الإرهاب النووی الإسرائیلی.. والخروج من الالتباس
فی نهایة عام 2006، أثار التصریح «النووی» لرئیس حکومة الکیان الصهیونی إیهود أولمرت، عاصفة سیاسیة فی أروقة مؤسسات الکیان ، وانتقلت إلى داخل الکنیست الإسرائیلی، مترافقةً بموجة من الانتقادات، باعتبار التصریح المذکور خرقاً لإستراتیجیة «الغموض النووی»، المنتهجة منذ زهاء نصف قرن، فالتصریح اخترق قدس أقداس «الهیکل» الأمنی الصهیونی، رغم أنه قد سبق للتلفزیون البریطانی B.B.C وعلى الملأ عبر فضائیته العالمیة أن بث فیلماً وثائقیاً بعنوان «سلاح إسرائیل السری» کاشفاً به حقیقة هذه الترسانة التی تخفیها الدولة الصهیونیة، وفی معلومات عن برامج تسلحها النووی، فضلاً عن معلومات الخبیر مردخای فعنونو التی قدمها للرأی العام العالمی حول هذا الملف.
بعض ردود الفعل المباشرة فی الکنیست على تصریح أولمرت طالبته بالاستقالة، لما تضمن التصریح من قرار امتلاک هذه الترسانة وقدراتها، وقد خرجت عن اعتبارها «زلة لسان نوویة»، مقابل ذلک ذهب مکتب أولمرت إلى تفسیر التصریح بکلمات قلیلة قوامها «بأنها (إسرائیل) تتصرف بمسؤولیة»، بمعنى استطاعتها على «ضبط» استعمالها للسلاح النووی.
وهکذا فالإعلان صریح وواضح من حیث التفسیر الذی لا یحتمل التأویل«الغامض» على الوجهین، وعلیه یمکن اعتبار أن «الرسالة النوویة» قد وصلت إلى العناوین المختلفة الدولیة والشرق أوسطیة بالذات.
لا جدید فیما ورد على إستراتیجیة «الغموض» المعروفة، فقد سبق أن أورد کتاب «المیزان العسکری» اللندنی ـ 2004 ـ 2005 ـ؛ بأن لدى إسرائیل ما یزید على 200 رأس نووی، بذات الوقت الذی تقدر به مراکز دولیة متخصصة؛ امتلاک الدولة الصهیونیة إلى ما بین 200 ـ 400 رأس حربی بحسب تقدیراتها، کان الجدید هو الخروج من سیاسیة الالتباس وإستراتیجیة الغموض، باعتبارها من الدول القادرة على «ضبط» استخدامها والتصرف بمسؤولیة، دون تحدید قواعد «التصرف بمسؤولیة»، وفقاً للقانون الدولی الخاص بحظر انتشار الأسلحة النوویة. وفی الوقت الذی تنحو به العدید من الدول الشرق الأوسط، خاصةً بعض الدول العربیة التی استیقظت مؤخراً، على ضرورة دخولها للاستخدام المدنی السلمی للطاقة النوویة، بهدف التحدیث والحصول على الطاقة، وفی عداد أجندات ومراقبة وإشراف الوکالة الدولیة للطاقة الذریة، بعد إدراک عواقب القصور الذاتی لتجاوز هذه العتبة العلمیة السلمیة.
إن خلاصة الملمح الجدید الذی قدمه أولمرت، هو بالتأکید تولیفة مشترکة مع الإدارة الأمیرکیة المنتجة لـ«الدولة التی تتصرف بمسؤولیة» بعیداً عن قرارات الشرعیة الدولیة، والمستمدة من أهداف الإدارة الأمیرکیة بالتصعید الابتزازی فی المنطقة، ودفعها أولمرت للخروج من الألغاز والالتباس والغموض، نحو الکلام المکثف الصریح. أما المفارقة فهی تقع فی النمط المریع للدولة الصهیونیة ووظیفتها المعقدة فی المنطقة والتی تنفذها آلة بیروقراطیة مرکزیة، وهی: الایدولوجیا أو الأبارتید والامبریالیة ـ فیما یتتابع بعدها: الجیش والاقتصاد والسیاسة، وهذه الأقانیم الأربعة بمجملها تفعل فعلها فی منظور سوسیولوجی لتفرز أولاً ثقافة العسکریتاریا الصهیونیة، بقیمها ومعاییرها وعاداتها وفلسفاتها وقد هزتها بالعمق هزیمة حرب تموز والعدوان على لبنان صیف 2006، باعتبارها متغیر عمیق طرأ على تقالیدها وبیئتها، وأدت فیما أدت إلى ضغوطات وعقبات داخل الجماعة، بما تحمل من معتقدات، وقد ضربت بجذورها فی قلب هذه المؤسسات وفرضیاتها المتبناة، والمتجذرة فی نظامها السیاسی.
