qodsna.ir qodsna.ir

التعاون العسکری بـیـن الهنـد و الکیان الصهیونی

کشفت دراسة ابعاد العلاقات الصهیونیة مع الهند، مبرزا المخاوف الصهیوینة من احتمالات انتکاس هذه العلاقة نتیجة تأثیر عوامل موضوعیة تتعلق بحاجة الهند للنفط فضلا عن الروابط التاریخیة العمیقة التی تربطها بالعالم العربی والاسلامی، إلى جانب الهواجس الامیرکیة النابعة من صعود قوى دولیة جدیدة تنافسها فی الساحة الدولیة.

أضحت العلاقات العسکریة والامنیة بین نیودلهی وتل أبیب علاقات استراتیجیة تنطوی على أهمیة کبرى عقب تعزیز تلک العلاقات فى مطلع التسعینات على حساب العلاقات العربیة الهندیة. ومع بدایة الالفیة الجدیدة تطورت العلاقات بین الهند و”إسرائیل” بشکل سریع ومتواتر لم یثر اهتماماً عربیا أو اسلامیا، على الرغم من التأثیر المباشر لهذه العلاقات على الامتین العربیة والاسلامیة، فمن جهة ینعکس التعاون الامنی والعسکری بین البلدین على الحرب التى تشنها الهند ضد إقلیم کشمیر الاسلامی، ویعزز من الحرب الشعواء التى یشنها الهندوس ضد المجاهدین المسلمین بالاسلحة الصهیونیة الحدیثة، فضلا عن التوتر النووی القائم بین باکستان والهند. فى المقابل تلقى تل أبیب دعما دبلوماسیا وسیاسیاً صامتاً فی الآونة الأخیرة من الهند فى کل ما یتعلق بالقضیة الفلسطینیة وباقی قضایا النزاع العربیة مع “إسرائیل”، على عکس ما کان سائدا فى الستینیات والسبعینیات من القرن الماضی.

إذا باتت العلاقات المشبوهة بین الهند والکیان الصهیونی خطراً داهماً یهدد الاستقرار العربی والاسلامی، قد تظهر انعکاساتها فى أی وقت، تکشف دراسة عبریة حدیثة صادرة عن معهد أبحاث الأمن القومی الاسرائیلی أعدها الخبیر الصهیونی الاستراتیجی یفتاح شابیر تطرق فیها إلى أسرار العلاقات الامنیة بین البلدین والتحدیات التى تواجهها، أسرار العلاقات الامنیة والعسکریة بین البلدین خلال العامین الماضیین.

وفى مستهل الدراسة التى حملت عنوان «الصادرات الأمنیة الاسرائیلیة للهند... التحدیات والمخاوف» أکد شابیر على ان العلاقات بین نیودلهی وتل أبیب کانت مجمدة طوال أربعین عاماً بعد رفض الاولى اقامة علاقات دبلوماسیة مع “إسرائیل”، فى مقابل الحفاظ على علاقاتها مع الدول العربیة. لکن هذا الوضع شهد تغیرا جذریا فى عام 1991، بعد أن رأت الهند ضرورة الانفتاح على العالم فى ظل سیاسیة التحرر الاقتصادی، وفى کانون الثانی 1992 دشنت البلدین علاقاتهما الدبلوماسیة، واستمرت فى التطور حتى شهدت تغیرا جذریا فى عام 1999 بعد تعاون أمنی وثیق بین البلدین، وتزوید تل أبیب الجیش الهندی بأحدث الأسلحة القتالیة. ومنذ ذلک الحین أصحبت “إسرائیل” أکبر مورد أسلحة للجیش الهندی، واحتلت مکانة روسیا وفرنسا کأکبر موردین للسلاح والعتاد العسکری للهند.

وتجزم الدراسة الصهیونیة بأن مبیعات الاسلحة الاسرائیلیة للهند خلال العامین الماضیین تجاوزت قیمتها ملیاری دولار تقریباً. کما شهدت السنوات الاخیرة تعاونا وثیقا فى مجال ما یسمى بـ»محاربة الارهاب» والتعاون المخابراتی، والذی تزاید بشکل ملحوظ عقب تفجیرات بومبای فى نوفمبر 2008 التى استهدفت أیضا مواقع یهودیة وسائحین اسرائیلیین.

