إسرائیل الهجرة المعاکسة .. الرعب القادم!

إذا کانت الحرکة الصهیونیة العالمیة قد استفادت تاریخیًا من المحرقة الیهودیة, واستغلتها فی تبریر إیجاد (دولة إسرائیل) فی فلسطین,

فإنه على الرغم من مرورستین عامًا على تأسیسها , عجزت هذه الدولة الیهودیة فی خلق وطن آمن للیهود بالفعل. فلا تزال (اسرائیل) الیوم, تعیش فی حالة حرب دائمة مع العرب عامة , و الفلسطینیین خاصة,وهی تشکل أخطر مکان فی العالم بالنسبة إلى الیهود, وذلک ببساطة, لأنها أقیمت لکی تظل قاعدة استراتیجیة متقدمة للإمبریالیة الغربیة تقوم بدور وظیفی فی إطار المخطط الإمبریالی العام حسب کل مرحلة تاریخیة .‏

لقد أثارت نزعة (إسرائیل) العدوانیة و التوسعیة فی احتلال الأراضی العربیة سیلاً عالمیاً من الإدانة المنطقیة لها, کما أیقظ الخوف من الیهودیة فی العالم. ویدعی الصهاینة, أولا ً, أنه لا یوجد شیء اسمه الإدانة المنطقیة ل(اسرائیل), ویعتبرون کل انتقاد لها معاداة للسامیة; وثانیًا إن معاداة السامیة, فیروس ینبع من قلوب الأغیار المنحرفة, بصرف النظر عمّا یفعله الیهود أو (اسرائیل).‏

وتلعب الأصولیة الدینیة الیمینیة فی (اسرائیل), دوراً أکبر بکثیر من دور الاشتراکیة المستنیرة التی کان من المفترض أن تکون شعارالمجتمع الیهودی الجدید. بسبب هذه المآزق, تجری الآن هجرة مضادة إلى خارج )اسرائیل(, وقد بلغت نسبة خطیرة, وهی تهدد المعادلة السکانیة المقلقلة, التی تشکل همّاً للدولة الصهیونیة. ففی أواسط سنة ,2004 کان هنالک نحو 760 ألف (اسرائیلی) یعیشون فی الخارج, بزیادة 40% منذ بدء الانتفاضة الثانیة سنة ,2000‏

وکشفت وزارة استیعاب المهاجرین الجدد فی (إسرائیل) مؤخراً,أنها شرعت عشیة الذکرى الستین لتأسیسها فی حملة واسعة لإعادة أکبر عدد ممکن من (الإسرائیلیین) الذین غادروا فلسطین المحتلة وأقاموا فی بلدان الغرب ویبلغ عددهم 700 ألف نسمة. ولفتت الوزارة إلى أن(الإسرائیلیین) المقیمین فی الولایات المتحدة وأوروبا وأسترالیا غادروا بحثاً عن مستوى معیشة أفضل, وأشارت إلى صعوبة إقناعهم بالعودة منوهة إلى عودة خمسة آلاف منهم کل عام مقابل مغادرة نحو 20 ألف (إسرائیلی) کل عام.‏

الحرکة الصهیونیة لم تتوقف منذ البدایات عن المزاوجة بین خوض الصراع من أجل الإستیلاء على أرض فلسطین ,ومن أجل تکثیف الهجرة توصلا لإیجاد غالبیة یهودیة. لکن إذا کان عدد الیهود فی(إسرائیل الکبرى) العزیزة على قلب اللیکود یبلغ 4.5 ملایین والعرب 1.4 ملیون, فان هؤلاء سیصبحون الأکثریة مع حلول العام 2010, وسیصلون إلى 10.8ملایین فی العام 2020 مقابل 7.6 ملایین یهودی. و (إسرائیل ) لا تملک سوى سلاحین من شأنهما رد هذا الخطر عنها: الهجرة الیهودیة المکثفة الى الکیان الصهیونی و/أو الطرد المکثف أیضا للفلسطینیین. ولا یبدو الإحتمال الأول قابلا للتحقق إلا إذا حدثت أعمال عنف لاسامیة خطیرة فی الغرب. أما الثانی والمعروف عنه باسم (الترانسفیر) ویحلم به قسم من الیمین الصهیونی فلا یمکن تنفیذه (على البارد). فهو یفترض قیام حالة قصوى ومواجهة إقلیمیة, فأی بلد عربی لدیه ما یکفی من الجنون لخوضها?‏

