الجمعه 11 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

اسرائیل ما زالت تکتم بعد 60 عاماً سراً یجب علیها مواجهته

بمناسبة قرب احتفال الکیان الصهیونی بعید میلاده الستین المزعوم ، کتب المحلل السیاسی الشهیر یوهان هاری فی صحیفة "ذی اندبندنت" البریطانیة تحلیلاً یقول فیه : ان شریحة من المجتمع الاسرائیلی مالت دائماً الى تفضیل رسم حدودها بالعنف على المحادثات والحلول الوسط . وقال ان الیهود الذین فروا من الاضطهاد اللاسامی فی اوروبا فی القرن العشرین اقنعوا انفسهم بأن فلسطین هی "ارض بلا شعب لشعب بلا ارض". وتصور هاری فی تحلیله ما الذی ستحس به اسرائیل فی یوم میلادها هذا وکتب یقول: "ستنظر الدولة الى المرآة وتفکر – لدی ظهر یؤلم ورکبتان محلحلتان وعلى خاصرتی بندقیة، لکننی ما ازال واقفة. ومع ذلک فی مکان ما، ستعرف انها تکتم سرا قدیما علیها ان تواجهه. واود لو اکون قادرا على التطفل على حفلة عید المیلاد بکلمات طمأنة. ان اسرائیل قدمت لنا روائیین عظماء من امثال عاموس عوز و أ.ب. یهوشواع، وصناع افلام عظماء مثل جوزیف سیدار، وبحثا علمیا عظیما حول مرض خرف الشیخوخة "الزهایمر"، وصحافیین منشقین عظماء مثل عمیرة هاس وتوم سیغیف وجدعون لیفی لفضح جرائمها.

و وفرت البقعة الوحیدة فی الشرق الاوسط التی لا یطارد فیها مثلیو الجنس ویشنقون، وحیث یمکن للمرأة ان تقترب من المساواة.

ولکننی لا استطیع ان افعل ذلک. وکلما اردت التلفظ بهذه الکلمات، تزکم رائحة من الذاکرة منخری. انها رائحة البراز. ذلک انه یتم فی انحاء الضفة الغربیة المحتلة ضخ میاه الصرف الصحی غیر المعالجة کل یوم من المستوطنات الیهودیة، عبر خطوط انابیب معدنیة کبیرة، مباشرة الى الاراضی الفلسطینیة. ومن هناک، تدخل الى المیاه الجوفیة والخزانات، وتتحول سماً.

اثناء وقوفنا بالقرب من احدى هذه البرک الطویلة النتنة من المخلفات ذات اللونین الاصفر والاسود ، فسر لی الدکتور بسام سعید نادی، کبیر المسؤولین الطبیین المحلیین: "هطلت فی الآونة الاخیرة امطار غزیرة جدا، وبدأت القاذورات بالتدفق الى الخزانات التی تزود کل هذه المنطقة بالمیاه. وعرفت اننا اذا لم نتصرف، فان اناسا سیموتون. نبهنا الجمیع الى ضرورة عدم شرب الماء لأکثر من اسبوع، وقمنا بتوزیع القنانی. وکنا محظوظین لانه تم رصد المشکلة. اما فی المرة المقبلة...". وهز رأسه خوفا. ولیس هذا وضعاً استثنائیاً: اذ وجد تقریر من عام 2004 لمجموعة "اصدقاء الارض" ان ستة فی المئة فقط من المستوطنات الاسرائیلیة تعالج میاه صرفها الصحی على نحو کاف.

وفی غضون ذلک، ومن اجل معاقبة سکان غزة على التصویت "بطریقة خاطئة"، فان الجیش الاسرائیلی لا یسمح بان تمر عبر حواجز التفتیش ای بدائل للانابیب والاسمنت المطلوبة لاستمرار عمل نظام الصرف الصحی. والنتیجة؟ برک واسعة راکدة من القاذورات محتجزة فی احواض هشة فی انحاء القطاع، وتتعفن. وفی آذار /مارس الماضی، انفجرت احداها واغرقت طفلا عمره تسعة شهور مع جدته العجوز فی تسونامی من المخلفات البشریة. ویحذر مرکز حقوق الاسکان من ان تساقطا غزیرا واحدا من الامطار قد یرسل 1،5 ملیون متر مکعب من الغائط لتتدفق عبر کل کل غزة، مما سیتسبب فی کارثة انسانیة وبیئیة ذات ابعاد اسطوریة.