فعلى مستوى صناعة الحروب الصهیونیة ومنطق العنف عموماً، فقد اثبت هذه أهمیتها الکبرى بالنسبة لها، من حیث التلاحم والانضباط وتوفیر القوة، باعتبارها مصدر کیانها ومن ثم سلطتها الاجتماعیة. لقد جاء «التصریح النووی» لأولمرت فی حالة انکسار للجماعة، وبصفته حزمة فکریة للهیمنة، دون الاکتراث بالرسمی المقر فی الغموض النووی، طالما أن الأمر یرتبط بالمرکز الامبریالی الأوحد، فی استهدافاته وأوامره لنظائره وتوابعه فی أطرافه. وهکذا؛ لا یعود الإقرار الإسرائیلی بالأمر، وفق قواعد «التصرف بمسؤولیة» بقدر ما یمهد الطریق إلى خزین مفهوم «الکفایة الذاتیة» بالمعنى المتطرف للعسکریتاریا الشمولیة، وکأحد تنویعات فکره الشمولی، بدلاً من وضع حد جماعی فی المنطقة للتهدید النووی، وعلى الأسس والقوانین الدولیة، وهو مثال آخر على الانسجام الممیز بین الحکومة الصهیونیة والإدارة الأمیرکیة فی مجموع الکوارث الأخیرة التی ارتکبتها «إسرائیل».
سبق وأن قدمت سوریة لمجلس الأمن، حینما کانت عضواً فیه عام 2003، مشروع قرار یشیر فی مقدمته إلى قرار مجلس الأمن (487) 19/ 6/1981، والذی یقرر أن إسرائیل لیست طرفاً فی معاهدة حظر انتشار الأسلحة النوویة (NPT) 1/7/1968، وتضمن مشروع القرار دعوة المجلس «إسرائیل» إلى وضع منشآتها النوویة تحت إشراف نظام الضمانات الشامل للوکالة الدولیة للطاقة الذریة، وأخذ مشروع القرار فی اعتباره القرار رقم 1373 لعام 2001 بشأن مکافحة الإرهاب، وقرار الجمعیة العامة للأمم المتحدة رقم 57/ 5 تاریخ 30/12/ 2002، بشأن إنشاء منطقة خالیة من الأسلحة النوویة فی الشرق الأوسط، أشار مشروع القرار إلى دور مجلس الأمن تنفیذ نهج شامل لمکافحة انتشار جمیع أسلحة الدمار الشامل فی دول منطقة الشرق الأوسط دون استثناء، وطالب مجلس الأمن على تفعیل قراراته وخاصةً رقم 487/ 1981، ورقم 687/ 1991، الرامیین إلى إخلاء منطقة الشرق الأوسط من جمیع أسلحة الدمار الشامل، وعلى أساس دعوة دول المنطقة إلى الانضمام لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النوویة، بوصفها غیر حائزة للأسلحة النوویة.
أما الخلاصة فهی أن «إسرائیل» لن تستطیع لوحدها أن تخرق القرارات الدولیة، لو لم تقدم لها الولایات المتحدة التشجیع والحمایة والاحتکار لهذه الترسانة فی الشرق الأوسط.
راهناً، وعلى ذات منوال سلسلة الأکاذیب الأمیرکیة المبرمجة، التی تعیدنا إلى سیناریوهات احتلال العراق، تعیدنا الآن إلى التصعید المبرمج ضد إیران، للحیلولة دون تحقیق مآربها المشروعة فی صناعة التکنولوجیا النوویة للاستخدام المدنی السلمی، وبإشراف الوکالة الدولیة للطاقة الذریة. وتستخدم الولایات المتحدة المحافل الدولیة بما فیها الأمم المتحدة، الأمر الذی یمکن قراءته فی تصریح وزیر الخارجیة الروسی سیرغی لافروف؛ والذی اعتبر فیه: «إن الأمم المتحدة یجب ألا تستخدم بهدف معاقبة إیران، أو تشجیع فکرة تغییر النظام فی طهران، ولا یمکننا أن نساند، بل سنعارض أیة محاولة لاستخدام مجلس الأمن لمعاقبة إیران، أو استخدام البرنامج النووی الإیرانی للترویج لفکرة تغییر النظام».
فی مفارقات التضلیل والأکاذیب الأمیرکیة؛ التناقض الصارخ بینها وبین قوانین ومقررات الوکالة الدولیة للطاقة الذریة، حول النشاطات النوویة الإیرانیة، فالنشاطات النوویة الإیرانیة قد أکدت علیها مجمل تقاریر الوکالة الدولیة، من حیث الرقابة والتفتیش والإشراف.
وأمام هذا کله؛ فإن الخطوة الأولى المطلوبة عربیاً والتی ینبغی الوقوف عند مدلولاتها، هی بالأساس خطر الأسلحة النوویة الإسرائیلیة، وإبراز ذلک فی عموم المحافل الدولیة والرأی العام الدولی، وعبر الأمم المتحدة التی سبق وعبر عنها السفیر الأمیرکی السابق لدیها جون بولتون بالقول: «لیس هناک شیء اسمه الأمم المتحدة، ومجلس الأمن یجب تقلیصه بحیث یضم دولة واحدة فقط هی الولایات المتحدة».
فهل یلهم تصعید هذه المخاطر الإستراتیجیة النظام العربی الرسمی ویوحده!
( للکاتب الفلسطینی رشید قویدر )
م/ ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS