الجمعه 11 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

ما هی المتغیرات التی طرأت على الأوضاع الاقتصادیة- الاجتماعیة لیهود العالم

استعرض التقریر السنوی الرابع لـ "معهد تخطیط سیاسة الشعب الیهودی" (فی العالم) التابع للوکالة الیهودیة، والذی یرأسه المساعد الأسبق لوزیر الخارجیة الأمیرکیة دنیس روس، الأوضاع الاقتصادیة الاجتماعیة للیهود فی العالم، بمن فیهم الیهود فی إسرائیل.

ویقول المعهد إن تقریره هذا هو نتائج لسلسلة أبحاث وإحصائیات تم جمعها على مستوى محلی فی الکثیر من الدول، وأیضا من خلال أبحاث بادر لها المعهد.

والعنوان الأبرز الذی بالإمکان استخلاصه من هذا التقریر هو "القلق" الواضح من ظاهرتین أساسیتین، تتعلقان بالیهود فی العالم خارج إسرائیل:

 الأولى هی أن عملیة التطور الاقتصادی لدى الغالبیة من الیهود وصلت إلى القمة، ولا یظهر ان هناک طموحًا للسعی إلى قمم أعلى، کما سنقرأ، وأن هدف غالبیة هؤلاء هو الحفاظ على ما هو موجود.

أما الظاهرة الثانیة، التی تبدی الوکالة الیهودیة القلق بشأنها، فهی تقلص الفجوة التی کانت قائمة بین مداخیل الیهود فی العالم وبین مداخیل أبناء کل واحدة من الدول التی یعیشون فیها، وهذا یحد من میزة الیهود الاقتصادیة، وبالتالی قد یؤثر على مکانتهم فی المجتمع، وأیضا على مدى تأثیرهم على المؤسسة الرسمیة وسیر وتطورات الأمور فی تلک الدول، على حد قول التقریر. 

کذلک یتوقف التقریر عند ظاهرة تراجع المصالح المتوسطة والصغیرة التی یملکها الیهود فی دول العالم، وتراجع نسبة الیهود الذین یعملون کمستقلین، مقابل ارتفاع نسبة الأجیرین.

وجاء فی التقریر أنه نتیجة للعولمة فإن الکثیر من الیهود نجحوا فی تحقیق الغنى المالی، فی حین أن الکثیر من الیهود عانوا من انعکاسات سلبیة جدا من العولمة، ففی غالبیة الدول الغربیة، وفی ما یتعلق بالعاملین ذوی المداخیل العالیة فإن الفجوة تقلصت بین الیهود وغیر الیهود، ولهذا فإن "الجالیات" الیهودیة بحاجة إلى سیاسة جدیدة لمواجهة هذه الظاهرة.

کما أنه فی الآونة الأخیرة باتت تتضح أکثر العلاقة بین المکانة الاقتصادیة الاجتماعیة العالیة، وبین الارتباط الوثیق بالخدمات التی تقدمها مرافق یهودیة فی العالم، وبالتالی الشعور بالانتماء والتماثل مع الیهودیة، وهذا الأمر یلزم التوقف عند تکلفة المعیشة لدى الیهود، ویطرح حاجة ملحة لفسح المجال أمام وصول هذه الخدمات إلى أوسع جمهور ممکن.

و إن أحد المقاییس الواضحة لمتغیرات طبیعة العمل لدى القوى العاملة الیهودیة، هو ترکزها الضخم جدا فی المدن الکبرى، التی تطورت بفعل الهجرة الخارجیة والداخلیة إلیها. ویظهر من معطیات سنة 2006، أنه فی 18 مرکزا سکانیا کبیرا فی العالم عاش 100 ألف یهودی وأکثر، وهم نحو 75% من مجمل الیهود فی العالم، إذ أن 52% من یهود العالم، 8ر6 ملیون نسمة، عاشوا فی سنة 2006 فی خمس مراکز مدن فقط، وهی: تل أبیب ونیویورک والقدس ولوس أنجلوس وحیفا.