ولکن کیف وصل الامر الى هذا الحد؟ کیف انتهى الحال بدولة یهودیة اسست قبل 60 عاما بتعهد بأن تکون "نوراً على الأمم"، الى ان تقذف بقذارتها نحو سکان فلسطینیین منکمشین؟

ان بدایة الاجابة تکمن فی السر الذی عرفته اسرائیل، وکتمته طیلة هذه السنین. وحتى الآن، هل یمکننا ان نصف ما حدث قبل 60 عاما بنزاهة وبدون هیستیریة؟ ان الیهود الذین وصلوا الى فلسطین خلال القرن العشرین لم یأتوا لأنهم کانوا اشخاصا قساة راغبین فی ملاحقة العرب. کلا: انهم جاؤوا لأنهم کانوا فارین بحیاتهم من المعاداة الاوروبیة الاستئصالیة للسامیة التی کانت توشک على ذبح ستة ملایین من شقیقاتهم وابنائهم.

لقد اقنعوا انفسهم بأن فلسطین هی "ارض بلا شعب لشعب بلا ارض". وانا اتمنى بشکل یائس لو ان هذا الحلم کان حقیقیا. وبوسعک مشاهدة آثار لما کان یمکن ان یحدث فی تل بیب، المدینة التی بنیت على کثبان رملیة خالیة. ولکن معظم فلسطین لم تکن خالیة. لقد کانت فعلا مسکونة بأشخاص احبوا الارض، واعتبروها ارضهم. وکانوا ابریاء تماما من الجرائم الجهنمیة الطویلة الامد ضد الیهود.

وعندما اصبح واضحا ان هؤلاء الفلسطینیین لن یرحبوا بتحولهم الى اقلیة فی وطن لآخرین، اعدت خطط اکثر سوادا. وقد کتب دیفید بن غوریون اول رئیس لوزراء اسرائیل عام 1937: "العرب یجب ان یغادروا، ولکن المرء بحاجة الى اللحظة المناسبة لتحقیق ذلک، مثل قیام حرب" .

ولهذا، وعندما جاءت اللحظة، فقد ساعد فی اعداد الخطة المسماة خطة دالیت. وکانت - وفقا لما وصفها به المؤرخ الاسرائیلی ایلان بابی- "وصفا مفصلا للاسالیب التی ستستخدم لطرد الناس: تخویف على نطاق واسع ، وفرض الحصار وقصف المراکز السکانیة". وفی العام 1948، وقبل دخول الجیوش العربیة، بدأ تنفیذ الخطة: وحدث تطهیر عرقی لحوالی 800000 نسمة، وبنیت اسرائیل فوق الانقاض. واؤلئک الذین یتساءلون بغضب لماذا لا یکف الفلسطینیون عن الحنین لارضهم القدیمة علیهم ان یتخیلوا نسخة انکلیزیة للقصة. کیف سیکون رد فعلنا لو ان 30 ملیوناً من الاکراد الملاحقین فی العالم ارسلوا جیوشا ومستوطنین الى هذه البلاد للاستیلاء على کل شیء فی انکلترا الى الجنوب من مدینة لیدز، واقاموا بسرعة کردستان الحرة فی الاماکن التی طردنا منها؟ الن نشعر بالشوق الى الابد بان یعود ابناؤنا الى کورنوول ولندن؟ وهل یستطلب الامر 40 عاما للتنازل والقبول بتسویة تتضمن 22 فی المئة من الارض التی کانت لنا؟

