماس حققت انجازًا کبیرًا على صعید تحشید الرأی العام الفلسطینی والعربی والإسلامی خلفها. فبالنسبة للأغلبیة الساحقة من المواطنین الفلسطینیین فی الضفة الغربیة وقطاع غزة فإن انهیار الجدار الحدودی بین مصر وقطاع غزة مثّل انتصارًا کبیرًا لحرکة حماس بکل المقاییس. ومعظم النخب الفلسطینیة حتى تلک التی تناصب حرکة حماس العداء، وتتبنى بشکل تلقائی المواقف الصادرة عن حرکة "فتح" باتت تدرک أن حماس نجحت فی قلب الموازین القائمة بشکل یجعل من المستحیل على أی قوة تجاهلها، وباتت هذه النخب تتحفظ على سلوک أبو مازن وتطالبه بالتراجع عن شروطه للتحاور مع حماس. وبعض الذین یتحفظون على سلوک أبو مازن التفاوضی یبررون ذلک بإشفاقهم علیه؛ حیث أدّى نجاح حماس فی تجاوز الحصار إلى انخفاض شعبیة عباس والمسّ بمکانته المتهاویة أصلاً.

المؤشر الأبرز على استیعاب الکثیر من قیادات حرکة "فتح" الشابة العبر مما حدث هو تبنیها بشکل واضح الدعوة للحوار وانخراط الکثیر من هذه القیادات فی عضویة العدید من الهیئات واللجان الجماهیریة التی تشکلت مؤخرًا بغرض تهیئة الظروف أمام انطلاق الحوار الوطنی بین الفرقاء. لکن أبو مازن فی نفس الوقت لازال حتى الآن یصدّ کل المحاولات لإقناعه بالحوار مع حرکة حماس بسبب موقف أولمرت الذی یرفض بشکل قاطع أن تؤدی التطورات الأخیرة إلى استئناف الحوار بین أبو مازن وحرکة حماس؛ وکما سربت وسائل الإعلام الإسرائیلیة فقد طمأن عباس أولمرت فی لقائهما الأخیر بأنه لن یعود للحوار مع حماس. هذا مع أن هناک الکثیر من الأصوات داخل الحکومة الإسرائیلیة باتت تطالب أولمرت بالتفاوض مع حماس.

و قیادة حرکة "فتح" المتنفذة التی تعی کل ذلک، تحاول وقف التآکل فی شعبیتها من خلال الالتفاف على إنجاز حرکة حماس الکبیر، وتجسد ذلک من خلال محاولة أبو مازن إقناع إسرائیل بإعادة تشغیل معبر "رفح" وفق اتفاقیة تشغیل المعابر التی توصلت إلیها إسرائیل والسلطة الفلسطینیة والاتحاد الأوروبی برعایة أمریکیة، والذی توقف العمل به فی أعقاب سیطرة حرکة حماس على القطاع فی منتصف حزیران الماضی. حرکة حماس المدعومة برأی عام مناصر ترفض بشدة محاولات عباس، وتصرّ على أن تکون إدارة المعابر مصریة فلسطینیة، وألا یتحول المعبر مرة ثانیة إلى وسیلة للضغط على الشعب الفلسطینی، کما أنها ترفض احتکار حکومة فیاض التصرف بعوائد المعبر المالیة، وتشدّد على وجوب تحویلها إلى خدمة المشاریع التنمویة فی القطاع.

أما فی الجانب الإسرائیلی، فإن المراقبین یجمعون على أن حرکة حماس خرجت کالقوة التی أملت خیارها فی النهایة، ولیس سلطة عباس ولا حکومة أولمرت. ویقول الباحث الإسرائیلی البارز یورام کیدار: إن ما جرى دلیل على"انهیار استراتیجیة الحصار التی راهنت حکومة إسرائیل على أنها ستساهم فی إسقاط حکومة حرکة حماس، وهذا یعنی أن حکومة حماس ستظل إلى جوارنا لمدة طویلة جدًا"، على حدّ تعبیره. ویجدر ببعض الکتاب العرب الذین استغلوا ما حدث لمهاجمة حرکة حماس، أن یستمعوا لناحوم برنیع کبیر المعلقین فی صحیفة "یدیعوت أحرنوت" الإسرائیلیة، الذی عقب على انهیار الحدود بین مصر وقطاع غزة، حیث قال: "کل من عینیه فی رأسه فهم بأن قرار باراک بفرض الحصار على القطاع هو قرار متسرع، خطیر من الناحیة الأمنیة والسیاسیة ومنکر من ناحیة قیمیة". واعتبر بارنیع أن سقوط الجدار الحدودی بین مصر وقطاع غزة یدلل على أن الجهة الوحیدة التی خرجت کاسبة من الحصار الذی صممه براک على غزة هی حماس، حیث تعززت مکانتها، وامتلأت مخازنها بالسلاح. وهناک فی إسرائیل من طالب بتشکیل لجنة تحقیق رسمیة للتحقیق مع أولمرت ووزیر حربه إیهود براک بسبب فشلهما فی إدارة المواجهة مع حرکة حماس. فقد طالب الجنرال شلومو غازیت رئیس شعبة الاستخبارات العسکریة الأسبق طالب بتشکیل لجنة التحقیق مع أولمرت وباراک بسبب قرارهما بفرض الحصار على قطاع غزة بعد أن تبین أن أضرار هذا القرار على إسرائیل أکبر من فوائده بکثیر.

وحتى محاولة بعض کبار المسئولین والجنرالات استغلال ما حدث من أجل تسویق حل إسرائیلی قدیم جدید یقوم على تخلص إسرائیل من المسئولیة عن توفیر المستلزمات الحیاتیة للفلسطینیین فی قطاع غزة، عبر إلزام مصر بتوفیر هذه المستلزمات، بدت غیر مقنعة لکثیر من المراقبین فی إسرائیل. فمعظم القانونیین الإسرائیلیین یرون أنه من ناحیة قانونیة فإن إسرائیل ملزمة وفق القانون الدولی بمواصلة تزوید القطاع بمتطلبات الحیاة لسکانه بوصفها دولة احتلال.

لکن رغم کل ما تقدم فإن الشعب الفلسطینی الذی حقّق هذا الإنجاز العظیم مطالب بإبداء المزید من الصبر حتى یقنع أعداءه والمتربصین به بوجوب التوقف عن کل المحاولات الهادفة لترکیعه وإجباره على التخلی عن ثوابته الوطنیة.

( المقال للکاتب صالح النعامی )

م/ ن/25

 

 


| رمز الموضوع: 142692







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. صنعاء تستهدف "بن غوريون" بصاروخ باليستي فرط صوتي.. وتُهاجم هدفاً في يافا المحتلة
  2. كتائب القسام توقع قوة إسرائيلية في حقل ألغام.. وجنود الاحتلال بين قتيل وجريح
  3. المشّاط للإسرائيليين: لا تراجع عن إسناد غزّة.. الزموا الملاجئ ردّنا سيكون مزلزلاً
  4. الإدارة الأميركية ترضخ.. القوات اليمنية تستفرد بالعدو الصهيوني
  5. انصار الله: إعلان ترامب فشل لنتنياهو
  6. سرايا القدس تسيطر على مُسيرة إسرائيلية شرق مدينة غزة
  7. العدوان الإسرائيلي على مطار صنعاء الدولي.. هجوم استعراضي موجه للداخل الصهيوني
  8. عدوان أمريكي إسرائيلي غاشم على اليمن بعشرات الطائرات
  9. وزير الخارجية الإيراني: الدعم القاتل لإبادة نتنياهو الجماعية في غزة، وشن الحرب نيابةً عنه في اليمن، لم يُحققا شيئاً للشعب الأميركي
  10. طهران ترفع الستار عن وثائقي للمقاومة في فلسطين وايرلندا
  11. حكومة الاحتلال تقرّر توسيع الحرب على غزة رغم التحذيرات
  12. وزير العلوم الإيراني: الرأي العام العالمي لا يعترف بالكيان الصهيوني
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)