الجمعه 11 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

السعودیة: الدور الإقلیمی ومستوى الخطر الأمنی

 

تزایدت التقاریر والمعلومات التی تشیر إلى اتساع نطاق تحرکات السیاسة الخارجیة السعودیة وأکدت التحلیلات والدراسات الجاریة أن التحرکات السعودیة لم تعد ترتبط بالمرکز التقلیدی للسعودیة باعتبارها أرض الإسلام وقبلة المؤمنین، وإنما هی تحرکات مبرمجة تحمل بین ثنایاها الکثیر من الأجندة السیاسیة والاقتصادیة، فهل نحن أمام ظاهرة نفوذ إقلیمی سعودی أم شیء آخر لم یتفق الخبراء على تسمیته بعد؟

 

* المحددات العامة للقدرات السعودیة:

تشیر الخصائص العامة لقدرات المملکة العربیة السعودیة إلى أنها تتمیز بالکثیر من عوامل القوة وعوامل الضعف، وعلى سبیل المثال تمتلک السعودیة رقعة هائلة من الأرض وهذا یمثل عامل قوة ولکنه یترافق مع عامل ضعف یتمثل فی أن هذه الرقعة هی عبارة عن صحراء جرداء. ویوجد فی السعودیة تجانس سکانی إثنیاً ولغویاً ودینیاً وهی عوامل قوة ولکن عامل الضعف یتمثل فی أن عدد السکان لا یتناسب مع المساحة الکبیرة إضافةً إلى توزع السکان جهویاً على أساس الخطوط القبلیة والعشائریة. وتتمیز السعودیة بثروة نفطیة هائلة تشکل المصدر الرئیسی للاقتصاد الوطنی وهو عامل قوة ولکن عامل الضعف یتمثل فی اعتماد الاقتصاد السعودی على النفط کمصدر وحید الأمر الذی حرم السعودیة من فرصة تنویع اقتصادها. وعلى هذا النحو یمکن استعراض عدد کبیر من عوامل القوة التی تقلل من فعالیتها عوامل الضعف المرافقة لها.

* أبعاد السیاسة الخارجیة السعودیة:

تمثل السعودیة بلداً هاماً على أساس الاعتبارات الإقلیمیة والدولیة بسبب دورها کمصدر هام من مصادر الطاقة النفطیة إضافةً إلى وزنها الدینی الکبیر فی العالم الإسلامی الذی ینتمی إلیه أکثر من ملیار مسلم من سکان الکرة الأرضیة.

• البعد الإقلیمی: تقع السعودیة فی منطقة الشرق الأوسط ولها إطلالة على الخلیج العربی ( الفارسی ) الفائق الأهمیة لصادرات النفط العالمی ولها ساحل طویل على البحر الأحمر الممر المائی الأکثر خطورة فی العالم إضافةً لذلک تتأثر السعودیة بمشاکل شرق المتوسط والخلیج العربی والقرن الإفریقی. وبسبب ذلک فإن ارتباط السیاسة الخارجیة السعودیة بهذه المناطق هو ارتباط حیوی وضروری.

• البعد الدولی: السعودیة لم تسع طوال تاریخها إلى تمدید نفوذها والتحول إلى قوة دولیة کبرى، والمفارقة تتمثل فی أن القوى الکبرى هی التی جاءت واستهدفت السعودیة! وبرغم أن السعودیة لیست عضواً فی حلف الناتو ولا فی غیره، إلا أن هناک من یحاول استدراجها إلى هذا الحلف کما تشیر إلى بعض التسریبات الأخیرة، ولفترة طویلة لم تتجاوز السعودیة نطاق المشارکة والإسهام فی الجهود الدولیة مثل الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمیة والبنک الدولی وما شابه ذلک.

* دائرة الخطر السعودی: ما بعد الحرب الباردة:

ظلت السیاسة الخارجیة السعودیة أکثر تحالفاً مع الولایات المتحدة الأمریکیة والغرب، ولکنها کانت فی الوقت نفسه أکثر تفادیاً لأن یصل هذا التحالف إلى مستوى الروابط العسکریة والأمنیة. ولکن بعد قیام النظام العراقی السابق باحتلال الکویت وانهیار نظام القطبیة الثنائیة بدا واضحاً أن المملکة ستواجه عواصف النظام الدولی الجدید وریاحه العاتیة التی تتجه أعاصیرها صوب منطقة الشرق الأوسط. وسعت معظم دول المنطقة إلى تکییف وتوفیق سیاساتها الخارجیة والداخلیة بما یتماشى مع الوضع الولی الجدید، إلا المملکة العربیة السعودیة فقد کانت استثناءاً لجهة عدم تکییف نفسها، وکان أن لجأت الأطراف الدولیة إلى تکییفها. بکلمات أخرى، فإن کل من لا یکیف نفسه فعلیه أن لا یستغرب إن جاءت أمریکا وکیفته وفقاً لمصلحة إسرائیل.

• لم تقم السعودیة ببناء قدرتها العسکریة الوطنیة بالشکل المتوازن المتعارف علیه عسکریاً ووجدت أمریکا فرصة التقدم ولملء فراغ انکشاف الأمن العسکری السعودی.