اذا لم نشأ ضرب رؤوسنا باستمرار على جدار التاریخ، فان الشرق الاوسط بحاجة الى التنقیب فی ما جرى فی 1948 والسعی الى ایجاد حل. وای صفقة سلام، حتى لو فککت اسرائیل بموجبها الجدار ووافقت على العودة الى حدود 1967، ستمیل الى الانهیار بسبب هذه القضیة. ویقول الاسرائیلیون: اذا سمحنا للملایین الثلاثة بالعودة، فان الفلسطینیین سیتفوقون علینا عددیاً حتى ضمن حدود 1967، وبهذا سیجری اخراج اسرائیل من الوجود بالتصویت. ولکن الفلسطینیین یردون: اذا لم نحصل على اقرار بالنکبة، وعلى حقنا، بموجب القانون الدولی، فی الارض التی فر منها اجدادنا، فکیف یمکننا ان نتقدم؟

وبدت هذه مشکلة مستعصیة على الحل الى ان اجرى المرکز الفلسطینی للدراسات والاستطلاعات قبل سنتین اول دراسة عن توجهات فلسطینیی الشتات. وتبین من الدراسة ان 10 فی المئة فقط - ای نحو 300 الف شخص – یریدون العودة الى اسرائیل. وبوسع اسرائیل ان تقبل مثل هذا العدد (وتعوض على الباقین) من دون ان تتحمل الماً کبیراً. ولکن کان هناک دائماً شریحة من المجتمع الاسرائیلی تفضل ترسیم حدودها بالعنف، ووفق شروطها، على اجراء محادثات وقبول حقوق وسط. وفی عطلة نهایة الاسبوع المنصرم عرضت حکومة "حماس" المنتخبة هدنة لستة اشهر کان یمکن ان تؤدی الى محادثات. وقد ردت الحکومة الاسرائیلیة فی غضون ساعات بنسف (اختطاف) قیادی فی "حماس" وقتل فتاة (ابنته) فی الرابعة عشرة من عمرها.

وربما کانت اقتراحات "حماس" خدعة. وربما کانت الدول العربیة جمیعها کاذبة ایضاً عندما تعرض على اسرائیل اعترافاً کاملاً فی مقابل انسحابها الى حدود 1967. ولکن الیس استکشاف ذلک فکرة جیدة؟

یتعین على اسرائیل وهی تنظر الى شعرها الشائب وتتجاهل رائحة برازها الآسن الذی یضخ الى فلسطین ان تسأل نفسها ما نوع البلاد التی ترید ان تکون فیها فی السنوات الستین المقبلة".

م/ن/25


| رمز الموضوع: 142864







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. صنعاء تستهدف "بن غوريون" بصاروخ باليستي فرط صوتي.. وتُهاجم هدفاً في يافا المحتلة
  2. كتائب القسام توقع قوة إسرائيلية في حقل ألغام.. وجنود الاحتلال بين قتيل وجريح
  3. المشّاط للإسرائيليين: لا تراجع عن إسناد غزّة.. الزموا الملاجئ ردّنا سيكون مزلزلاً
  4. الإدارة الأميركية ترضخ.. القوات اليمنية تستفرد بالعدو الصهيوني
  5. انصار الله: إعلان ترامب فشل لنتنياهو
  6. سرايا القدس تسيطر على مُسيرة إسرائيلية شرق مدينة غزة
  7. العدوان الإسرائيلي على مطار صنعاء الدولي.. هجوم استعراضي موجه للداخل الصهيوني
  8. عدوان أمريكي إسرائيلي غاشم على اليمن بعشرات الطائرات
  9. وزير الخارجية الإيراني: الدعم القاتل لإبادة نتنياهو الجماعية في غزة، وشن الحرب نيابةً عنه في اليمن، لم يُحققا شيئاً للشعب الأميركي
  10. طهران ترفع الستار عن وثائقي للمقاومة في فلسطين وايرلندا
  11. حكومة الاحتلال تقرّر توسيع الحرب على غزة رغم التحذيرات
  12. وزير العلوم الإيراني: الرأي العام العالمي لا يعترف بالكيان الصهيوني
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)