واستعرضت الدراسة الاسرائیلیة أهم صفقات الاسلحة بین تل ابیب ونیودلهی خلال العامین الماضین، والتى تعکس التطور السریع فى العلاقات العسکریة بین البلدین، والتی یمکن تلخیصها فى النقاط التالیة :

صفقة طائرات التجسس من طراز فالکون: تلک الصفقة تم توقیعها عام 2004 وبلغت قیمتها 1.1 ملیار دولار، وعلى الرغم من العراقیل والعقبات التى واجهتها، لأن هذا النوع من الطائرات بها تکنولوجیا امیرکیة، إلا أن الصفقة خرجت للنور وتسلم سلاح الطیران الهندی أول طائرة من هذا الطراز العام الماضی وهناک طائرتان أخرییا من الطراز نفسه سوف تستلمها الهند العام القادم. وتشیر المصادر إلى أن نیودلهی أبدت اهتماما أکبر بهذا النوع من الطائرات لذا ستطالب تل أبیب بثلاث طائرات جدیدة من هذا الطراز.

قامت الهند مؤخرا بشراء نحو أربعة ردارات من طراز EL-M2083 من شرکة ألتا للأنظمة العسکریة الاسرائیلیة وتم وضعها على الحدود الهندیة الباکستانیة.. ومهمة تلک الردارات هو رصد الاختراقات الجویة من جانب الطیران الباکستانی، وقدرت قیمة تلک الصفقة بنحو 600 ملیون دولار. وهنا تؤکد الدراسة على أن تفجیرات بومبای دفعت الحکومة الهندیة فى الفترة الاخیرة إلى شراء مزید من هذه الردارات لحمایة مجالها الجوى من ایة اختراقات، وکان هذا احد الدروس المستفادة من تلک التفجیرات.

کشفت الدراسة الاسرئیلیة النقاب عن شراء الهند لأنظمة دفاع جویة من الکیان الصهیونی خلال العامین الماضیین تقدر بأکثر من ملیار دولار. وفى هذا الاطار أبرم البلدان صفقتین ضخمتین الاولى صفقة صواریخ «باراک8» وهى صواریخ بحریة مضادة للطائرات والصواریخ البحریة التى یصل مداها إلى نحو 70 کیلومترا وتقدر هذه الصفقة بنحو 1.4ملیار دولار. أما الصفقة الثانیة فهی شراء الجیش الهندی لأنظمة سبایدر الاسرائیلیة وهو منظمة جویة دفاعیة متنقلة .

المجال الفضائی بین البلدین شهد هو الآخر تعاونا متزایداً فى العامین الماضیین، حیث نجحت الهند بالتعاون السری مع “إسرائیل” فى اطلاق قمر التجسس RISAT-2 ادعت نیودلهی فى البدایة بأنه مخصص للأغراض المدنیة، لکنه اتضح بانه یحمل جهاز رادار اسرائیلی عسکری من طراز سار. وکشفت الدراسة بان القمر العسکری الهندی یشبه کثیرا قمر التجسس الاسرائیلی الشهیر تیک سار الذی اطلقته تل ابیب للفضاء فى کانون الثانی 2008 من قاعدة صواریخ هندیة.

أنهت هیئة الصناعات الجویة الاسرائیلیة مؤخراً تحدیث طائرات هجومیة یمتلکها الجیش الهندی من طراز می24، کما تترد أنباء – وهو ما أکدتها الدراسة الاستراتیجیة الصهیونیة- اعتزام اتفاق الهند و”إسرائیل” على قیام الاخیرة بتطویر طائرات النقل الهندیة من طراز آن32، ویمتلک الجیش الهندی 100طائرة من هذا الطراز الاوکرانی الاصل.

أحدث صفقات التعاون الامنی والعسکری بین تل أبیب ونیودلهی حسبما أکدت الدراسة هى تزوید “إسرائیل” الجیش الهندی بالطائرات بدون طیار الهجومیة من طراز هاربون. هذا ولم تطرق الدراسة الى الصفقات العسکریة السریة بین البلدین.

فى مقابل الصادرات العسکریة الصهیونیة للهند استعرضت الدراسة التى أعدها الخبیر الصهیونی یفتاح شابیر الصادرات الهندیة للکیان الصهیونی واشارت إلى أنه بالرغم من التفوق الهندی فى مجال الصناعات العسکریة، لا سیما فى المجال الفضائی، لکنها حاولت إغراء “إسرائیل” بشراء منتجاتها العسکریة، ومن بین تلک الصفقات تزوید الهند الجیش الصهیونی فى عام 2004 طائرات عمودیة من طراز Dhruv کما أنه تتردد مؤخرا أقوال بشأن تزوید الهند الجیش الصهیونی بصواریخ بحریة من طراز BrahMos وهى صواریخ مضادة للسفن تعتزم تل ابیب شراءها لتحقیق تفوق بحرى على الاسطول المصری فى منطقة جنوب شرق البحر المتوسط.