وفی المرتبة الثانیة وجدنا 25% من یهود العالم یعیشون فی المدن التالیة، حسب کبر تواجدهم فیها: جنوب فلوریدا وبئر السبع وباریس وشیکاغو وبوسطن وسان فرانسیسکو ولندن وتورنتو وواشنطن العاصمة وبوینس آیرس وبولتیمور ودیترویت.

واحتلت العواصم والمدن التالیة موسکو ومونتریال وکلیفلاند وأتلانتا مرتبة متأخرة، إذ فی کل واحدة منها عاش أقل من 10 آلاف یهودی.

یتبین من خلال مسح لتوزیعة الیهود الجغرافیة التفصیلیة فی 160 دولة من العالم، أن الیهود یسکنون فی 70 منطقة اقتصادیة، هی بالأساس فی دول الاتحاد الأوروبی وفی الولایات الأمیرکیة الخمسین، وفی أکبر مناطق روسیا.

وحتى سنة 2000، کان 89% من الیهود فی العالم یعیشون فی دول الخُمس الأعلى اقتصادیا، فی الترتیب العالمی، وتشمل الولایات المتحدة والاتحاد الأوروبی وإسرائیل.

یذکر فی هذا المجال أن هذه الحقیقة هی أحد أهم الأسباب التی أدت إلى تراجع هجرة یهود العالم إلى إسرائیل، بمعنى أن الحافز الاقتصادی لدى هؤلاء کی یهاجروا إلى إسرائیل لم یعد موجودا، ولهذا فإن الوکالة الیهودیة ومعها إسرائیل تبحثان عن محفزات جدیدة تجعل یهود العالم یهاجرون إلى إسرائیل، لکن حتى الآن لا تظهر مثل هذه المحفزات، فی حین أن الهجرة إلى إسرائیل فی تراجع مستمر.

وفی العام الماضی وصل إلى إسرائیل حوالی 18 ألف مهاجر، لکن فی المقابل فإن حوالی 12 ألف یهودی غادروا إسرائیل کمهاجرین. 

إن التغیر المهم الذی بالإمکان ملاحظته عند یهود الشتات بشکل عام، حسب التقریر، هو الانتقال الدائم من العمل کمستقلین إلى العمل کأجیرین. وعلى الرغم من هذا فإن مکانة المستقلین لا تزال تبرز فی تفوقها على المستوى العام بالمقارنة مع الجمهور فی کل واحدة من الدول التی یتواجد الیهود فیها.

ومن المتغیرات أیضا أن مشارکة الیهود کموظفین فی المؤسسات العامة والمنظمات الوطنیة وما شابه فی تلک الدول، باتت أکبر بکثیر مما کان علیه الوضع فی الماضی، إذ کانت تقلیدیا مشارکة ضعیفة، مما یعنی مشارکة أوسع للیهود فی الحیاة العامة لتلک الدول، وفی دول مرکزیة هناک بروز واضح للدور الإداری للیهود فی هذه المؤسسات، نظرًا للمؤهلات الجامعیة التی یحملونها، والمکان الأبرز لهذا هو الولایات المتحدة، بحسب التقریر.

ومن المتغیرات أیضا تراجع المشارکة فی أعمال لیست مرتبطة بالضرورة بالکفاءات العلمیة، ففی فرنسا انخفضت نسبة الیهود العاملین فی قطاع المبیعات من 21% فی سنة 1970 إلى 9% فی سنة 2002. ونرى انخفاضا مماثلا فی الولایات المتحدة، ففی سنة 1990 کانت نسبة الرجال العاملین فی قطاع المبیعات 24% ونسبة النساء 41%، وانخفضت هذه النسبة فی سنة 2001 إلى 23% بین الرجال، و28% بین النساء.

إن ما کان یمیز القوى العاملة الیهودیة فی العالم هو العمل کمستقلین، فمثلا فی المکسیک کان 63% من الیهود فی سنة 1991 یعملون کمستقلین، بمن فیهم أصحاب الشرکات، لکن هذه المیزة تشهد تراجعا متواصلا، بسبب العولمة التی انعکست سلبیا على ذوی المصالح المتوسطة والصغیرة.

إلى جانب هذا هناک أربعة جوانب اقتصادیة اجتماعیة مثیرة للاهتمام تتعلق بالأوضاع الاقتصادیة الاجتماعیة للیهود فی العالم فی السنوات الأخیرة.

الجانب الأول، یتعلق بتأثیرات العولمة الاقتصادیة، وموجات التحرکات الاقتصادیة الوطنیة فی کل واحدة من الدول التی یتواجد فیها الیهود، على الجالیات الیهودیة، والضربة الأساسیة من هذه التأثیرات تلقاها الیهود أصحاب المصالح الصغیرة والمتوسطة، الذین أثبتوا نجاحهم فی الماضی، لکنهم الیوم معرضون لخطر کبیر، فی أعقاب اشتداد المنافسة فی الدول الأقل تطورا من الناحیة الاقتصادیة.

مثلا حین یحل الاستیراد مکان الصناعة المحلیة، فإن على هذه الأخیرة أن تجد بدیلا واقعیا لتسویقها، والاقتصاد الیهودی تأثر بشکل کبیر فی الدول التی کانت تعزز إنتاجها المحلی، ثم فتحت أسواقها دون قیود للإنتاج العالمی، وأکبر نموذج لهذه الظاهرة نجده فی دول أمیرکا اللاتینیة، وغیرها من الدول.

مثلا فی المکسیک کان 63% من الیهود فی سنة 1991 یعملون کمستقلین، بمن فیهم أصحاب الشرکات، ولکن هذه المیزة تشهد تراجعا متواصلا، بسبب العولمة التی انعکست سلبیا على ذوی المصالح المتوسطة والصغیرة.

وهذا الأمر أدى إلى توجه الکثیر من الیهود إلى نشاط اقتصادی بدیل، وبالتالی انعکس الأمر على مداخیلهم المالیة، وفی أعقاب هذا رأینا أن مداخیل حاملی الشهادات والمؤهلات الجامعیة العالیة باتت أعلى مما کان متوقعا لها، وفی المقابل فإن أصحاب المصالح الإنتاجیة المتوسطة، الذین کان یتوقع لهم ازدهار کبیر، أصبحت مداخیلهم أقل من المتوقع لها.

وبالتالی فإن الفجوة التی کانت قائمة بین مداخیل الیهود وبین معدل المداخیل فی کل واحدة من الدول التی یقیمون فیها، تقلصت فی السنوات الأخیرة.

الجانب الثانی، یتعلق بالمراحل الأخیرة، وعلى ما یبدو النهائیة، لارتقاء الأوضاع الاقتصادیة الاجتماعیة للیهود فی دول العالم. فی الماضی کانت غالبیة المهاجرین الیهود فی العالم ذات خلفیة فقیرة، وتواجه منافسة شدیدة، وبالأساس منافسة الیهود أنفسهم، أما الیوم وبوصول هؤلاء إلى القمة الاقتصادیة، فإن الطموح الأساس لدى الکثیر من العائلات الیهودیة هو لیس زیادة الغنى المالی بل المحافظة على ما هو قائم، والحفاظ على المستوى المعیشی العالی الذی حققوه.

وهذا یتطلب إستراتیجیة مخالفة لتلک التی کانت فی الماضی، الذی کان فیه الیهود فی مکانة وضیعة وملاحقین، ولأن ظاهرة الارتقاء الاقتصادی الاجتماعی نجدها أیضا لدى أقلیات أخرى تعیش ضمن مجموعات سکانیة کبیرة.

الجانب الثالث، یتعلق بتوزیع الموارد غیر المتساوی بین الیهود، فظاهرة الفقر ومعالجتها فی الدول النامیة وإسرائیل احتلت مکانة مرکزیة، وإحدى الظواهر الأکثر انتشارا هی الفجوات الاجتماعیة، والمستوى المعیشی المستفحل، والناجم عن الفجوات فی المداخیل، بین ذوی المداخیل العالیة والمتدنیة.

لکن اختلاف احتساب خط الفقر فی الدول المختلفة، وخاصة فی الولایات المتحدة، یخلق صعوبة فی التوصل إلى معطیات دقیقة حول مدى الفقر بین الیهود فی أماکن کثیرة فی العالم. وعلى الرغم من أن الفقر هو نسبی إذ ما قارنا بین الدول المختلفة، فهذا لا یعنی عدم وجود فقر فعلی وقاطع بین الیهود، وهذا یتعلق بالأساس بالمهاجرین من دول الاتحاد السوفییتی السابق وأثیوبیا.

إن السیاسة الإسرائیلیة التی تقضی بالاستمرار فی استقدام أبناء قبیلة الفلاشمورا (التی ترفض المؤسسة الدینیة یهودیتها ولکن لها علاقات عائلیة مع مهاجرین من قبیلة الفلاشا)، أنقذت آلاف الأثیوبیین من الضائقة، ولکنها أضافت إلى إسرائیل آلاف الأشخاص الذین یعانون من فقر کامل، وهذا یضاف إلى الفقر بین الیهود الحریدیم (الأصولیین) والعرب فی إسرائیل، بسبب قلة مشارکتهم فی سوق العمل.

والجانب الرابع یتعلق بمسألة الشعور بالانتماء الیهودیة، وعلاقة هذا بالمستوى الاقتصادی الاجتماعی، إذ أظهرت أبحاث سابقة أنه کلما ارتفع المستوى الاقتصادی الاجتماعی للیهود فی دول ما، فإن اندماج هؤلاء فی مجتمعات تلک الدول کان أکبر، مقابل ضعف العلاقة والشعور بالانتماء للجالیات الیهودیة.

لکن أبحاثا جرت لاحقا أظهرت علاقة معقدة بین المکانة الاقتصادیة الاجتماعیة وبین الانتماء للیهودیة، وهذا بسبب تکلفة الانتماء لجالیات یهودیة منظمة، إذ أنها تکلفة باهظة، وهذا یؤدی إلى ابتعاد ذوی المداخیل الأقل عن تلقی خدمات یهودیة، إلا إذا تم الحصول على تخفیضات ملائمة فی هذا المجال، یتم تمویلها إما من خلال یهود من نفس الجالیة أو من جهات خارجیة.

ویعنی هذا أن المشهد الحالی بالنسبة للشعور بالانتماء للیهودیة قد انقلب، أی أن الشعور بالانتماء والتوجه للحصول على الخدمات الیهودیة (دینیة واجتماعیة) أصبح من نصیب ذوی المداخیل العالیة ولیس العکس، کما کان فی الماضی.

( المقال بقلم برهوم جرایسی )

م/ ن/25


| رمز الموضوع: 142712







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. صنعاء تستهدف "بن غوريون" بصاروخ باليستي فرط صوتي.. وتُهاجم هدفاً في يافا المحتلة
  2. كتائب القسام توقع قوة إسرائيلية في حقل ألغام.. وجنود الاحتلال بين قتيل وجريح
  3. المشّاط للإسرائيليين: لا تراجع عن إسناد غزّة.. الزموا الملاجئ ردّنا سيكون مزلزلاً
  4. الإدارة الأميركية ترضخ.. القوات اليمنية تستفرد بالعدو الصهيوني
  5. انصار الله: إعلان ترامب فشل لنتنياهو
  6. سرايا القدس تسيطر على مُسيرة إسرائيلية شرق مدينة غزة
  7. العدوان الإسرائيلي على مطار صنعاء الدولي.. هجوم استعراضي موجه للداخل الصهيوني
  8. عدوان أمريكي إسرائيلي غاشم على اليمن بعشرات الطائرات
  9. وزير الخارجية الإيراني: الدعم القاتل لإبادة نتنياهو الجماعية في غزة، وشن الحرب نيابةً عنه في اليمن، لم يُحققا شيئاً للشعب الأميركي
  10. طهران ترفع الستار عن وثائقي للمقاومة في فلسطين وايرلندا
  11. حكومة الاحتلال تقرّر توسيع الحرب على غزة رغم التحذيرات
  12. وزير العلوم الإيراني: الرأي العام العالمي لا يعترف بالكيان الصهيوني
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)