• لم تقم السعودیة ببناء قدراتها الاقتصادیة الوطنیة بالشکل المتوازن المتعارف علیه اقتصادیاً و وجدت أمریکا فرصة التقدم وملء فراغ انکشاف الأمن الاقتصادی السعودی.

• لم تقم السعودیة ببناء قدراتها السیاسیة الوطنیة بالشکل المتوازن المتعارف علیه سیاسیاً ووجدت أمریکا فرصة للتقدم وملء فراغ انکشاف الأمن السیاسی السعودی.

دخلت القوات الأمریکیة العراق ولکنها قبل ذلک دخلت الأراضی السعودیة وستخرج القوات الأمریکیة من العراق بسبب مقاومة العراقیین المسلحة الضاریة، فهل سیلجأ السعودیون للمقاومة العسکریة لإخراج القوات الأمریکیة أم ستغض السعودیة النظر عن ذلک بحیث تبقى القوات الأمریکیة لحین نضوب النفط؟

الانتشار والتمدد العسکری الأمریکی فی السعودیة ترتب علیه انتشار وتمدد اقتصادی سیاسی أمریکی ألقى بظلاله على استقلالیة قرار السیاسة الخارجیة السعودیة على نحو بات یهدد بتآکل وانجراف السیاسة الوطنیة. وهکذا، دخلت السیاسة الخارجیة السعودیة دائرة الخطر لأنه أصبح من الصعب تصور أجندة للسیاسة الخارجیة السعودیة یتم وضعها بمعزل عن أجندة السیاسة الخارجیة الأمریکیة المرتبطة بدورها بأجندة المشروع الإسرائیلی فی المنطقة، وکان من أبرز تداعیات ذلک:

• دخلت أمریکا فی مشروع الحرب ضد الإرهاب ولم تجد السیاسة الخارجیة السعودیة سوى المسیر خلف واشنطن.

• نظمت أمریکا مؤتمرات المانحین لدعم حلفائها ولم تجد السیاسة الخارجیة السعودیة سوى تقدیم المال بسخاء لدعم حلفاء أمریکا.

* الدور الإقلیمی السعودی: بین الحقیقة و وهم الوکالة:

یرتبط النفوذ بتوازن المکانة والدور، وبکلمات أخرى، من کانت له مکانة ووزن أکبر یکون له دور أکبر وظاهرة النفوذ الدولی والإقلیمی لیست استثناءاً عن هذه القاعدة. کذلک، ترتبط ممارسة النفوذ بأسلوب السیاسة الخارجیة التدخلیة التی یمارسها ویطبقها الطرف القوی، وهناک أسلوب تدخلی مثالی یقوم على إرغام الواقع على قبول النموذج المعد سلفاً وهناک أسلوب تدخلی واقعی یقوم على التعامل مع الواقع وفق المعطیات المیدانیة الجاریة.

بین الواقعیة المثالیة نتساءل:

• ما هی طبیعة الدور الإقلیمی السعودی؟ هل هو مثالی أم واقعی أم لا هذا ولا ذاک؟

• ما هی مرتکزات الدور الإقلیمی السعودی؟ هل یرتکز على القوة العسکریة أم الاقتصادیة أم لا هذا ولا ذاک؟

• ما هی حدود الدور الإقلیمی السعودی؟ هل هی حدود جغرافیة تنحصر ضمن نطاق بلدان الجوار الإقلیمی أم حدود نوعیة تنحصر فی المجالات الاقتصادیة والعسکریة والسیاسیة أم أنها تجمع بین ما هو جغرافی وما هو نوعی أم لا هذا ولا ذاک؟

• ما هو مستقبل الدور الإقلیمی السعودی؟ هل هو مؤقت أم هو دائم أم لا هذا ولا ذاک؟

• ما هی تأثیرات الدور الإقلیمی السعودی؟ هل هی إیجابیة أم کارثیة أم لا هذا ولا ذاک؟

التطرق لتحلیل أبعاد هذه الأسئلة والإجابة علیها یقودنا إلى ملاحظات أبرزها:

• تزایدت محاولات الریاض للقیام بدور إقلیمی مع تزاید الوجود الأمریکی فی السعودیة والخلیج وتزاید وتائر السیاسة الخارجیة الأمریکیة التدخلیة فی منطقة الشرق الأوسط.

• لم یتعارض الحراک الإقلیمی السعودی مع حراک السیاسة الخارجیة الأمریکیة فی الشرق الأوسط.

• الأداء السلوکی للسیاسة الخارجیة السعودیة فی الشرق الأوسط لا یتطابق مع الأداء السلوکی للسیاسة الخارجیة الأمریکیة فی الشرق الأوسط وحسب، بل بات یسعى أیضاً لإکمال ما عجزت عنه السیاسة الأمریکیة فی المنطقة.

أذاً نحن أمام "بروکسی" إقلیمی، ولسنا أمام سیاسة خارجیة حقیقیة، وإلا فلماذا لم تحضر السعودیة للمشارکة فی قمة دمشق؟ ولماذا تصر السعودیة على دعم وتأیید قوى 14 آذار؟ ولماذا تدعم السعودیة الاستهداف الأمریکی لإیران؟ ولماذا تقدم السعودیة المال بسخاء فی مؤتمرات المانحین التی تدعو لها أمریکا من جهة وتمتنع عن دعم من لا تبارک أمریکا دعمه مسبقاً؟

إن الطموح، أی طموح، هو أمر مشروع وهو حق لکل الأطراف ولا أحد فی المنطقة یرفض أن یکون للسعودیة دور رائد وقائد ونفوذ على أوضاع المنطقة والسبب فی ذلک بکل بساطة یتمثل فی أن السعودیة ستظل مثلها مثل غیرها أسیرة الحتمیة الجغرافیة، طالما أنها من دول الشرق الأوسط، وطالما أنها لن تستطیع الرحیل والاستقرار فی الباسفیک أو أمریکا اللاتینیة. ولکن مصدر الخلاف سیظل، فالجمیع یرحبون بالدور الإقلیمی السعودی، ولکن کیف؟ ولمصلحة من؟ وفی أی اتجاه؟ وضمن أی توافقات؟ فالسعودیة تستطیع ممارسة النفوذ الاقتصادی لأنها قویة اقتصادیاً وتستطیع ممارسة النفوذ السیاسی عن طریق جمع الأطراف المتنازعة لأنها تستطیع التصرف بحیادیة إن أرادت، ولکنها لن تستطیع فرض إملاءات واشنطن لأن جمیع شعوب المنطقة تعرف الفرق الذی یمیز العلم السعودی المرتبط بالإسلام والعروبة والعلم الأمریکی المرتبط بالهویة الأنجلو-ساکسونیة المرتبطة بإسرائیل.

• تستطیع السعودیة القیام بدور فاعل فی الخلیج العربی ( الفارسی ) ولکن بالتنسیق مع دول الخلیج ( الفارسی ) وإیران.

• تستطیع السعودیة القیام بدور فاعل فی القرن الإفریقی ولکن بالتنسیق مع السودان وجیبوتی.

• تستطیع السعودیة القیام بدور فاعل فی منطقة شرق المتوسط ولکن بالتنسیق مع سوریا والأردن.

وبسبب الأهمیة المرکزیة لمنطقة شرق المتوسط وتأثیرها الطاغی على التوازنات الجیوسیاسیة الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط، فإن محور الریاض – القاهرة لن یجدی نفعاً لأن القاهرة لم تعد طرفاً فی الصراع لأنها خرجت من المعرکة، ومحور الریاض – قوى 14 آذار لن یجدی نفعاً لأن الذین نهبوا وسرقوا المال العام اللبنانی وأوصلوا الدین العام إلى مبلغ 50 ملیار دولار فی بلد لا یتعدى سکانه حدود الثلاثة ملایین، سیتخلون عن الریاض التی تدعمهم الآن متى ما وجدوا من یدفع لهم أکثر. وبالنتیجة طالما أن واشنطن برغم قوتها لا تستطیع القیام بدور إقلیمی فی أوروبا دون المرور بباریس ولندن وبرلین فإن الدور الإقلیمی للریاض محکوم بحتمیة التنسیق مع دمشق وعمان طالما أن الجیوبولیتیک والجیوسیاسة یقولان باستحالة القفز من الریاض إلى رام الله وبیروت.

( منقول من موقع جمل )

م/ن/25


| رمز الموضوع: 142878







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. صنعاء تستهدف "بن غوريون" بصاروخ باليستي فرط صوتي.. وتُهاجم هدفاً في يافا المحتلة
  2. كتائب القسام توقع قوة إسرائيلية في حقل ألغام.. وجنود الاحتلال بين قتيل وجريح
  3. المشّاط للإسرائيليين: لا تراجع عن إسناد غزّة.. الزموا الملاجئ ردّنا سيكون مزلزلاً
  4. الإدارة الأميركية ترضخ.. القوات اليمنية تستفرد بالعدو الصهيوني
  5. انصار الله: إعلان ترامب فشل لنتنياهو
  6. سرايا القدس تسيطر على مُسيرة إسرائيلية شرق مدينة غزة
  7. العدوان الإسرائيلي على مطار صنعاء الدولي.. هجوم استعراضي موجه للداخل الصهيوني
  8. عدوان أمريكي إسرائيلي غاشم على اليمن بعشرات الطائرات
  9. وزير الخارجية الإيراني: الدعم القاتل لإبادة نتنياهو الجماعية في غزة، وشن الحرب نيابةً عنه في اليمن، لم يُحققا شيئاً للشعب الأميركي
  10. طهران ترفع الستار عن وثائقي للمقاومة في فلسطين وايرلندا
  11. حكومة الاحتلال تقرّر توسيع الحرب على غزة رغم التحذيرات
  12. وزير العلوم الإيراني: الرأي العام العالمي لا يعترف بالكيان الصهيوني
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)