وعلى الرغم من تعاظم التعاون الامنی والعسکری بین “إسرائیل” والهند، لکن الدراسة لم تخف مخاوف المسؤولین فى تل أبیب من أن هذه العلاقات قد تذهب أدراج الریاح، وقد تعصف بها أی أزمة قد تنشب بین البلدین على غرار العلاقات الترکی- الاسرائیلیة مؤخراً. وفى هذا الاطار رصدت الدراسة الاسرائیلیة الصادرة عن معهد أبحاث الامن القومی الاسرائیلی عدة عوامل تهدد العلاقات العسکریة بین البلدین، مشیرة فى الوقت ذاته إلى ضرورة تأمل المسؤولین الاسرائیلیین فى تلک التحدیات لتجنب ای نکسة تلحق بتلک العلاقات :

أولى هذه العوامل العلاقات العربیة– الهندیة، حیث أوضحت الدراسة أنه کما قامت العلاقات الاسرائیلیة الهندیة على حساب العلاقات العربیة الهندیة، لکن لیس بالسهولة أن تتخلى نیودلهی عن علاقاتها التاریخیة عن الدول العربیة ودعم القضیة الفلسطینیة باعتبارها قادة دول عدم الانحیاز وقائدة مسیرة التحرر فى العالم من الاستعمار. هذه العلاقات حسبما أکدت الدراسة قد تعصف بالعلاقات الجدیدة الوطیدة مع “إسرائیل”، وهو ما یدفع الحکومة الهندیة للتعامل سراً فى کثیر من الصفقات العسکریة مع «إسرائیل».

ثانی تلک العوامل تنامی اتجاه معارض داخل الهند للتعاون العسکری مع “إسرائیل”، وهو ما دفع السلطات الهندیة فى التحقیق مع مسؤولین هنود کبار تلقوا رشاوی من أجل اتمام صفقات عسکریة اسرائیلیة.

أما ثالث العوامل التی تهدد مستقبل التعاون العسکری بین الهند و”إسرائیل” فهو الولایات المتحدة الامیرکیة، فعلى الرغم من التحالف الاستراتیجی مع “إسرائیل”، لکن تخشى واشنطن من انتقال تکنولوجیاتها العسکریة التى تقدمها لاسرائیل من الانتقال بدورها للهند، وهو ما یؤثر على میزان القوى التى ترغب واشنطن فى الحفاظ علیه فى منطقة جنوب اسیا. وأن هناک کثیر من الصفقات بین الهند و”إسرائیل” قد أُلغیت بسبب الولایات المتحدة الامیرکیة.

وآخر العوامل التى تهدد مستقبل العلاقات الهندیة- الاسرائیلیة العلاقات التاریخیة الوطیدة بین نیودلهی وطهران، خاصة أن الأولى تولی أهمیة علیا للعلاقات التجاریة والاقتصادیة مع طهران التی ترتبط بها نفطیا ارتباطا شدیداً.

ونوهت الدراسة أنه بالرغم من تلک العلاقات الوطیدة لکن إیران لن یمکنها عرقلة العلاقات العسکریة وصفقات الاسلحة بین نیودلهی وتل أبیب. لکن المخاوف الصهیونیة تکمن- حسبما أکدت الدراسة الاسرائیلیة- فى انتقال التکنولوجیا العسکریة الاسرائیلیة إلى إیران عبر الهند فى حال تدهور العلاقات بین البلدین، بسبب القضیة الفلسطینیة على غرار ما حدث فى العلاقات بین ترکیا و”إسرائیل”.

وفى ختام الدراسة التى أعدها الخبیر الصهیونی یفتاح شابیر أکد على أنه بالرغم من التطور السریع للعلاقات العسکریة بین الهند و»إسرائیل»، واعتبار الهند الزبون الأکبر لشراء الأسلحة والأجهزة العسکریة الصهیونیة، لکن لا یمکن وصف تلک العلاقات بانها علاقات استراتیجیة من الدرجة الأولى، خاصة أن الهند تتطلع للاستقلال فى مجال التصنیع العسکری، وتحقیق قدرت ذاتیة عسکریة. کما أن التعاطف الهندی مع العرب لاسیما مع الفلسطینیین قد یضع نهایة مبکرة فى أى وقت للعلاقات بین البلدین.

وانتهت الدراسة لنتیجة مفادها أنه بالرغم من ان العلاقات بین الهند و”إسرائیل” تعد انجازا کبیرا بالنسبة لتل أبیب، لکن العلاقات بینهما لم تصل بعد الى التحالف الاستراتیجی، وأن العلاقات الحالیة مجرد نافذة فرص جدیدة غیر مضمونة البقاء لفترة طویلة، رغم ما تروج له الحکومات الاسرائیلیة المتعاقبة عن قوة العلاقات بین البلدین.

ن/25


| رمز الموضوع: 142972