»إسرائیل) تعانی من خطر الهجرة المعاکسة,ومن تراجع أیضا شعور الیهود الذین یقیمون فی البلدان الغربیة, ولا سیما فی الولایات المتحدة الأمیرکیة بالإنتماء إلیها.و کلما کان عمر الشباب الیهودی فی البلدان الغربیة أصغر,تراجعت نسبة الشعور بالإنتماء ل»إسرائیل)ورؤیتها و أهمیتها.فهناک 52% من یهود أمیرکا غیر مبالین بإبادة »إسرائیل) فیما لا تتجاوز نسبة الشبان الذین یشعرون بارتیاح لوجود »إسرائیل)54%.‏

وحسب مدیر عام »مرکز تخطیط سیاسات الشعب الیهودی) نحمان شای فإن »نحو 50 یهودیا فی الولایات المتحدة یتحولون عن الیهودیة یومیا).و الأسباب التی تقود إلى زیادة مثل هذا الشعور متعددة , ومنها:‏

أولاً:إن المجتمع الصهیونی منذ نشأته هو مجتمع استیطانی یغلب علیه الطابع الحربی, و یفتقد إلى الأمان و الإستقرار.فهو مجتمع مستنفر و مستعد دائما لخوض الحروب.‏

ثانیاً:إن الحیاة المریحة التی یعیشها غالبیة الیهود فی الغرب تدفعهم لاتخاذ هذه المواقف, إذ إن 90% من الیهود فی العالم یعیشون فی بلدان مستواهم المعیشی فیها أعلى من المستوى المعیشی فی »إسرائیل), مثل الولایات المتحدة الأمیرکیة , ومن ثم فرنسا وبریطانیا و ألمانیا وغیرها من الدول الأوروبیة.‏

ثالثاً:إن ابتعاد الأمیرکیین الیهود عن الشعور بالإنتماء إلى »إسرائیل) نابع من القمع الوحشی الذی تمارسه سلطات الإحتلال ضد الشعب الفلسطینی , ومن الدور الوظیفی للکیان الصهیونی , الذی ینفذ سیاسة الولایات المتحدة الأمیرکیة ورئیسها جورج بوش فیما یتوجب على »إسرائیل) أن تتصرف »بمعاییر أخلاقیة و إنسانیة ) حسب وجهة النظر الغربیة.‏

إن العامل الدیموغرافی الیهودی المهدد, ونوع العلاقات المستجدة بین »إسرائیل) ویهود الدیاسبورا ,أصبح مقلقاً للدولة العبریة لأنه یتعلق باستمرار وجودها کدولة یهودیة.فقد تراجع معدل الهجرة السنوی إلى »إسرائیل) من 100 ألف مهاجر فی التسعینیات من القرن الماضی إلى 14 ألف مهاجر فی الوقت الحاضر. و بالمقابل ,فإن معدل الهجرة المعاکسة تراوح بین 7و8 ألاف »إسرائیلی). وتفسر الأبحاث المتخصصة تراجع هجرة الیهود إلى »إسرائیل), إلى مجموعة عوامل, منها : تراجع عدد الیهود فی العالم الذی انخفض من 21 ملیونًا عام 1970, إلى 11 ملیونًا و800 ألف نسمة فی 2007حسب إحدى الدراسات,و ازدیاد الزواج المختلط من غیر الیهودیات (تتجاوز النسبة 51 فی المئة وفق التقاریر الیهودیة الأمیرکیة),والذوبان فی المجتمعات المحلیة, وعدم الاکتراث بأهمیة ممارسة التقالید الیهودیة. و تبین أن نسبة الذوبان فی روسیا وصلت إلى 70% , و فی أمیرکا الشمالیة إلى 50%, و فی أوروبا الغربیة إلى 45%.أما العامل الأخیر, فیتمثل فی عزوف نسبة کبیرة من الشباب الیهود فی الولایات المتحدة الأمیرکیة و (إسرائیل) عن الزواج.

م/‏ن/25